تقاسيم (يوسف العاني) المسرحية!

أصدرت دائرة الثقافة والإعلام بإمارة الشارقة للأستاذ المسرحي (يوسف العاني) الكاتب والممثل والمؤسس للمسرح العراقي الحديث، كتاباً بعنوان (تقاسيم مسرحية) تعرض

 

فيه للعديد من المسرحيات التي قدمتها فرقته (فرقة المسرح الفني الحديث) خلال حياتها الماضية منذ تأسيسها عام 1952 وحتى توقف نشاطها بعد آذار عام 2003 وبعد ان هجرت مسرحها (مسرح بغداد) الذي اصبح اليوم نعم اليوم، وفي العهد الجديد، مكباً للنفايات ، وا أسفاً على الإرث المسرحي العراقي الذي شهده ذلك المسرح!
من تلك المسرحيات التي كتب عنها (العاني) ما قام هو بتأليفها والتمثيل فيها كانت (المفتاح) التي كانت فتحاً جديداً في التأليف المسرحي العراقي والتي تنحو في بنائها منحى المسرح الملحمي البريختي، و(الخرابة) التي تنحو في موضوعتها وفي شكلها وبنائها المسرح الوثائقي لبيتر فايس حيث تعرض فيها إلى نضالات الشعوب ضد القهر والاستبداد والاستعيار بينما سجل (العاني) في مسرحيتين هما (الشريعة) و(الخان) اوضاع العراقيين خلال الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين وعلاقة ابناء الشعب بالسلطة الحاكمة، في الأولى استخدم المخرج قاسم محمد المدرسة الطبيعية، وفي الثانية استخدم المخرج سامي عبد الحميد اسلوب الواقعية المختزلة، وفي كليهما ابدع المصمم (كاظم حيدر) في تصميم مناظرهما، وفي (الجوبة) التي انتقد فيها العاني الطغاة ومثـّل فيها دور (الحائك) الذي يعاني من اضطهاد السلطة، ولهذا منعتها السلطة ولم تظهر للوجود وذلك خلال السبعينات عندما تحسنت العلاقات بين العراق وايران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وفي (خيط البريسم) مثـّل (العاني) مرة اخرى دور (الحائك) المقهور وأخرج المسرحية المخرج (فاضل خليل) بأسلوب يقترب من الطبيعة.
المعروف عن (يوسف العاني) أحسن رسم الشخصيات الدرامية العراقية ويميل دوماً لرسم الشخصية التي يمثلها بشكل دقيق وجذاب ويأخذ صفاتها من أناس مرّوا بحياته، مثل شخصية (دعبول البلام) في (الشريعة) وهنا لابد ان نذكر ان مسرحية (الشريعة) أخرجت مرتين الأولى في السبعينات مع قاسم محمد في مسرح بغداد، والثانية في المسرح الوطني مع فاضل خليل.
من المسرحيات الأخرى لمؤلفين آخرين مثل فيها (العاني) الأدوار الرئيسة وشهد لها الجميع بالنجاح والتفوق كانت (البيك والسايق) التي أعدها الشاعر (صادق الصائغ) عن مسرحية (بريخت) السيد بوتيلا وتابعه ماتي) والتي عرضت في القاهرة وفي الإسكندرية وأعجب بها المسرحيون المصريون أيما إعجاب أواسط السبعينات، مثل فيها (العاني) دور (السيد) بإتقان تام وبتلقائية مدهشة.
في (بغداد الأزل بين الجــد والهزل) لقاسم محمد مثل (العاني) دور (الأشعب) وعرضت المسرحية في اربع مدن جزائرية في السبعينات أيضا، وفي (ليلة بغدادية مع الملا عبود الكرخي) لسامي عبد الحميد مثل (العاني) دور (الملا عبود) بكل دقة وبراعة فقد تقمص شخصية ذلك الشاعر الشعبي إلى حد الإقناع وأدى أشعاره الساخرة وانتقاداته المرة بطرافة بالغة.
وفي (تقاسيمه المسرحية) علق (العاني) على مسرحيات قدمتها فرقته ولكنه لم يشارك فيها وإنما اشرف على البعض منها وشاهد البعض الآخر ومنها (رحلة في الصحون الطائرة) لفيصل الياسري معداً وإبراهيم جلال مخرجاً، وقال عنها: “لقد استطاعت المسرحية تعرية النظم الاستغلالية والكشف عن جوهر العلاقات الاجتماعية التي تحكم نظامها… وذلك في ضرب مصالح الجماهير والشعب لتهديد بناء الإنسان”، وكانت (هاملت عربياً) التي اعدها وأخرجها سامي عبد الحميد بأسلوب الرشيق قائلاً: (ليقدم.. سامي عبد الحميد تجربته الرائدة حيث تمثل بوعي وروح معاصرة مسرحية شكسبير… (هاملت) في ارض عربية وشخصيات عربية.. لتسجل في تقديري من تجارب سامي عبد الحميد وفرقة المسرح الحديث يمكن ان توضع في سياق التجارب الجريئة والحافلة بالاكتشاف الفني المتألق.
وكانت (بيت برناردا البا) للشاعر الإسباني غارسيا لوركا التي أخرجها سامي عبد الحميد ومثلت فيها زينب وناهدة وفوزية ومي شوقي وأخريات ابدعن جميعهن في أدائهن، نعم كانت التجربة المتفردة الثانية لفرقة المسرح الفني الحديث، وقال عنها (العاني) في كتابه: (كنت أعيش التجربة مع المخرج سامي عبد الحميد خطوة بخطوة ونحن نمثل العناصر النسائية التي ستجسد شخصيات لوركا، إن عددهن يقارب الإحدى عشرة شخصية، ولم يكن المعيار عددياً ،بل إنهن يجب ان يحملن الكفاءة العالية والفهم العميق لهذه الشخصيات). وكان كذلك فعلا.
ومن الجدير بالذكر ان عدداً من الممثلات قد اضطررن إلى ترك المسرحية والهروب خارج العراق تفادياً  من ملاحقة السلطة إبان هجمتها الشرسة على العناصر الوطنية واليسارية عام 1979، واستطعنا استبدال البعض منهن ولكن عندما تزايد عدد المهاجرات توقف العمل، ويضيف (العاني) في تعليقه على المسرحية قائلا: (لاسيما وان سامي قد تصور المكان الذي تدور فيه الأحداث قفصاً يوضع وسط قاعة المسرح وليس على خشبة المسرح، فالخشبة صارت مكاناً للمشاهدين وليس للممثلين).
ومن أعمال الفرقة التي لم يشارك فيها (العاني) كانت المسرحيتان القصيرتان (إلى إشعار آخر) و(الكفالة) التي قدمت الأولى في منتدى المسرح والثانية في (مسرح بغداد) وعقب عليها (العاني) قائلاً: (في ذلك اليوم الذي أخذت فيه النص.. قرأته مرتين، فقد أحببته وتحمست له واندفعت اليه وانتظرت لقائي بالأخ سامي لأقول له: (هذا عمل يمكن ان نعيد به حياة وحيوية الفرقة ولا يمكن تأجيله إلى إشعار آخر). وبعد عرض المسرحية وتلمس الإقبال الشديد على مشاهدتها والحماسة التي قابلها الجمهور، علق (العاني) قائلاً: (لم تكن هناك مسرحية، بل مسرحة للمسرحية، إلغاء تام تقريباً للإيهام، لعب الأداء الممتاز للممثلين في إنجاحه وخلق صلة تفاهم سريعة وأكيدة مع الجمهور).
وعن (الكفالة) قال (العاني): (مست الكفالة جروح الناس و آثار الحصار ولم تستطع الحالة ان تمر بها مرور الكرام، بل كانت صورة أمينة ومؤثرة.. قدمت المسرحية في مسرح بغداد في 7/2/1994 ثم بعد أربعة اشهر، وجهت للفرقة دعوة من الفرقة الشعبية بعمان لتضيف المسرحية، وتعرض هناك في اكثر من مكان وتترك أثرا بين حسن الأداء ومرارة المضمون  الإنساني الذي شاع في مجتمع أتعبته سنون من المعاناة والصبر).
يعــد كتاب يوسف العاني (تقاسيم مسرحية) وثيقة فنية تاريخية ومرجعاً غزيراً للدارسين في الحقل المسرحي يمكن الاعتماد عليه، فهو يؤرخ مراحل عدة من حياة هذا الفنان القدير ومدى تعلقه بفنه الذي أفنى سِنيّ حياته في خدمته وخدمة الجماهير الكادحة التي انتمى إليها وراح يعبـِّر في مسرحياته عن معاناتها وعن نضالاتها من أجل مستقبل أفضل.

 

 

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *