كلمة الأمين العام اسماعيل عبد الله في افتتاح نقد التجربة_ همزة وصل الندوة التي تقيمها الهيئة العربية للمسرح في الأردن

 

 

 

كلمة الأمين العام اسماعيل عبد الله

في افتتاح

نقد التجربة_ همزة وصل

الندوة التي تقيمها الهيئة العربية للمسرح في الأردن

لم يكن الإزميل الذي نقش به النبطي حجارة البتراء إلا عملية لإعادة إنتاج صخورها بشكل إبداعي يحقق للإنسان فوائد النفع اليومي، دون أن يتخلى عن مقامات الجمال التي تنعش الروح، فتحول الصخر الأصم إلى مشهد بليغ النطق، فصيح الجمال؛ طوت الدهور صانعه و ظل الإبداع شاهده، هذا الإبداع الذي صار مهوى افئدة الناس من كل جهات الدنيا، فمن يسأل عن موقع رمسِ المبدع الصانع طالما يراه ما زال حياً نابضاً، يسعى في درب السِيق، و اصداء الأزاميل و المطارق على وقع الخيل و العربات تعزف لحن السعي و الحجيج لقراءة الجمال بعد هذه الآلاف من السنين.

و المبدع المسرحي حاله حال ذلك المبدع الذي نقش صخر بِترا، فأبدَهُ، إلا أنه ينقش صخر الخيال الذي هو أقسى، و يخلق من العدمِ الجمال مرئياً و مسموعاً، حقيقة ملموسة، ما تلبث أن تتلاشى من أمامه، بعد أن تكون قد سكنت وجدان الناس.. فمن يؤبد هذا الجمال الفارَّ من بين يدي اللحظة إلا الباحث الناقد، و المؤرخ الموثق؟

و إن كنا بدأنا خطوة بهذا الاتجاه مع الإبداع المسرحي الأردني من خلال مشروع “خزانة ذاكرة مهرجان المسرح الأردني” في دوراته التسع عشرة السابقة، فإننا اليوم نقف في المجال الرحب للتحليل، و التفكيك و النقد و التمحيص من خلال “نقد التجربة – همزة وصل” و التي أطلقناها منذ عام و نصف لتكون حلقات لتجلي البحث على امتداد الساحة العربية، لتنطلق صحائفها و تسطر صفحاتها ما أبدعه المسرحي الأردني، و تأتي تفاصيلها طبقاً لما اقترحه مجموع من المسرحيين الأردنيين في تشاور فريد امتد شهوراً عديدة قبل أن يصبح محدداً في جدول أعمال هذه الدورة من هذه الندوة، التي لن تكون سوى الحلقة الأولى من حلقات ” نقد التجربة – همزة وصل” في المسرح الأردني، لتساهم في إرساء و تأكيد دور النقد العلمي و البحث و التحليل في رفع مستوى المنتج الإبداعي المسرحي، الذي لا يمكن له الخروج من دوائر العشوائية و الصدفوية في التطور إلا بسيادة روح و أدوات النقد.

و من هنا فإن هذه الندوة تأتي  ضمن سعي الهيئة الدؤوب لترسيخ منهجية علمية و عملية للتفاعل مع المسرح العربي في مختلف مواقعه و مشاهده، و هي بمجملها لا بد أن تكون خاضعة للنقد و التقويم، و ذلك لضمان تطوير و تصويب الحلقات القادمة منها منهجاً و إدارة.

كان مقدراً لهذه الندوة و التي تأتي ثمرة للتعاون الخلاق بين الهيئة و نقابة الفنانين الأردنيين أن تعقد في مواعيد مختلفة عن هذا الموعد الذي تنعقد فيه الآن، فالندوة فعل قائم بذاته، و لكن المجريات و التعاون المثمر مع مديرية الفنون و المسرح، جعلت من الدورة العشرين موعداً لانطلاق فعاليتي الخزانة و همزة الوصل معاً، ليكتمل فيهما مشهد فريد من بدايات للتوثيق و نقد التجربة معاً.

و إذا كنا أول أمس قد بدأنا التعاون الفعلي في بدء الخطوة الثانية من خزانة الذاكرة بقيام الهيئة بتوثيق فعاليات هذا المهرجان التوثيق المرئي، و تسليم المواد يوماً بيوماً للشركاء الأردنيين، فأننا نعلن في افتتاح الندوة الأولى من همزة وصل أردنياً، أننا سنعمل معكم جميعاً أفراداً و مؤسسات للتخطيط للحلقة الثانية من هذه الندوة في الفترة القادمة.

“نقد التجربة – همزة وصل” تهدف إلى وضع الخلاصات بين أيدي الأجيال التي تتوارث راية الإبداع، و نقل نقد التجارب من الإرتجال إلى البحث الذي يمكث في الأرض..فينفع الناس.

أن هذه الندوة إضافة إلى مجموعة الندوات التي انطلقت في المغرب و قطر  و ستنطلق في تونس و الإمارات و السودان  خلال الأشهر الأربعة القادمة، و التخطيط لتشمل كل الساحة العربية  و جهود المسرحيين العرب في المغتربات، تضع المسرحيين العرب على نهج التدبر العلمي لمجمل الحراك و دفعه نقدياً نحو النضوج و إفراز الرؤى الإيجابية المتوالدة و التراكم المعرفي البيني.

في هذه اللحظة لا يسعني إلا أن أشكر سعادة نقيب الفنانين الأردنيين / منسق الندوة الفنان حسين الخطيب، و كل المسرحيين الذين لبوا نداءنا على صفحات التواصل الاجتماعي و من خلال المراسلة المباشرة فأضاءوا لنا دروب سيرنا في هذه الندوة فرداً فرداً، و اؤلئك الذين قالوا “لقد اكتشفنا فجأة صعوبة المسالك هذه فاعذرونا”، و أقول لهم إن السير برفقة هذه الكوكبة المبدعة، يذلل كل الصعوبات، و أحيي الأساتذة الذين أنجزوا أبحاثهم في مواعيدها و بذلوا فيها جهوداً تضاف إلى جهود الذين قاموا بالتوثيق فرادى للمسرح الأردني، لنقول لهم، أسستم و ها هو الفعل يصبح جمعياً يُعلي من شأن التوثيق و النقد الذي يجب أن نحرص جميعاً على غيابه، و أخيراً أحيي سعادة الفنان محمد الضمور مدير المهرجان الذي لم يتوانى عن استضافة الندوة و جعل موعدها ضمن فعاليات المهرجان في دورته العشرين.

بكل المحبة نقف اليوم في وطن ، بحجم بعض الورد إلا أنه، له شوكة ردت إلى الشرق الصبا.. أردن أرض العزم، أغنية الجمال.

 

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *