المونودراما وإشكاليات مسرح النخبة

تظهر نتائج المسابقة الدولية لنصوص المونودراما في نسختها العربية، التي أعلنت عنها مؤخراً هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام مدى التطور الذي وصلت إليه النصوص العربية

في هذا اللون من الكتابة المسرحية، وهو تطور يضاف إلى الاسهام القيم لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما في هذا النوع من العروض المسرحية التي يندر الاهتمام بها على المستوى العربي رغم أهميتها كفن مسرحي ذي طابع خاص قادر على التأثير في الجمهور إذا أحسن استخدامه .

هذا الفن تعود جذوره إلى اليونان القديمة وكان مقتصرا آنذاك على الطقوس التعبدية،  وقد عرف ثيسيبس كأول ممثل مونودرامي في التاريخ، وقد تطور خلال القرن العشرين والتي تجمع مدارسه المختلفة على ارتباطه بنص يقوم بتمثيله شخص واحد، وهو ما يعد من المهام الصعبة التي تلقى على كاهله، لا سيما إذا كان النص في الأصل يحتمل عدة شخصيات ويعرض أمام جمهور كبير يريد أن يتفاعل وينبهر من أداء الممثل، الذي يفترض أن يكون متمرساً ومقنعاً ومدهشاً وقارئاً لبنية النص ومدى تأثيره في المتفرجين .


اشتهر فن المونودراما على يدي نخبة من الكتاب العالميين أبرزهم: الشاعر جاك بريفير، ويوجين يونسكو، وريمو كوينو والرسام جان دوبوفيه ورينيه كلير وصموئيل بيكيت، وهم أول من التصقت بهم فكرة العبث والغرابة، وهو ما سبب في وقت لاحق انهيار هذا الفن الذي اتسم بالنزعة الفردية فنشأ بدلا عنه المسرح الواقعي، ومن بعده الرمزي الذي شاع وانتشر واستفاد منه المسرح العربي إلى حد كبير .


بالنسبة لكتابة النص الدرامي للمونودراما، فهو نص صعب يعتمد التكثيف والتطويل في الوقت نفسه، وربما يكون لعنصر السينوغرافيا دور بارز في الإضاءة على دلالات هذا النص ومراميه، كما يعتمد على القدرات الخاصة للمثل من حيث قوة الصوت وإدراكه لمدياته وشحنته العاطفية والفكرية، لذا فإن النصوص الناجحة في الأغلب الأعم دائما ما تكون مأساوية، وتطرح أسئلة كونية ووجودية .


على المستوى العربي، برع مسرحيون كبار في تقديم نماذج من المسرح المونودرامي مثل: الكاتب المصري الشهير ألفرد فرج، والعراقي عزيز خيون والسوري غسان مسعود، والفلسطيني زهير النوباني .


ومما لا شك فيه أن فن المونودراما يتخذ شكلاً ملحمياً أو يدور حول قضايا مصيرية ووطنية، تكون اللغة فيه مفعمة بالتراجيديا ومؤطرة بالحوارات التي تميل إلى الشعر وتستدرج المواقف والأحداث على نحو يجذب لب المشاهد ويدفعه ليتفاعل مع هذا الفن العريق، الذي مع الأسف بدأ ينحسر تدريجيا من الساحات العربية بعد أن طغت الهموم الذاتية على تفاصيل الحياة، وأصبح المسرح يعبر عن نبض الجمهور، معنياً بتحولات تؤرق الذات وتلغي المسافات بينها وبين القضايا الكبرى على نحو يمكن تقبله واستدراجه مراراً وتكراراً إلى فضاء العرض المسرحي .


يتحدث النقاد والمختصون عن فنيات العرض المونودرامي بوصف الزمن يتخذ شكلا آخر، مغايراً للشكل المسرحي التقليدي، الذي يحوي حواراً ما بين الحاضر والماضي، وبين ما يحكيه وما يتذكره النص، ليتخذ بعداً ملحمياً، كما يدرسون المكان الذي على الرغم من وجود الشخصية على خشبة المسرح، إلا أن هناك مستويات مكانية عدة تكون حاضرة في النص وفي اللغة .


ثمة اشكاليات عديدة حبكة الصراع في النص المونودرامي، وهي على الأغلب تترجم صراعا داخلياً، وهنا يلعب التمثيل في مستوياته الأدائية والإشارية وحركة الجسد دوراً في أن تكون وسيطاً بين العرض والجمهور .


ومن إشكاليات المونودراما أيضاً، ما يتعلق بالتلقي وهي مسألة حقيقية لها علاقة بالجمهور، الذي يحجم غالبا عن حضور مثل هذه العروض، وهنا، يصح القول إن الفن المونودرامي يتطلب متفرجا نخبوياً، حيث لا جمهور حقيقيا لهذا النوع من الفنون .


يشكل مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما قيمة حقيقية لفن المونودراما، فهو يساعد الكتاب والمؤلفين على إبداع نصوص متخصصة، وعلى مستوى المسرح الإماراتي هناك اتفاق بين جمعية المسرحيين وبين الهيئة المنظمة لهذا المهرجان على تقديم عمل مسرحي إماراتي، من شأنه أن يقدم إضافة نوعية للحراك المسرحي المحلي، يأخذ بعين الاعتبار تفاصيل العرض ومكوناته وهو ما سوف يقدم كنموذج للمشتغلين الذين ليس لديهم إطلاع كاف على نصوص المونودراما العربية والعالمية .

 

الشارقة – عثمان حسن:

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *