“الماريشال” ينزع ملابسه الداخلية بحثا عن… الجندي المجهول!

رفع مسرح أم البواقي سقف المنافسة بمهرجان المسرح المحترف المقام حاليا بالجزائر العاصمة، بعد ما قدّم عرضا بعنوان “افتراض ما يكون فعلا” للكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي والمخرج لطفي بن سبع، حيث يستعرض ممثلون شباب نصا صعبا يتمحور حول عدة مسميات تسيطر على حياتنا الراهنة، وإن عالجها من زاوية نظر استبدادية ينتجها سلوك الحاكم الدكتاتور المجسّد في شخصية الماريشال.. هذا الأخير الذي يشعل حربا بالقرعة، بحثا عن رفات لنصب الجندي المجهول الذي يريد بناءه في جمهورية الخوف والتعاسة، مهما كان الثمن.

 

 

الماريشال (هشام فرفاح) يصرخ في وجه مستشاره: لا تقل لي مشكلة بسيطة، بل سمّها أزمة، كارثة، طوفان، فأنا رجل الظروف الصعبة، قبل أن يعود ليطرح في لحظة انهيار وضعف سؤاله المثير والموجع: يا الله، كيف لي أن أواجه مثل هذه التعاسة كلها وحيدا؟ !

الجمهور الذي اكتظ به مسرح بشطارزي أول أمس، كان يعتقد للوهلة الأولى وهو يواجه ركحا خاليا من الديكور المعقد، ويضج باللوحات الكوريغرافية الجميلة التي أبدع فيها عيسى شريط، أن العمل الجديد الذي يقدّمه مسرح أم البواقي لن يخرج عن الموضة السائدة هذه الأيام في المسرح العربي عموما، والمرتبطة بمعالجة تداعيات الربيع العربي وافرازات الثورات الشعبية، خصوصا بعد ما يسأل الماريشال مستشاره وجنده عن الخطر الداهم والمجهول.. هل هو انقلاب عسكري، أم ثورة شعبية.. أو ربما كارثة جوية؟ ليأتيه الجواب: بل انه نصب الجندي المجهول الذي بنيناه، حيث لا نجد له رفاتا لدفنه حتى الآن؟

أسئلة الحاكم الديكتاتور التي تمحورت حول غياب جندي يتم دفنه في النصب الموعود، سرعان ما تتطور إلى جدل بين الماريشال ومستشاره، في ظلّ موالاة سياسية وعسكرية، تمارس طقوس المساندة بنزع الملابس الداخلية في اشارة واضحة للوضعية المزرية التي يعيشها العالم العربي برمته، حتى من دون تسمية أو تحديد جغرافي، لأشكال السياسة التي تعني الرضوخ والتبعية العمياء، والموالاة المغطاة بانتهازية مقيتة، سرعان ما تتطور الى قيام جماعة التفكير والتدبير في جمهورية الخوف والتعاسة، باقتراح حلّ على جندي مجهول، يتم الإيحاء له بامتيازات سيحصل عليها ميتا أكثر مما تتوفر له في الحياة، بحثا عن اقناعه بدفنه في النصب التذكاري قبل استعمال لغة التهديد معه، حين يقول له المستشار: اذا لم توافق سنتهمك بالخيانة العظمى ونحاكمك، فيجيب الجندي المجهول المفترض: وطن يتّهمني بالخيانة لا يستحق أن أُدفن في ترابه؟!

حالة الارتياب التي توجد عليها الدكتاتورية، تصل الى أقصى درجات العبث حين يفكر الماريشال ومن معه في شنّ حرب بحثا عن الجندي المجهول “الذي يعطّر تراب الوطن بدمائه الزكية”، لكن الحرب التي يتم اختيار العدو فيها بالقرعة، تسفر في النهاية على انتصار وجثة، يتضح أنها ليست لجندي من الجيش الوطني، ولكنها لعدوّ حولته الشظايا الىجثة ممزقة!

البناء السردي للنص، خلق حوارا بين الماريشال والجثة الأسيرة، دفع هذه الأخيرة لتواجهذابحيها بالقول: قتلتموني وتريدون السير في جنازتي!

مقدمة المسرحية مثل خاتمتها، تبدأ وتنتهي بالجمل العبثية التي تحمل مضامين متداخلة: هناك أشياء نعرفها ولا نعرف أننا نعرفها، وهنالك أشياء لا نعرفها ونعرف أننا لا نعرفها.. تلك هي القصة، وتلك هي المأساة المفتوحة!

قادة بن عمار

http://www.echoroukonline.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *