فاطمة حسين.. وتوثيق المسرح الكويتي

في نوفمبر 1985 صدر عن دار الربيعان كتاب «نقطة»، للاعلامية فاطمة حسين، ضم مقالات ونصاً أدبياً. في الصفحة 185، وتحت عنوان «سيدة الأحلام»، يبدأ النص على النحو التالي: «يرفع الستار».

 

 

مباشرة نذهب إلى المسرح، لنتوقف عند ثلاث محطات.

في المحطة الأولى نتساءل: إلى متى يبقى المسرح في الكويت من دون كتاب، يجمع على الأقل عناوين النصوص التي كتبت على مدار العقود الماضية؟ المجلس الوطني للثقافة مطلوب منه توثيق النصوص المحلية، فلا يغيب عمل مثل «سيدة الأحلام» أو غيره، الأمر لا يتعلق بتميز النص، ولكن بدولة تبنت طباعة سلسلة المسرح العالمي، وعجزت عن إصدار مرجع مسرحي واحد يضم الانتاج المحلي، يتم تحديثه سنويا، وربما يصبح حجة أمام من يردد في المحافل: «ما عندنا نصوص».

 

تجربة ثرية

المحطة الثانية لتحية مؤلفة نص «سيدة الأحلام»، الإعلامية فاطمة حسين، التي عرفناها في برامج المرأة ومقالات صحفية حفزت فيها وعي الفرد في مجتمعه، تجربتها على مدى عقود تخللتها الكتابة الدرامية لنتابع شخصياتها من خلال مسلسل «في بيتنا سمرة»، ونأتي اليوم لنتساءل عن علاقتها بالمسرح.

لاكتشاف تلك العلاقة، نطالع مقالاتها في كتاب «نقطة»، لنجد أنها كتبت في نوفمبر 1985 ــ سنة صدور الكتاب نفسها ــ مقالا بعنوان «انتحار»، تنتقد فيه عرض قدمه الفنان عبدالحسين عبدالرضا أمام قادة الخليج. في المقال قالت فاطمة حسين: «لست أداة من أدوات المسرح، لست كلمة مكتوبة، ولا جملة منطوقة، ولا لونا يتحرك، ولا ضوءا يظلم ويسفر، ولكني أملك وجدانا مسرحيا يعشق خشبته، ويؤمن برسالته الاعلامية، وهنا يكمن موضع الألم».

هذه الجزئية من المقال تقودنا إلى المحطة الثالثة، حيث نص «سيدة الأحلام». في هذا العمل قامت الكاتبة بتأثيث النص بتفاصيل الديكور، وكأنها تريد مشاركة المخرج دوره في ضبط حركة الممثلين ورسم الاضاءة. في المقال الذي أشرنا إليه نفت فاطمة حسين ضلوعها بالمسرح، لكن عندما نقرأ النص ندرك ما قصدت بقولها: «ولكني أملك وجدانا مسرحيا يعشق خشبته».

 

مشهد مسرحي

يبدأ النص على النحو التالي: «يرفع الستار عن صالة جلوس بسيطة، يتوسطها في مواجهة الجمهور مقعد وثير كبير (يمكن أن يجلس عليه ثلاثة أو أربعة أشخاص)، تتقدمه طاولة مستطيلة عليها بعض الكماليات، وصينية شاي بعدتها الكاملة. على يمين المسرح مقعد آخر (لشخص واحد) مائل الوضع باتجاه الجمهور، يعلوه شباك مسدل الستار إلا قليلا، حيث يبدو بعض من أشعة شمس العصر». وتستثمر الكاتبة الفقرة الثانية لتفاصيل يسار المسرح قبل أن تشي ببداية العرض، حيث تقول: «تدريجيا وببطء، تزداد اضاءة المسرح قوة، فيظهر شخصان، أحدهما «حامد» في منتصف العقد الرابع من عمره، يقف خلف المقعد الطويل، يحتسي بقايا استكانة الشاي، بينما تجلس زوجته سلمى على المقعد الأيمن».

 

نضج القضية

اختيار المؤلفة «لصالة جلوس بسيطة» مهد لخلق حميمية تجمع شخصين. هذا الاختزال في شخصيات المسرحية، يذكرنا بما نقرأه من محاولات الكتاب والكاتبات من الشباب، وما نتابعه من عروض تزدحم اليوم بالممثلين والمؤدين، لنتساءل: هل يؤدي نضج القضية إلى اختصار الشخصيات لتحظى بحضور مناسب على خشبة المسرح؟ «سيدة الأحلام» نص يمكن أن يثير اليوم قضية أدبية، لنتساءل أيضا: هل نجا المسرح من مصطلحات باتت تؤرق الروائيين في اختيار نمط العمل والمراوحة بين الرواية والقصة القصيرة والقصيرة جدا؟

«سيدة الأحلام» نص احتوته سبع صفحات فقط، ولكن، ولأن المسرح هو عالم «الدراما» و«الفعل»، حيث يخرج الممثل بطريقة أو بأخرى عن نطاق «الورق» ليبقى في النص. لعبة يعرفها المسرحيون. أنت كذلك، كمشاهد ستتحرك الصور في كواليس ذاكرتك وتتفاعل مع وجدان الكاتب، ومع قضية يختارها المخرج تتشابك مع أخرى تمس أحلامك، فتصفق وتضحك وربما تعلق. الفعل الذي أقصده هنا ليس بانتقال الممثل من يمين المسرح إلى يساره فقط، ولكنه أيضا بتفاعل تشعر به بين جمهور ينتظر «رفع الستار».

 

أهمية الحركة

لم تتجاهل الكاتبة أهمية الحركة، وربطتها بشحنات تربط أو تباعد بين «سلمى» و«حامد»، وفي لحظة نجد الحركة تعبيرا عن حالة «نفور» حين نقرأ:

يحاول الحركة، لكن نظرتها تقيده، ويبدو على حركاته الارتباك الشديد، يعبر عن ذلك بوضع استكانة الشاي على «الكونسول».

سلمى (ببعض الحدة): الصينية هنا.

يزداد ارتباكه، فيرفع الاستكانة من مكانها ويتجه نحو الصينية، وسلمى تراقبه بدقة، يده ترتجف، (…) ينظر إليها كتلميذ ينتظر توبيخ استاذه».

في هذه الأجواء يدور الحوار لترتفع وتيرة الغضب وتتدخل المرآة والمرأة ومعهما تبدأ مرحلة البوح، لنكتشف تدريجيا أن حدية سلمى هي تعبير عن خوف استقر بداخلها. المرآة تذكر سلمى بأنها لم تخلق جميلة، والمرأة التي لا نراها نكتشف أنها عنصر في ثالوث لا يمكن أن يكون محايدا لأي من الطرفين،

تنتهي المسرحية بحوار حامد على الهاتف:

-نعم كانت حبيبتي… لقد أدركت الآن أنها ما زالت.

-.. … …

-نعم وستظل… ربما لعشرين سنة مقبلة.

(يضع السماعة.. يدنو من سلمى ليعانقها)

(يسدل الستار)

 

المسرحية والرواية

«سيدة الأحلام» نص يمكن دراسته بتعمق تحت مظلة تجمعه برواية «هما» للكاتب السعودي غازي القصيبي، ومسرحية «بيت الدمية» لهنريك إبسن، ويبقى أن هذا العمل يمثل نمطا لم تعرفه كثيرا خشبة المسرح في الكويت، حيث «البوح» ثيمة تتراقص على وتر صمت يتخلل حوارا وجدانيا، بعيدا عن عروض مسرحية تعج بمانشيتات الصحف وما تعرضه نشرات الأخبار.

 

 

فتحية الحداد

http://www.alqabas.com.kw

 

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *