المخرج الفاضل الجعايبي: أخرجت مسرحية ‘خمسون’ لكي لا تتحجب ابنتي

ميزة أعماله أنها لا تهادن ولا تخادع، بل تفضح العنف والكذب والتهميش. المخرج المسرحي التونسي الفاضل الجعايبي ذو شخصية صدامية تكره الرتابة وتؤمن بأن المسرح

تمرّد أو لا يكون. وربما نظفر بكل هذا التمرد والمجازفة والتجريب في مسرحيته الجديدة “تسونامي” التي بقيت وفية لهذا التمشي وللمبادئ الكبرى في مشروعه الفني؛ والتي أثارت جدلا في أوساط النقاد والجمهور العريض. ههنا حوار خاص مع الجعايبي فيه إجابات عن بعض الأسئلة التي تنتابنا بعد كل مشاهدة لعمل من أعماله.

إن الميزة الأساسية لأعمال المخرج المسرحي الفاضل الجعايبي منذ “العرس” وحتى مسرحيته الجديدة “تسونامي”، هي أنها أعمال تحتكم إلى الصدق والمجازفة والتمرد والاستقلالية وإلى المرآة الفنية التي تكشف عُرينا وصورنا المرسومة في القاع

صرخة غضب

“تسونامي”، عنوان صادم لمسرحية أحدثت رجة قوية في ذهن المتفرج من أول مشاهدة، عن الأبعاد الفنية لهذا العنوان وعلاقته بالمضمون، يقول الجعايبي: “منطلق المسرحية واقعي للأسف، “تسونامي” الذي هب على فوكوشاما في اليابان كما هبت الثورة التونسية ومن بعدها المصرية على العالم العربي، وقد شعرت بهذه المقاربة الفنية بين هذا الإعصار والكارثة والثورة التي هي ليست بكارثة ولكنها انقلابة رأس على عقب وانقلاب في الموزاين وهذا الإعصار الرهيب الذي هبّ على تونس والذي كان مرتقبا ولكنه ليس منتظرا وفي أي تاريخ تحديدا ولسنا متهيئين له، لا المواطن العادي ولا الجهاز الإعلامي ولا السياسي ولا البلاد ولا الجهاز الاجتماعي، وهذا ما خلق انقلابا حقيقيا وجرف معه كل شيء، كل المقاييس وكل القيم، ومن خلال هذه المقاربة والمقارنة بين تسونامي الطبيعة الحقيقي وتسونامي الثورة، هي التي اشتغلنا عليها، وهي التي افتتحنا بها المسرحية وعلى جمل تصف هذا التسونامي بصوت جليلة بكار”.

الكثيرون اعتبروا مسرحية تسونامي صرخة مسرحي ومثقف في وجه الثورة المضادة، وغضبا واحتجاجا ضد مشروع الإسلام السياسي المبني على العنف التيوقراطي، وهي تتحدث عن الآن وهنا والواقع العنيف والاغتيالات، صورة مخيفة لتونس 2015، في هذا السياق، يقول المخرج التونسي الفاضل الجعايبي:” المسرحية هي صرخة غضب -قبل كل شيء- ناتج عن الإحساس بخيبة أمل وافتكاك الثورة حتى لا أقول ثورة مضادة وإنما أناس ركبوا على الثورة وقطعوا مع ما يقوله الإعلاميون والمسرحيون والمثقفون. ولو أن الإسلاميين لم يشاركوا بصورة مباشرة في الثورة وإنما دفعوا الثمن غاليا حين شردهم بورقيبة وبن علي ووقع قمعهم وحبسهم وتشريدهم، وأعتقد أنهم اليوم يحكمون بذلك الويل الذي ذاقوه دون تحكيم للعقل وإنما يستعملون الوعيد والترهيب والترغيب وكل الوسائل الإرهابية التي كانت مسلطة عليهم واليوم هم يستعملونها بطريقة شرعية”.

لعبة الانتقام

الحياة السياسية تتحرك اليوم في تونس، وصعود الأنظمة الإسلامية، بات شبحا يهدد استقرار البلاد، حتى أن البعض ذهبوا إلى أن الإسلاميين سقطوا في لعبة الانتقام، عن هذه المسألة يؤكد الجعايبي، أنهم لم يسقطوا في هذه اللعبة، وإنما هم فيها منذ البداية من خلال مشروعهم وبرنامجهم التيوقراطي وتصريحاتهم علنا وسرا ونشاطاتهم، يقول: “بعد أن نجحوا صرحوا بأن الخلافة لا تراجع فيها، وتصريحات الغنوشي خير شاهد على ذلكـ، وما عمّق المخاطر أكثر هو أن المعارضة مشتتة ومهمشة وتتصارع فيما بينها، ولا تلتقي إلا إذا وقع اغتيال أحد أبنائها وإلا فهي تتنازع فيما بينها، وكذلك الوضع بالنسبة للمثقفين، ومن أجل كل ذلك جاءت المسرحية كصرخة مثقف وسط هذا الفراغ وهذه الصراعات وهذا التسونامي من العنف المسيطر، جاءت صرخة غضب وفزع وتنبيه وإنذار لما يقع اليوم، لأننا – كما قلت دائما- نحن مواطنون قبل أن نكون مسرحيين نشاكس ونواجه انطلاقا من تحاليل وأطروحات لأننا أناس مستقلون لا نخشى أحدا ولنا ثوابتنا التي نصارع من أجلها منذ عهد بورقيبة وهي الحريات والديمقراطية التعددية، وتسونامي في النهاية هي مواصلة لصراعنا من عهد بورقيبة وبن علي، وصولا إلى زمن الغنوشي وجماعته وهذه المافيا التي تحكم البلاد وتريد أن تفرض علينا دستورا على قياسها ومآربها وتحتل أماكن أساسية في مناصب الدولة، وكل ذلك باسم الشرعية، هذه الشرعية التي تجاوزوها وتجاوزوا السنة التي انتخبوا من أجلها.. وحسب اعتقادنا فإن الذي سيصير هو الذي تكهنا به في مسرحية تسونامي وهو الحرب الأهلية لأننا لا نملك جيشا قويا مثل الجيش المصري والجيش الجزائري”.

حول مدى قدرة اللحظة التاريخية الراهنة على إنتاج عمل مسرحي جديّ يبتعد عن الذاتية ويقترب من الموضوعية قدر الممكن، يجيب الجعايبي:” لا ليس هناك موضوعية حسب اعتقادي في العمل الفني، لأننا لا نستطيع أن نقول للشاعر أو للنحات أو الموسيقار أو المسرحي كن موضوعيا وهذه ليست مفارقة فحسب، هذا تناقض رهيب”.

ويضيف قوله: “الموضوعية مطالب بها المؤرخ وعالم الاجتماع والسياسي والمفكر والباحث في العلوم الإنسانية، نحن الفنانين لا نملك إلا الذاتي، ولكن هذه الذاتية لا تعني المزاجية أو التخبط في النظرة الضيقة والعواطف اللصيقة والانطباعية والتلقائية العشوائية، وإنما يجب أن تكون ذاتية مسؤولة تغربل صخب الواقع، وتنطلق من الموضوعي ليخرج الذاتي ويختزل ويوصل شظايا إحساس الفنان بالواقع إلى العيان وإلى المتلقي، عسى أن يفقه هذا الواقع وترتقي بالذوق والوعي إذا أمكن.. الذي قدمناه في “تسونامي” نوع جديد لم يسبق للتونسي أن عاشه.. عادة يتحدثون عن الحاضر استنجادا بالماضي من خلال الإسقاطات لأن الفنان لا يستطيع أن يتحدث مباشرة عن الواقع وعن شعبه وعن الأحداث اليومية والحالة الراهنة؛ كبعض الأعمال التي تأخذ شكسبير وتقوّله ما لم يقل من خلال عملية الإسقاط عن الواقع وبذلك لا تستطيع أن تستفيد من شكسبير ولا تستطيع أن تفهم الواقع ويصبح التداخل غير مجدٍ بالمرة”.

تناحر مجتمعي

يرى البعض أن المسرحية سقطت من حيث لا يدري المخرج وتبنت تقسيم المجتمع التونسي إلى قسمين: إلى علمانيين وإسلاميين، حداثيين ورجعيين، كفار ومسلمين، أزلام وثوريين، فهل هذا يعني أن الجعايبي سقط في نفس الخطإ الذي حاول أن ينبه إليه، يقول مجيبا ومؤكدا:” ليس نحن من قسمنا المجتمع هذا التقسيم الثنائي المتعسف، الثورة هي التي أتت بهذا التقسيم، وكل إنسان لا يتفق مع النهضة وأزلامها هو كافر من دون نقاش..

أنا حينما قمت بمسرحية “خمسون” صرحت وقلت أنني قمت بها لكي لا ترتدي ابنتي الحجاب؛ واليوم أقول إنني قمت بمسرحية “تسونامي” لكي أحذر من الوقوع في الحرب الأهلية؛ هذه الصدمة والرجة الفنية قدمناها كي نحذر الناس وننبههم ونجعلهم يستفيقون من المستقبل الغامض.. الثورة أفرزت مجتمعين متنافرين متناحرين ومشروعين حضاريين متناقضين، كما يحدث في مصر الآن؛ وهذا التقسيم نلمسه في كل مؤسسات الدولة تقريبا من مجلس تأسيسي وما يحدث فيه من مهازل وبقية المؤسسات.

هناك مشروع مجتمع إسلامي متطرف يدّعي أنه يدافع عن الدين ويبشر بثقافة الموت والعنف، ويقابله مشروع مجتمع حداثي ديمقراطي متفتح تمثله المعارضة التي أعتبرها عائلتي، رغم تحفظاتي على أحزاب مثل نداء تونس وحزب حمة الهمامي فعصرنا لم يعد عصر شيوعية بتلك الرؤية غير المتفتحة؛ وهذان المجتمعان والمشروعان سيدخلان في صدام وحرب أهلية في القريب العاجل وهذا ما تكهنا به في مسرحية تسونامي، وهذا كله سيقضي على تونسنا التي نحلم بها.. تونس الإخاء والتسامح والحداثة والديمقراطية”.

وعن المعارضة ومؤاخذاته عليها، وعن تصنيفه لنفسه كفنان ومثقف تونسي، يقول:” أنا مواطن تونسي حداثي ديمقراطي يؤمن بالتعددية والعلم والعقل، ويرجّح كل ذلك على الشعوذة والكذب والجهل والتجارة بالدين، لأن الدين في اعتقادي هو مسألة شخصية ذاتية؛ وعلى هذا كله ينبني مشروعي الفني”.

 

 

عبد المجيد دقنيش

http://www.alarabonline.org

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *