المهرجانات تعوض غياب الأكاديميات

 

دأبت الحركة المسرحية في الإمارات على تطوير آليات عملها بنسفها، واستكشاف عوالم جديدة في الاتجاهين التجريبي والأكاديمي وفي ميادين العملية المسرحية كلها من إخراج وتأليف وتمثيل وسينوغرافيا وديكور، وصولا إلى استنباط أشكال جديدة للعرض وتهيئة الظروف المناسبة له كي يرى النور كما يليق به، وبما يحمل من رسالة إنسانية لا تخلو من المتعة، فكانت المهرجانات الوجهة الأولى لتلك العروض

 

 

رغم أن هذه المهرجانات قد تمكنت من ترسيخ نفسها في المشهد المسرحي الإماراتي والخليجي والعربي، إلا أن القائمين على التجربة المسرحية في الإمارات يرون أن الساحة بحاجة إلى مزيد من التظاهرات المسرحية، ما دفعهم إلى تنظيم مهرجان جديد بنوعته وبمكان عقده، وهو مهرجان المسرحيات القصيرة، الذي ستحتضن فعالياته مدينة كلباء في نهاية سبتمبر الجاري.

بصمة خاصة

المخرج والممثل إبراهيم سالم، كعادته، لا يترك فعالية مسرحية إلا وله بصمة فيها إخراجا أو تمثيلا أو تدريبا أو إشرافا، وهذه المرة لم تختلف عن سابقاتها ولم يتخلف الفنان، الذي كرمه هذه السنة مهرجان أيام الشارقة المسرحية، عن وضع تجربته المسرحية الممتدة منذ ثلاثة عقود في خدمة أجيال جديدة من محبي المسرح وهواته، وذلك من خلال الإشراف على تدريب الفرق المشاركة في الدورة الأولى لمهرجان المسرحيات القصيرة التي جاء ثمرة العديد من الورشات والدورات المسرحية المتعاقبة.

في حوار له مع (البيان) حول واقع المهرجانات المسرحية في الإمارات عموما ومهرجان المسرحيات القصيرة خصوصا، الذي يشكل منعطفا في الحركة المسرحية الإماراتية على اعتبار أنه يشكل منصة مسرحية لمن ليس له منصة من أولئك المسرحيين الشباب (المركونين)، عن ذلك قال إبراهيم سالم إن هذه المهرجانات تأتي للتعويض عن افتقار الحركة المسرحية للأكاديميات، على الرغم من الفارق القائم بينهما، لأن المهرجانات تأتي كتحصيل للعمل الأكاديمي.

بينما تعطي المهرجانات نوع من المردود الأكاديمي لما فيها من ندوات فكرية وتطبيقية وعروض ومناقشات وتفاعل، فضلا عن عملية اختيار المسرحيات المشاركة فيها، والتي تأتي ضمن آلية للدراسة والبحث عن الفكرة والنص والأشخاص الذين سيحملون هذه الفكرة والممثلون الذين سيحملون هذا النص وهكذا دواليك، الأمر الذي يقود إلى مستوى راق من التعامل الفكري مع الحالة نفسها ومع فكرة النص في ظل واقع مسرحي يشي بأن البلد فيها أكثر من 10 مهرجانات فنية من بينها ثمانية للمسرح.

تجديد الدم

يرى إبراهيم سالم أن هذه المهرجانات تشكل بالنسبة للفنانين المخضرمين نوعاً من تجديد الدم لديهم، مثلما ترفد الحركة المسرحية بكادر شبابي، لكنه يؤكد كذلك على أنه يتعين على المؤسسات التي ترعى هذه المهرجانات ألا تترك المسرحيين الشباب للتجربة فقط، حيث يجب على هؤلاء الشباب أن يهتموا بالقراءة والاطلاع والمشاهدة والمعرفة. ل

كن إذا كان الجانب الأكاديمي غائب إلى حد ما عن المشهد المسرحي، فإن المسرحيين الشباب ينهلون من تجارب المخضرمين من المسرحين مثل إبراهيم سالم وحسن رجب وإسماعيل عبد الله وغيرهم من المخرجين والكتاب المسرحيين، بينما يحتاجون إلى مناهل أخرى في الوطن العربي والعالم، لكن الأوضاع السياسية منذ سنتين في غير بلد عربي تبعث على التخوف من ابتعاث مزيد من الشباب إلى تلك البلدان ليتلقوا معارفهم المسرحية من خلال حضور المهرجانات المسرحية فيها، على حد تعبير إبراهيم سالم، الذي يرى أن هذه القضية تتعلق بالوعي، في المقام الأول، حيث تتحمل المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي مسؤولية خاصة في بث هذا الوعي بين الشباب.

بينما أكد على وجود نوع من التواصل أيضا بين الحركة المسرحية في الإمارات ونظيراتها في البلدان العربية الأخرى والفضل في ذلك يعود إلى دعم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

جديد المهرجان

حول جديد مهرجان المسرحيات القصيرة، أكد إبراهيم سالم أن هذا الجديد يكمن، أولا، في الاهتمام بالشباب المركونين في زاوية ولا يحظون بفرصة، والذين يرفضون الاشتغال على أعمال ينظر إليها بدونية، كما أن المهرجان يولي اهتماما خاصا باللغة العربية الفصحى، التي ستقدم جميع عروضه بها، والتي سيتم من خلالها التعامل مع مؤلفين عالميين وعرب كبار، مثل توفيق الحكيم وسعد الله ونوس وهارولد بنتر وستلنبيرغ ومسرحيته (الأقوى) وعلاقته بالمرأة، الأمر الذي يشكل فرصة للبحث والإطلاع وتثقيف الذات مسرحيا، خاصة وأن معظم الأعمال التي تقدمها التجربة المسرحية في الإمارات تنحو إلى تناول الهم الداخلي بعد أن اهتمت كثيرا بمواضيع جاء بها مسرحيون من مختلف البلدان العربية، فحدث نوع من ردة الفعل، فبدأ الاهتمام بالبيئة والانسان المحليين، قبل اكتشاف الطبيعة الإنسانية لكل هذه التجارب بغض النظر عن منشأها، على حد تعبير بطل مسرحية (زهرة مهرة).

توقعات منتظرة

كما نبه من المبالغة في التوقعات المنتظرة من هذا المهرجان في دورته الأولى أو الثانية أو الثالثة وربما أكثر، ذلك أن أجمل ما في هذا المهرجان هو البحث، البحث عن اللغة وعن إنسانية الأعمال المسرحية وبالتالي يحتاج إلى أن تأخذ التجربة مداها حتى تتضح الصورة، بينما توقع لهذا المهرجان النجاح والاستمرار، لكنه أكد على الحاجة إلى دعم المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي له، داعيا إلى انتظار أن يمضي قدما في دوراته المتعاقبة قبل الدخول في تقييمه.

نصوص مختارة

تعتبر النصوص المختارة في المهرجان من العيار الثقيل عموما، مما يدخل القائمين عليه في مغامرة مع الجمهور محفوفة بالبحث والتجريب، لكن إبراهيم سالم يوضح أن هذه ليست مشكلة الجمهور ويقول إنه إذا كان الفنان صادقا في طرحه، فإن الجمهور سيتوعبه مثلما حدث في مسرحيته (الهواء)، التي تتناول مأساة غزة، فجل ما يريده الجمهور هو الصدق من قبل الفنان، الذي يتحمل في حالة مهرجان المسرحيات القصيرة مسؤولية كبيرة من حيث هضم النص وتقديمه على الخشبة، فعندما تتحدث عن عمل لكاتب بقامة صموئيل بكيت، تجد أن هذا العمل محمل بالرمزية ولا يعمد إلى صياغة أي جملة فيها بعيدا سياقها السياسي والانساني أو من دون توظيفها باتجاه محدد.

وهذا يعني أن العمل مع هذا الكاتب لا يتوقف عند اسمه فحسب، وإنما يمتد إلى تفاصيل جمله وديكوره وشخصياته، الأمر الذي يتطلب بحثا ولا يمكن للفنان أن يشتغل عليه بموازاة الاشتغال على عمل آخر، فيجد نفسه داخل حالة مسرحية راقية نتائجها لا تظهر على الفور.

الجمهور يريد الصدق

رفض إبراهيم سالم مقولة (الجمهور يريد هكذا)، مؤكدا أن الجمهور يريد الصدق، وقال ذات مرة سألني صحافي عن الأعمال المسرحية الخفيفة، وحينها رفضت أن أطلق عليها اسم مسرحية بل نوع من العروض (شو)، التي وصفها ايضا بالأعمال المسفة، متسائلا عن سر نجاح مسرح العبث والمسرحي التجريبي في الغرب.

حيث يمكن لمسرحية أن تعرض على مدار شهور طويلة، ورد ذلك إلى صدق العلاقة بين الفنان وجمهوره وإلى جدية وواقعة الطرح، حيث يطرح صموئيل بكيت واقعا مدمرا ويقدمه من هذا المنطلق ومن واقع الحروب والمأساة والبؤس وعندما يخرج هذا الواقع، فإنه يفعل ذلك بصورة عبثية، لكن من خلال الواقع نفسه، حيث يتعن على الفنان أن يلتقط هذه الجملة الواقعية أو تلك ويوظفها على الخشبة أمام جمهور جالس ومسترخي ويراق مدى صدق فنان قد تكون مسيرته قد انزاحت عن المسار المسرحي السليم، وليس ذوق الجمهور، لكن ذلك لا يحول دون أن يشتغل الفنان على الكوميديا وعلى التراجيديا شرط أن يصنع مسرحا وبمواصفاته.

تجربة

حول مهرجان المسرحيات القصيرة، الذي يشارك فيه 30 ممثلا وممثلة، رفض إبراهيم سالم إدراج هذا المهرجان اليافع ضمن تصنيف معين بالمقارنة مع بقية المهرجانات التي تحتضنها أرض الدولة، طالبا مني أن أعود إليه بعد خمس سنوات لنتحدث بهذا الشأن، وذلك حتى يتسنى لهذه التجربة أن تكشف عن هويتها بصورة جلية، حيث يتعين أن يبدأ فريق العمل مسيرته ويجب على الفنانين والتقنيين والمسؤولين أن يكتشفوا أخطاءهم كي يتداركوها في الدورات المقبلة.

جديد إبراهيم سالم

حول جديده، أوضح إبراهيم سالم أنه ينتظر الموسم المقبل، خاصة وأنه قد خرج من موسم آخر هو الموسم الرمضاني، وبعد أن أنجز ورشة تدريبية مع وزارة الثقافة في مركز عجمان وورشة أخرى مع هيئة الشباب والرياضة في جمعية المسرحيين بالتعاون مع وزارة الثقافة، فضلا عن ورشة حول المسرح المدرسي في وزارة التربية مع عدد من المدرسين، إضافة إلى أنه منهمك في الاشراف على مهرجان دبي لمسرح الشباب ومهرجان المسرحيات القصيرة في كلباء.

العلاقة مع الجمهور

للعلاقة بين الجمهور والفنان مكانة خاصة في المشهد المسرحي إذا أخذنا في الاعتبار طبيعتها المباشرة والتماس الحي والحيوي بين طرفي هذه المعادلة، ويرى إبراهيم سالم أنها تشبه علاقة قائد الجيش بأفراد جيشه فيما يتعلق بواجبه اتجاه بث مشاعر الحماس فيهم، الأمر الذي ينسحب على من يقف على خشبة المسرح وخاصة إذا كان صاحب رسالة، لكن شرط هذه العلاقة يكمن أولا وأخيرا في صدقه على مستوى التعبير والأداء.

ففي مسرحية (لا هواء) ، على سبيل المثال، التي تطرح قضية حساسة مثل مأساة غزة، بدا الجمهور متململا في البداية، لكنه سرعان ما تفاعل بصورة إيجابية مع العرض، فالمشكلة هنا تكمن في كيفية توصيل المعلومة وطريقة توصيل الأداء إلى الممثل، وكيف يكون هذا الممثل صادقا في توصيل المعلومة للمشاهد، وبالتالي، فإن الجمهور سيتواصل ويستمر مع العرض.

 

http://www.albayan.ae

 

المصدر:

  • باسل أبو حمدة

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *