بخط اليد .. مسرح ومهرجانات وربيع هل تنقذ المهرجانات المسرحية .. المسرح؟

في الوقت الذي تستعد فيه وزارة التراث والثقافة لإقامة مهرجان المسرح العماني في دورته الخامسة تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بخبر يُعلن أن سلطنة

عمان حققت نصيب الأسد من جوائز الدورة العاشرة في مهرجان مسرح الشباب لدول مجلس التعاون الذي أقيم في دولة الكويت في الفترة من 16 حتى 25 سبتمبر. وأكدت التغطية الإعلامية لجريدة الأنباء الكويتية على اتسام العروض “بمنافسات شريفة وتجارب مسرحية خليجية شبابية واعدة تبشر بمستقبل مبهر فنيا”!!

وشاركت السلطنة ممثلة بعرض مسرحية (الهام) من تأليف محمّد المهندس وإخراج مرشد راقي. أما الجوائز فحسبما أوردها موقع جريدة الأنباء فهي جائزة أفضل ممثلة دور أول ذهبت مناصفة بين ريم الفيصل عن العرض القطري (مساء للموت) وغدير زايد عن مسرحية (الهام)، وجائزة أفضل ممثل دور ثان مناصفة بين مبارك المعشني وعبد الرحمن المزيعل من المملكة العربية السعودية. وجائزة أفضل ممثلة دور ثان ذهبت لزينب البلوشية. وجائزة أفضل ديكور أيضا مناصفة بين فهد المذن من دولة الكويت عن مسرحية (حنظلكم واحد) وأحمد الجابري عن مسرحية (الهام) بينما ذهبت جائزة أفضل عرض متناغم مناصفة بين مسرحية (الحلم) من مملكة البحرين وعرض مسرحية (الهام).

وعلى ضفة أخرى وخلال الفترة من 23-27 سبتمبر، وفي الدورة السادسة لمهرجان (عشيات طقوس المسرحية) الأردني الذي تقيمه فرقة طقوس المسرحية بالتعاون مع المركز الثقافي الملكي ووزارة الثقافة ونقابة الفنانين الأردنيين، ذهبت جائزة أفضل نص مسرحي  مناصفة ما بين المسرحية التونسية (البحث عن عائدة) من تأليف حبيبة صوف وتمثيل وإخراج ارتسام صوف. والمسرحية القطرية (أبو سلامة) وهي من تأليف عماد بن محسن الشنفري وإخراج سالم المنصوري. وجاء في كلمة رئيس لجنة التحكيم المخرج حكيم حرب أنه “بعدما توقفت المهرجانات المسرحية في دمشق والقاهرة نتيجة للظروف الحالية، يطل علينا مهرجان ‘طقوس’ لاستقبال العروض الحرّة والمستقلة التي تفاوتت في مستواها وخطابها الفني والجمالي. وإن اللجنة لاحظت سيطرة الروح الجماعية على العروض بما يُبشر بجيل جديد يبتعد في الأداء عن النرجسية والاستعراض ولا يقوم على البطل الواحد، لكنها تنتقد كثرة أعمال المينودراما التي لم تنجح-حسب رأيه- في تحقيق الحد الأدنى من الشروط الاحترافية”، كما أشار في كلمته إلى “أن عددا من المسرحيات اقتربت من مسرح الكباريه والكوميديا المباشرة وسيطر على بعضها الغموض لدرجة تاه معها العرض”.
ومن نافلة القول، إن مشاركة أيّ فرقة مسرحية باسم السلطنة في مهرجانات خليجية ودولية وإتيانها بالعديد من الجوائز، لأمر يُبهج القلب ويُسعد النفس، فالظروف التي تمر بها فرقة أهلية للمشاركة مع ضعف في الإمكانيات، وقلة في الوقت، لوحدها أسباب تثير بعض القلق والإحباط، ولكن همة الشباب المسرحيين وإصرارهم على المشاركة ببذل الجهد وتسخير كل الطاقات والظروف لإعلاء اسم السلطنة عاليا، وفي جميع المحافل، تُقلل من كل التوترات وتخفف من حدة التشنجات، إضافة إلى أن أي مشاركة عمانية خارجيا كما يصرّح المسؤولون تُحقق دوافعا إيجابية للمسرحيين (وأجهل تماما تلك الدوافع على أرض السلطنة؛ منطلقة من حوار ديمتريوس في مسرحية (حلم ليلة منتصف الصيف) “إن هذه الأشياء تبدو صغيرة، لا يمكن التمييز بينها، كأنها جبال بعيدة قصية استحالت إلى غيوم”.
ونبعت فكرة المهرجانات المسرحية لتفعيل دور هذا الأب المتهالك (المسرح) الذي تساقطت أسنانه، وتورمت مآقيه، وتصدعت أوتاده، لأسباب كثيرة كسوء الإدارات التي تتعاقب عليه، وقلة الدعم، لدرجة يُعتبر خبر تعرض أي مسرح عربي للحريق بسبب الإهمال وعدم توفر إجراءات السلامة، خبرا عاديا في الصحف ولدى المسؤولين الذين يوترهم ذهنيا شيء اسمه المسرح!!.
وثمة تطورات تحدث اليوم مع المسرح وتغيرات بنيوية حادة. فمنذ عقود كان الحديث خلف الكواليس يدور حول السينما ودراما التلفزيون وخطفهما للنجوم، محطمة بظهورهما (أي السينما ودراما التلفزيون) آمال المسرحيين الكبار في انتعاش المسرح واستمراره، بعدما هجره كتابه وممثليه ومخرجيه وجمهوره أيضا. فأخذ الحرص على توفير بدائل للمسرحيين (كتابا وممثلين ومخرجين وفنيين) ووجود قنوات للعرض، نقطة إرتكاز لأيّ إدارة تضع في أولوياتها استراتيجية تطوير أبي الفنون. وأي تطوير عليه أن يشمل جميع عناصر الممارسة المسرحية (ثقافيا ومهنيا) دون الاكتفاء بظواهر الأمور، وسطحية المشاريع، وارتجالية القرارات. ويُعد المهرجان فرصة يلتقي فيها عشاق المسرح يتبادلون الخبرات ويرتبون الصفقات. والناظر إلى ختام فعاليات هذه المهرجانات وما  يتبقى بعدها من معنى المسرح، من حيث هو (اختراع وتعبير واشتغال جمالي حرّ) لن يجد إلا النزر اليسير، وما عداه فيستحيل بالتراكم إلى غيوم.
وبإلقاء نظرة سريعة على خارطة وطننا العربي سنجد كثرة  انتشار المهرجانات المسرحية العامة منها والخاصة، وبعضها مهرجانات تحتفي بفنون الأداء الدرامي، بينما يهتم كثيرها بالمنوعات والموضات. وإزاء هذا الانتشار الواسع للمهرجانات، أخذت الصيغ المبررة لاعتماد وجودها تختلف، فمن مهرجان يتنسم هواء إبداعه وتجريبه في محاضن الوزارات الحكومية ومع الهيئات، إلى مهرجانات لا تستطيع قضم جزرة إلا برعاية شركة. وهذه من النادر انتشارها في الوطن العربي، فما يزال قطاع الثقافة يُعاني من قلة دعم حقيقي من القطاع الخاص، وذلك لغياب سياسة ثقافية وخطة عمل واضحة لدى بعض المسؤولين إلا في استثناءات عربية محدودة كرعاية قطاع بعض المصارف البنكية في تونس للمهرجانات وللمسابقات الثقافية المختلفة، ورعاية مهرجان ليالي المسرح الحرّ بالأردن فعاليته بجهود الأفراد.
في صلب التغيرات البنيوية التي يتعرض لها المجتمع العربي الدولي أصاب مسرحنا الوهن والهزال، وهاهو يتعرض اليوم لهجمات متطرفة تعيدنا لصيغة المربع الأول بتحريم حرية الكلمة والكتابة حول ذهنية الأحكام (السياسية والاجتماعية والدينية والمعيشية) الخاطئة والمتراكمة عبر عقود. وعند هذه النقطة نتذكر مهرجان دمشق والقاهرة بأسى شديد، ولننظر كيف تأثر المسرح بأحوال السياسة؟ وكيف أنه في تاريخه المدني الطويل لم يحقق نسبة عالية في التأثير على أنظمة الحكم نحو الأفضل؟
يكتب المبدع ناجي الحاي في افتتاحية (كواليس) العدد 29 يناير 2012م: “المسرح يتنفس الحرية.. وفي عز الربيع العربي هل ستتيح الأنظمة الجديدة… للمسرح الجديد والمعاصر أن يتنفس الحرية…إلخ”، أنا شخصيا لا أملك إجابة هذا السؤال، وبالعودة إلى ملفات أعدت خصيصا عما سميَّ بالربيع العربي والمسرح، يرى بعض الفنانين أن بعض العروض المسرحية استطاعت أن تتنفس هواء نقيا، وهذا ما أتاحته لها المهرجانات العربية العامة والمتخصصة، لكن المتابعين من المتخصصين والأكاديميين، هالتهم إصابة العروض بالتهريج وغياب الموقف الدرامي الصحيح في لحظة الأداء الدرامي، وأن ما كان ربيعا شوهته نصوص الكتّاب وشقلبات الممثلين!
يبدو من محصلة ما سبق أن الدرس لم ينته! ومرة ثانية نرجع للمربع الأول ولكن على ضفة أخرى. فقد انتشرت نداءات تطالب بعودة مسارح الدولة لإنقاذ ماء وجه المسرح الذي أُريق في المهرجانات! وعودة تفعيل مسارح الدولة في ظل ما تعانيه الشعوب العربية من ظروف سياسية واقتصادية خانقة، يدفع بالكثير من الكلام إلى الواجهة. فما الذي نريده من مسارح الدولة؟ باختصار نريد مسرحا. وأما البحث في صيغة العروض التي سيقدمها مسرح الدولة هل تكون شعرية أم نثرية، وفي النجوم وأجورهم، هل يكونون من نجوم الصف الأول أو من الكواليس، وفي العروض هل تكون ضخمة إنتاجيا تستوعب خمسون ممثلا أو ممثل فقير، وفي فئات ورق شباك التذاكر، هل تكون ميسرة لجميع الشرائح أم لا؟ وفي نوعية الاتجاهات والتيارات هل تكون تراجيدية أو رومنسية أو ملحمية أو شعبية أو مسرح لامعقول، فهذه كلها حطب نار للمسرح وحياته وتوهجه. والناظر إلى وجود مهرجانات خليجية فاعلة، ومهرجانات محلية لا تقل عنها تفاعلا وحضورا في دولة خليجية واحدة، يصعب معه في الواقع إيثار واحد على الثاني، فكأننا في مسارح للدولة؛ فكلاهما يتبعانها، ويرعاهما الوزراء والأمناء وأصحاب السعادة والوكلاء والشيوخ، وكلتا هاتين النقطتين جديرتان بالتصفيق. فهل ثمة حاجة ماسة للمطالبة خليجيا بمسرح للدولة؟
يكتب المؤلف المسرحي بدر محارب على موقعه بالفيسبوك يقول: “أحلم بشارع للمسارح فيه 15-20 مسرحا بأشكال متنوعة، مسارح بـ100 و200 و500 و1000 كرسي، مسارح رومانية ودائرية، مسارح للنصوص العالمية، ومسارح للفكاهة، ومسارح غنائية، ومسارح للطفل، ودور للأوبرا، وبينها مطاعم متنوعة ومقاهي، وباعة متجولين للهوت دوغ والذرة والبوب كورن والبطاطا المشوية، وبسطات للكتب الجديدة والمستعملة، وشوارع مضاءة بألوان فسفورية، وممنوعة دخول السيارات إليها”، وباختصار هذا الذي يكتبه ويطلبه، هو المهرجان المسرحي الذي نريد.. ربيعه كلمة، وكلمته ربيع. إنه مسرح للحياة .

آمنة الربيع –http://main.omandaily.om


شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *