أرشفة ..المسرح الخليجي

انطلاق فكرة مهرجان المسرح الخليجي على أرض الواقع في الدورة الأولى التي أقيمت بدولة الكويت سنة 1988م، وصولا إلى الدورة الثانية عشرة في السلطنة، مضى على الفكرة عدة أزمان، وواجهت اللجنة الدائمة، عديدَ التحديات؛ الاجتماعية واللوجستية والسياسية،

ولكن استطاع المهرجان في جميع دوراته الدفاع عن حقه في الاستمرارية، بقبوله التحدي والسير في أرض ملغومة وصعبة. وينظر المسرحيون اليوم بنوع من الرضا، يلازمه الكثير من الحذر والطموح، فليس من السهولة بمكان استمرارية هذا المهرجان، وحالنا العربي يشهد تراجعا خطيرا في منظومة القيم والأفكار الخاصة بمجال الفن، وهذا ما كشفت عنه المؤتمرات الصحفية التي عُقدت مع بعض الصيوف العرب، والنقاشات الجانبية عن أحوال تردي وضع مسرحنا العربي بصفة عامة.

 

ولكي لا نصاب بشكل من أشكال النكوص، ينبغي الالتفات إلى قضية أرشفة المسرح الخليجي للحفاظ على التاريخ وتكوين المرجعيات وللدفاع عن الذاكرة. وتصب الندوة الفكرية الشاملة التي أطلقتها اللجنة الدائمة في هذا الجانب المهم والضروري. نحن نقدّر مساعي اللجنة في تدشين المشروع بمحطاته الثلاث، إضافة إلى جهود القائمين في دول المجلس من وزارات التراث والثقافة والمجالس الوطنية والجمعيات المسرحية المدنية.
وحتى ينجح هذا المسعى لابد من وجود برنامج علمي يضع الخطط والاستراتيجيات الأساسية لبرنامج وطني لأرشفة المسرح الخليجي إلكترونيا، دون الاكتفاء بطباعة الكتب والدوريات، التي بغير شك تحقق نسبة من الحضور، لكنها تخسر القراء الفاعلين، إذّ يقتصر توزيعها على المهتمين بالبحث المسرحي. وكلنا يعلم ضعف تسويق الكتاب التخصصي في الأسواق، وقلة القراءة بصفة عامة. وسبب هذا في تقديرنا يرجع إلى غياب الجهاز الإعلامي الجّاد بسبب غيبة الاهتمام بالجانب الثقافي من منظومة وزارات ثقافة دول مجلس التعاون، واعتمادها على الملتقيات الصغيرة، والمهرجانات السنوية المناسباتية.
والناظر لوضع المسرح العربي ومشاريعه الحثيثة لإنقاذ المسرح الآخذ في الاحتضار، إلاّ من التماعات فارقة هنا أو هناك، يجد سعيها لوضع استراتيجية تحمي ذاكرة المسرح في بلادها، خشية الاندثار والانقراض؛ مثل سوريا ومصر والجزائر والمغرب وتونس، التي يوجد عندها خطط عمل في هذا الاتجاه. وتهدف الأرشفة الالكترونية إلى حصر المؤلفات، والعروض، والدراسات البحثية، التي أنجزت حول المسرحي من جميع الكتّاب والباحثين الذين شاركوا بأوراق بحثية، سواء أكانوا خليجيين أو خبراء عرب، أو أجانب، ويتبع الحصر تفنيد كل دراسة في موضوع محدد، كالمسرحيات المتصلة بالتراث، أو الميلودراما، أو وأكثر تخصيصا يمكن تصنيفها إلى نصوص تناولت زمن المجتمع التقليدي، وزمن الانفتاح والمدنية…إلخ، لأن في توفر مثل هذه المصنفات ما يوفر جهدا على الباحث، ويسهل له سهولة الوصول إلى المعلومة في زمن قصير، إضافة إلى سرعة اتصالنا بالمجتمع المعرفي التقني، فالتقينة جعلت العالم كله قرية صغيرة.
ولدعم هذا المشروع نأمل في الواقع أن تسعى الفرق المسرحية الأهلية في دول المجلس لتنظيم ندواتها الفكرية المتخصصة، وتفعيل برامج الورش فيها، بالتنسيق فيما بينها مع الفرق الأهلية في كل دولة، حتى تنتظم فكرة التنوير الثقافي، وتستفيد فرق دول المجلس من الخبرات العربية التي تُجدد الدم في شباب مسرحيها القادمين إلى المسرح بحماس وعطاء وتضحية ورغبة صادقة في التعلّم، مع التركيز على عدم تكرار الاستعانة بخبرات مكررة.
ويتصل بجانب الأرشفة طموحنا أن تخصص اللجنة الدائمة مسابقة لأحسن بحث نقدي مسرحي، يُقدر له جائزة مالية مجزية لا تقل عن جائزة الممثل وجائزة النص.
لماذا النقد؟ الهدف هو تشجيع التجارب النقدية الطليعية التي يمكن أن ترقى في القادم من الزمن إلى مشروع. فمقالة الدكتور سعيد السيابي (موت النقد المسرحي- الارتباك الممنهج في الحالة الثقافية الراهنة)، تطفح بالألم والمرارة، لعدم وجود النقد المسرحي العلمي المؤسساتي، حين يقول: “… انتهى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين دون أن يتشكّل تيار نقدي مسرحي يساهم بوسائله الفعالة في توفير المعرفة التي تعتبر إحدى الركائز المهمة للتنمية الثقافية البشرية. إن المقصود هنا بموت النقد هو الغياب القسري للحالة الفكرية التي تعيد دراسة وتحليل واستيضاح الجوانب الإيجابية والسلبية في كل إنتاج معرفي للمسرح، مهما كانت خصوصيتهن أو مدرسته، التي ينتمي إليها هذا الإنتاج…إلخ” وقد لاحظنا أن الإبداع يتقدم ويتطور، بينما يعتمد النقد على انطباعات صحفية لا ترقى لمستوى النقد المسرحي الأكاديمي المطلوب، فما نراه نقدا سريعا ومجاملات طافحة بالسذاجة والبهلوانية، مع ضرورة أن يتحلّى النقاد أنفسهم بالموضوعية وبالصبر وبالمحبة.

آمنة الربيع

http://main.omandaily.om

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *