فنانو تونس يطلقون صيحة فزع ضد التشدد الديني

 

امام المركز الثقافي بمدينة بمنزل بورقيبة شمالي العاصمة تونس فرش مئات الاسلاميين المتشددين السجاد واقاموا صلاة في نفس المكان الذي كان من المفترض ان يقدم فيه الممثل لطفي العبدلي عرضا مسرحيا ليمنعوا بذلك العرض احتجاجا على مضمون المسرحية الذي قالوا ان فيه اساءة للاسلام.

العبدلي الذي يقدم مسرحية ‘مايد اين تونزيانا مئة بالمئة حلال’ وهي مسرحية ساخرة ينتقد فيها الخلط بين السياسة والدين فوجيء بملاحقة اسلاميين متشددين له في كافة عروضه بهدف منعها. وبالفعل نجحوا في منع عدة عروض قبل ان يستعين بمجموعة من الحراس لحماية عرضه في الحمامات.
ومنذ الثورة التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي تعاظم دور الاسلاميين في تونس بعدما عانوا طيلة السنوات الماضية القمع والسجن. وتقود حركة النهضة الاسلامية الحكومة بعد فوزها في انتخابات العام الماضي.
ويثير تزايد دور الاسلاميين في تونس مخاوف الطبقة العلمانية في البلاد التي ظلت لعقود من ابرز البلدان العلمانية في المنطقة من ان يستغل المتشددون وصول حركة اسلامية للحكم لتمرير افكارهم بالقوة.
لطفي العبدلي وهو من اشهر الممثلين في تونس عرف بمواقفه الناقدة لنظام بن علي حتى قبل الثورة. وقال لرويترز ‘انا لا اخشى التهديدات او الاعتداء ولكني اخشى بقوة من ان تسلب منا حرية التعبير والابداع -وهي المكسب الحقيقي الذي منحته الثورة للتونسيين- جراء عدم قيام الدولة بواجبها في توفير الحماية للمبدعين’.
ويضيف ‘انا مستاء من الوضع الذي وصل اليه حال المثقف في تونس. اشعر اني محاصر من جميع النواحي لكني لن اصمت واقول للحكومة جهزوا لي زنزانة فانا سأتفرغ لنقدكم في اعمالي’. وامتنعت قوات الامن عن تأمين الحماية لعروض العبدلي بعد ان انتقدها بشكل ساخر في مسرحيته وهو ما رأت وزارة الداخلية أنه أثر على معنويات رجل الامن.
وبعد ان اطاحت الثورة بالنظام السابق اصبحت حرية التعبير ابرز مكسب للتونسيين في ظل استمرار الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. لكن كثيرين يقولون ان هذه الحرية اصبحت في خطر مع غياب الردع الحكومي لتجاوزات المتشددين الاسلاميين.
وفي الاسبوع الماضي قتل اربعة اشخاص واصيب العشرات اثناء هجوم على السفارة الامريكية بتونس احتجاجا على فيلم يسيء للرسول محمد انتج في الولايات المتحدة.
وفي الاسابيع الاخيرة منع متشدون عدة عروض موسيقية ومسرحية قائلين انها تسيء للمقدسات الاسلامية. واعتدى متشددون ايضا على فنانين كما تمثل الرسامة نادية الجلاصي امام القضاء بتهمة عرض رسوم من شأنها ان تعكر صفو الامن العام وقد تواجه عقوبة تصل إلى السجن لخمس سنوات.
وقال وزير الثقافة مهدي مبروك انه تم منع 12 عرضا فنيا هذا الموسم لأسباب امنية وبسبب تهديدات مجموعات سلفية.
وأدانت وزارة الثقافة اعتداءات السلفيين على الفنانين ودعت السلطات الامنية الى حماية المبدعين ومحاسبة المعتدين عليهم.
وقال وزير الثقافة انه اصبح يخشى سيطرة السلفيين على المشهد الثقافي وان وزارته رفعت ست قضايا على جماعات سلفية بتهمة منع اقامة عروض وإنها ستقف في صف المبدعين بغض النظر عن توجهاتهم.
لكن الفنانين يرون ان دعم وزارة الثقافة لهم غير كاف ويتعين ردع كل من يعتدي على مبدع او يمنع عرض بأي حجة.
وطالب اتحاد الكتاب التونسيين في بيان بأن يتضمن الدستور الجديد نصا عن حرية المبدع وحمايته من اي تهديد قد يتعرض له. وخلال الشهر الماضي اعتدت مجموعة على الشاعر الصغير اولاد احمد بسبب قصيدة يسخر فيها من بعض المتشددين. واثار الاعتداء مخاوف من انتشار رقعة العنف لدى السلفيين لتمرير افكارهم. وشبه الشاعر الموسم الثقافي الحالي بأنه ‘عام اسود للثقافة’. وقال ‘حرية الابداع في مرحلة حرجة في ظل حكم النهضة..انا اعتبر ان النهضة متواطئة واعتقد ان السلفيين والنهضة يتقاسمون الادوار’.
لكن زعيم حركة النهضة الاسلامية راشد الغنوشي قال ان يرفض اي مظهر للعنف. وأضاف ‘منع حفل او كتاب هذا امر مرفوض لكن لا يجب تجريم جماعة بأكملها. ونحن نتوقع ان تسود ثقافة دينية معتدلة في تونس بعد استقرار الاوضاع فيها في المرحلة المقبلة’.
وتعهدت النهضة منذ وصولها للسلطة بدعم الثقافة والابداع وعدم تقييد الحريات لكن معارضيها يقولون ان خطابها مزدوج.
كما منع سلفيون ايضا اقامة عرض لمجموعة ايرانية في القيروان في شهر رمضان معتبرين انهم لا يسمحون لجماعة شيعية بتمرير افكارها في بلد غالبيته سنية.
وفي بلدية سجنان بشمال البلاد ألغى المنظمون كل انشطة المهرجان بعد تهديدات مجموعات سلفية بجحة ان رمضان شهر عبادة فقط.
ويسعى السلفيون الى تطبيق الشريعة واقامة دولة اسلامية ويرفضون الديمقراطية معتبرين انها كفر.
وترفض جماعة انصار الشريعة السلفية التي يقودها ابو عياض وهو تنظيم قريب من تنظيم القاعدة التصريح للاعلام.
لكن رضا بلحاج وهو رئيس حزب التحرير ذي المرجعية السلفية يرى أن بعض المثقفين يسعون للاستفزاز بهدف تسليط الاضواء عليهم. وقال ‘هناك بعض ممن ليست لهم شعبية يسعون لان يكونوا في مظهر الضحية’.
واضاف ‘نحن ضد العنف ولكن يتعين تركهم يعملون وعدم منعهم لان رداءة اعمالهم ستفضحهم’.
وفي شهر يونيو حزيران الماضي شهدت البلاد مظاهرات عنيفة خلفت قتيلا وعشرات الجرحى احتجاجا على معرض قال اسلاميون انه عرض رسوما تسيء للمقدسات الاسلامية.
وعلى خلفية هذا المعرض استدعى القضاء الرسامة نادية الجلاصي في إحدى المرات القلائل التي تحاكم فيها فنانة في تونس في العقود الاخيرة. وقد تواجه عقوبة بالسجن تصل خمس سنوات بسبب لوحات رأى فيها اسلاميون استفزازا.
وقالت نادية الجلاصي ‘انا مصدومة من اسئلة القاضي الذي سألني عن نيتي الحقيقية من رسم هذه اللوحات. انها اول مرة يقف فيها فنان في تونس امام قاض ليسأله عن نواياه’.
وحذرت من ‘خطورة انعاكسات التشدد الديني على حرية الابداع والتعبير وفرض نمط عيش متشدد على كل التونسيين’.
وقال الصغير اولاد احمد انه يخشى تكرار السيناريو الذي عاشته الجزائر في التسعينات بقتل وضرب المثقفين.
وأضاف ‘نحن لا نريد ان يحصل لنا ما حصل في الجزائر لكن للاسف كل المؤشرات تقول اننا نسير في هذا الطريق… نعيش مرحلة خطيرة واذا لم يتوقف النزيف فان البلاد قد تشهد مرحلة تسيل فيها الدماء’.
وتسعى حركة النهضة لتمرير قانون ضمن الدستور الجديد يحرم المس بالمقدسات الدينية حتى ضمن الاعمال الفنية وهو ما يراه العلمانيون تهديدا للحرية الناشئة بعد الثورة.
وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان مشروع القانون واعتبرته مساسا بحرية التعبير الناشئة في تونس.
وبعد ان اثار الفيلم المسيء للاسلام اخيرا احتجاجات واسعة في ارجاء الشرق الاوسط اكد نواب من النهضة تمسكهم بقانون دولي ومحلي يجرم الاساءة للمقدسات الدينية. 
وقال لطفي العبدلي ان عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لمحاسبة السلفيين يعتبر ‘تواطوءا’ معهم.
واضاف لرويترز ‘وصلتني تهديدات على صفحتي الخاصة على الفيسبوك.. انا متخوف من السيناريو الجزائري حين اهدرت دماء المثقفين الذي ثاروا على القمع’.(رويترز)

 

طارق عمارة

http://www.alquds.co.uk/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *