ما الذي يستطيع العراق تعلُّمه من شكسبير؟

 

 

على هامش الألعاب الأولمبية 2012، التي استضافتها مدينة لندن مؤخراً، تحدت بقية المجموعات المسرحية حول العالم في مجال إيجاد تصوّرات معاصرة لمسرحيات الكاتب المسرحي وليام شكسبير من القرن السادس عشر. ومن بين العروض الإبداعية العديدة الفريدة اللافتة، كانت مسرحية “روميو وجولييت في بغداد”، التي قدمتها شركة المسرح العراقي. ولكن، هل تستطيع واحدة من أعظم المآسي الرومانسية الأوروبية التي كُتِبت في القرن السادس عشر أن تخبرنا شيئاً عن العراق في القرن الحادي والعشرين؟


القصة التي جرى تحويلها إلى اللغة العربية الدارجة، وتؤديها مجموعة من الممثلين العراقيين مع ترجمة إلى اللغة الإنجليزية تظهر فوق المسرح، هي قصة شائعة، ولو أنها كُتبت بسياق عراقي. وتبدأ القصة مع أخوين اثنين هما مونتغيو وكابيوليت، واللذين تحاربا لمدة تسع سنوات حول من منهما سيقود سفينة الأسرة التي تعمل في صيد اللؤلؤ. ويشكّل هذا الصراع مجازاً سديداً للعراق عند بداية الحرب. وقد التقى روميو وجولييت، اللذان يحتفظان باسميهما الأصليين -مثلهما مثل جميع شخصيات المسرحية، ووقعا في الحب قبل الصراع. ثم تم التفريق بينهما نتيجة لدائرة العنف الناتجة عن الصراع بين عائلتيهما.
ولا تركّز المسرحية كثيراً على حبّهما، وإنما على كيف يمكن تمزيق أسرتيهما ومجتمعيهما ووطنهما ببساطة وبسرعة. وتدفع القصة الجمهور إلى التفكير في الكيفية يشكّل بها كل من الكبرياء والندم وانعدام التفاهم المتبادل والتدخل الخارجي، معوقات أمام حل النزاعات بسلام. فعندما يتم سفك الدم، لا يمكن التأكد مما إذا كان يمكن للسلام أن يحل في يوم من الأيام.
وكان مخرج المسرحية “مناضل داود” قد هرب من العراق وهو في العشرينيات من عمره بعد أن أخرج مسرحية إبان حكم صدام حسين عن الحرب العراقية الإيرانية. وأسس في العام 2008 شركة المسرح العراقي بهدف “الإتيان بصوت ثقافي معاصر من الوحدة والشمولية إلى الطرح المدني في العراق”. ويقول مناضل: “أعتقد بأن مسرحيتي “روميو وجولييت في بغداد” ستكون مرآة. يرى فيها الجمهور أنفسهم على المسرح”.
وقد رأيت في المسرح الممتلئ بالجمهور توقعه هذا وهو يتحقق. كان الأثر العاطفي لمسرحيته على الجمهور واضحاً. وامتلأت أعين الكثيرين من الحضور أثناء المسرحية بالدموع. وفي الأوقات المبهجة من المسرحية، صفق الحضور مع أغاني حفلات الزواج وضحكوا لإضافة قصة عراقية فلكلورية قديمة، عن خنفساء تبحث عن الحب.
وشعرت أثناء أكثر اللحظات انفعالية وكأنني أطير من مقعدي عندما ارتفع هتاف الجمهور المؤيد لدى قيام كابيوليت؛ والد جولييت، بطرد الدجّال الذي تم تزويجه لجولييت ضد إرادتها، والذي أثار التوتر بين الأسرتين. وتمثّل شخصية المتعصب البائس هذه وجود “القاعدة” في العراق. ويتم من خلال عمل كابيوليت نقض عملية الزواج بحيث لم يعد وجوده مقبولاً.
كانت القصة الحقيقية وراء “روميو وجولييت في بغداد” هي الجمهور الذي يرى حياته تمر أمام أعينه. وقد شكّلت الدراما فرصة لإيجاد مساحة كافية من قصة كل واحد منهم، حتى يتمكنوا من النظر إلى نتائج السنوات التسع الأخيرة في وطنهم، وخسارته الهائلة والموت والمعاناة فيه. وكانت تلك فرصة للتحرك قدماً وتحقيق منطق واكتشاف تطهيري للنفوس والعواطف، بل وحتى الضحك.
وتمثل المسرحية في جوهرها قصة عالمية عن بداية النزاع وتطوره، والذي يغذيه الخوف وسوء الفهم المتبادل والكبرياء. وهي تظهر كيف يمكن لقوى خارجية أن تلهب النزاع وتفرّق بين جماعات الناس، وتثير التفكير بالحاجة للوحدة.
تشكّل قصة الحب في هذه الحالة نافذة على العالم، والتي لا يمكن للجمهور لولا ذلك أن يبدأ بفهمها. فمن خلال الربط مع قصة المحبين الصغار، وهو موضوع يتسامى على الزمان والثقافة، نستطيع أن نتعلّم عن الفروقات البسيطة في المجتمع العراقي اليوم. وتساعدنا المسرحية المشاهد على فهم الهيكل الأسري شديد الترابط والعلاقات التاريخية التي كانت قوية في يوم من الأيام بين السنّة والشيعة المسلمين، والتي يجري تحطيمها اليوم. والواقع أن الناس حول العالم ربما يجدون الكثير لتقاسمه مع الناس العاديين في العراق، وتطلعاتهم لإنهاء العنف والعيش حياة أفضل.
لكن الأهم من ذلك، هو أننا نواجه من خلال مسرحيات كهذه حقائق عالمية: إن النزاع موجود بشكل دائم عبر المجتمعات البشرية، ويجب التعامل معه وحله قبل أن يصبح خارج نطاق السيطرة. لكن الأهم من ذلك هو أن التطلّع إلى أن نحب وأن نجد من يحبنا هو موجود في كل زمان ومكان أيضاً، في بغداد أو فيرونا، لمحبين مثل روميو وجولييت، أو لأخوة مثل مونتغيو وكابيوليت.

 

http://www.alghad.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *