عالمة النقد المسرحي والدراما “نهاد صليحه” فى حوارها بعد حصولها على جائزة الدولة التقديرية

 

“نهاد صليحة” اسم مخضرم في عالم النقد المسرحي والدراما، تتلمذ علي يديها الآلاف من شباب الفنانين المسرحيين، لديها العديد من المؤلفات المسرحية التي تعد مرجعا أساسيا في أي رسالة بحثية سواء داخل أو خارج مصر، منها المسرح بين الفن والفكر، أضواء على المسرح الإنجليزي، التيارات المسرحية المعاصرة وغيرها من الكتابات.

 

 

شغلت العديد من المناصب وهى التدريس لكورسات في الدراما في كل من، قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب – جامعة القاهرة ، قسم المسرح بكلية الآداب – جامعة الإسكندرية، التحقت بأكاديمية الفنون لتعمل أستاذا مساعدا للنقد والدراما بالمعهد العالي للنقد الفني – عام 1977، وتعمل حاليا أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون المصرية وعميد المعهد العالي للنقد الفني.

هي نموذج نسائي مشرف وفخر للمرأة المصرية، وكعادة الإعلام الذي يدور في فلك الثقافة الذكورية للمجتمع نجده التقى بكل الرجال الذين حصلوا علي جوائز الدولة التقديرية لعام 2013، ولم ينقب عن تلك النساء اللواتي سجلن أسماءهن بحروف من نور في التاريخ وفي خدمة الحضارة الانسانية كافة..

أجرت “البديل” أولى حواراتها مع “نهاد صليحة” لنقرأ معها حال المسرح المصري وأزمته، ودور الثقافة بعد 30 يونيو باعتبارها قوة ناعمة للدولة لا تنفصل عن السياسة، وعن مستقبل المرأة ودورها في المرحلة المقبلة..

· كيف تلقيت خبر حصولك علي جائزة الدولة التقديرية؟

كلمني الزميل المخرج ناصر عبد المنعم، وكان مصدرا أساسيا لسعادتي بها أنها جاءت بعد 30 يونيو وبعد اعتصام وزارة الثقافة، وبعد هذا الكفاح المرير، وشعرت بأن الثقافة كلها يتم مكافأتها على ذلك، وأن كل زملائي النقاد المسرحيين والعاملين بالحقل المسرحي وفي حقل الدراسات المسرحية قد تم تكريمهم بهذه الجائزة.

· والاختلاف بينها عن كل جوائزك السابقة؟

إنه لأول مرة تمنح جائزة الدولة التقديرية للدراسات المسرحية والنقد الأدبي، لأن عادة هذه الجائزة كانت تقتصر على المبدعين في مجالات الشعر والرواية والتأليف المسرحي، وكأن النقاد ليسوا مبدعين، ولكن اعتبار الدراسات المسرحية فرعا من فروع الإبداع، كان ذلك إنجازا في حد ذاته، وأنا سعيدة لأن ذلك سوف يعطي دفعة جديدة لشباب النقاد والدارسين المسرحيين للتميز في هذا المجال.

· أهديت الجائزة للشباب ..هل تري أن الشباب هم القاطرة التي تقود المسرح من أزمته؟

بعيدا عن الكلام الكبير بأنه القاطرة التي تقود المسرح، الشباب “هما اللي مخليني مازلت علي قيد الحياة”، واعتقد أنه لولا تعاملي الدائم وانخراطي في أنشطة الشباب لتقلص ذهني وعقلي وفقدت الحماسة والقدرة على التجدد، ومن ثم إهدائي الجائزة للشباب هو سبب شخصي بالدرجة الأولى، لأنهم عصب حياتي، سواء كمتابعة للنشاط المسرحي في حركة المسرح المستقل، أو أعمل بالتدريس في الأكاديمية أو من خلال حواراتي في الندوات مع الشباب، فهم دائما من يحملون نبض الأفكار الجديدة.

· علي ذكر الشباب ..مارأيك في شباب “تمرد”؟

وخصوصا شباب تمرد، اذا ترشح احدا منهم في ايه انتخابات قادمة، سيكونون اختياري الأول، لأنهم قادوا المسيرة فعلا، وأثبتوا أنهم عصارة خصوبة هذا الشعب.

· في دورة المهرجان القومي للمسرح أبريل 2013 ..احتج مجموعة شباب ورفعوا لافتات مكتوب عليها “المسرح المصري يحتضر” ..هل ذلك صحيح؟

في الواقع لدينا أزمة لغة، فالمسرح المصري ليس مؤسسة واحدة، ليس مسرح الدولة فقط، بل هو مجموعة وبساط يمتد عبر الوادي مليئة بالأنشطة ويجب أن نتخذها في الاعتبار، عندما نتحدث عن المسرح، بالفعل مسرح الدولة في أزمة، وأزمة الإبداع ناتجة من القيود البيروقراطية المثبطة للإبداع.

ولكن حركة شباب المسرح المستقل نجدها في شدة الازدهار، فالعام الماضي مهرجان آفاق قدم 163 عرضا مسرحيا، فالمشكلة الأساسية لدينا في المسرح المصري هو التوفيق بين رعاية الدولة للمسرح وحرية الإبداع المسرحي، فالأنظمة البيروقراطية الحالية سواء في مؤسسة الثقافة الجماهيرية أو في مؤسسة هيئة المسرح تكبل انطلاقات المبدعين، وعجزت عن إيصال المسرح للجمهور في جميع محافظات مصر.

· ولكن أين دور الثقافة الجماهيرية وقصور الثقافة في الأقاليم؟

الثقافة الجماهيرية تقدم عددا كبير من العروض، ولكن يعرض لمدة قصيرة جدا، دون أن يستمتع بها المواطنون، فالثقافة الجماهيرية تضم بيوت وقصور وفرق قومية، فعندما ننظر إلى حصاد العام لهذه القصور نجد أن أنشط فرع هو نوادي المسرح لأنه أقلها خضوعا للبيروقراطية، وأقلها ميزانية، وهذه هي المفارقة مع عروض الفرق القومية الكبيرة لا تحظي بمشاهدة، بينما عروض المشروع التي ابتدعها الفنان عادل العليمي، ولقى مشروعه نجاحا وترحيبا كبيرا، ولقي إقبالا عليه من أوساط الشباب لأن قيوده أقل.

· ولكن كيف يمكن كسر هذه البيروقراطية التي لا تتفق مع ثورتين خلال عامين؟

بالفعل بعد 30 يونيو، والتي لها الفضل الكبير في تفجير هذه الابداعات الشبابية، أصبح واجبا ملحا وليس نوع من الرفاهية أن نجد صيغة لدعم إبداعات الشباب في كافة الفنون، دونما تحويلهم إلى موظفين أو إخضاعهم إلى سلسلة من الإجراءات البيروقراطية التي توقف عجلة الإبداع، والتي تبدأ بأن توفر لهم الدولة الأماكن الذين يمارسون فيها إبداعهم، فلماذا لا تفتح مسارح الدولة المغلقة وأعطاؤها للشباب، بالإضافة إلى أن تتاح لهم فرص أكبر من التدريب، وإيجاد صيغة لتمويلهم دون البيروقراطية التي تقيد إبداعهم.

· هل نحن نحتاج إلى مؤسسة جديدة للمسرح؟

لا نحتاج إلى مؤسسة ثانية للمسرح، فالبيروقراطية أثبتت فشلها، فهذا مشروع ارتبط بستينات القرن الماضي وانتهي دوره وبالتالي فقد زخمه، ومن ثم لماذا نتمسك بهذا المشروع ؟!،واستمع لكثير من الحجج لبقائه، وهي الموظفين، فلدينا عدد كبير من العاملين بالهيئة غير الفنانين، ويتم استنزاف ميزانية الهيئة من أجل مرتباتهم، ومن ثم لابد من إيجاد حل هيئة المسرح ليست هيئة إعانة خيرية، فمعظم الموظفين ليس لهم احتياج.

· ولكن من المسئول عن وضع هذه الصيغة الجديدة؟

إنها مسئولية وزارة الثقافة، فيجب عليها أن تدرس مختلف التجارب في تمويل الفنون، في العديد من بلاد العالم، مثل الأرجنتين وبريطانيا التي تعتبر دولة عتيدة في هذا الشأن فلديها مجلس يسمي مجلس الاعلي للآداب والفنون ،يفحص إبداعات الفنون ويقرر الإعانات التي تعطي سنويا لهذه الفرق وهؤلاء الفنانين، وإلى المشروعات الفنية المختلفة، ومن ثم نحتاج إلى عصف ذهن لهذه التجارب ونختار منها ما يناسب مصر، إذا كنا نود النهوض بشتى أنواع الفنون وليس المسرح فقط، وأتمنى أن يثار هذا في مؤتمر الثقافة في أكتوبر القادم لأننا نحتاج الي صيغ ثورية جديدة تواكب ثورة 30 يونيو.

· في أحد مقالاتك ..ذكرت أن تونس الدولة العربية الوحيدة التي عالجت مشكلات المسرح بكفاءة؟

بالفعل تونس هي إحدى الصيغ المطروحة، ويمكن الاستفادة من تجربتها، وتقوم على أن الفنان ليس موظفا في وزارة الثقافة، وأن الفرق مستقلة ولكن الدولة تقوم بدعمها عن طريق توفير دور العرض المسرحي، وعن طريق شراء ليالي عرض، وهذه الطريقة الأخيرة، حاولنا في مصر تطبيقها في عهد الدكتور هاني مطاوع إبان توليه هيئة المسرح، وحققت نجاحا كبيرا حيث كان مسرح الطليعة يعج بالجمهور، ولكن التجربة لم تستمر.

· بمناسبة الصيغ الثورية الجديدة ..قدمت ورقة بحثية بعنوان “أي ربيع للمسرح في الوطن العربي”؟

كتبت هذه الورقة قبل ثورة 30 يونيو، وحقيقة الأمر كان بها سمة تخوف وتشاؤم،لأنه إذا كان الربيع العربي أسفر في مصر عن جماعة الإخوان المسلمين، والذي لا يمكن أن أصفه إلا بأنه نظام غريب الأطوار، المتوحش في احتكار السلطة والمتجمد بالنسبة للفكر والإبداع، والمعادي للثقافة والفنون، فكنت أتساءل في ورقتي البحثية “أي ربيع عربي هذا، بل هو شتاء مليء بالمطر والزعابيب أو ربيع مليء بالخماسين ورياح متربه، ومن ثم كان هذا المغزى من التساؤل.

· ما رأيك في تجربة “الفن ميدان” باعتبارها نتاج عن ثورة يناير؟؟

أثبتت أن الفنانين جزء لا يتجزأ من ثورة أي بلد في العالم، وأنهم يمثلوا ريادة حقيقية في مجال الثورة، والتحامهم بجموع الثوار في ميدان التحرير أفرز أشكال مسرحية لم نعرفها من قبل، وأن كانت عرفت في بلاد اخري باسم مسرح “الواقع المعاش” وهو ليس مسرحا واقعيا بل هو يلتحم بالواقع وينبت من الواقع ويصب فيه مباشرة، وهو نوع من الوثائقية الجديدة التي تختلف عن القديمة، فهي لا تكتفي بتسجيل ما حدث وتحقيقه إنما تحاول أن تتدخل في مسار الحدث، لأنها تكون آنية مع الحدث وهو يقع، ويمثل هذا التوثيق نوعا من التدخل في مسار التاريخ كقوة فاعلة في تحديد المسار الذي يريده الثوار.

وأمثلتها فرقة “هلوسة” للدكتور هاني عبد الناصر وفرقة “سبيل” داليا بسيوني وفرق كثيرة أخرى قدمت عروض في واقع ميدان التحرير، وأخرى تحدثت عن الشهداء، فالفن الميدان أثبت فكرة أن الفن لا يجب ان يبتعد عن الشارع.

· كيف قرأتي نزول النخبة الثقافية من برجها العاجي إلى واقع اعتصامات وزارة الثقافة والشارع؟

اعتصام وزارة الثقافة الذي جعلنا نري “زوربا” تعرض في الشارع وعزف الفلوت خارج دار الأوبرا، يؤكد أن القطيعة بين الفن والثقافة من ناحية والشعب من ناحية أخرى، هي قطيعة مصطنعة فعلتها الأنظمة السابقة بهدف عزل الفنون وتقليصها والتحكم فيها، والحفاظ من جهة اخري على جهل الشعب وأن يصبح مدجن، لكسب معركة التسلط والديكتاتورية والهيمنة علي الشعب، فالمثقف والفنان يستمد قوته من دعم جمهوره، ولكن عند عزله يصبح ضعيفا يسهل التحكم فيه، وهكذا الشعب مع المستنير يصعب قيادته بدون إرادته ومن ثم الأنظمة الشمولية عمدت علي تجهيله واظلام عقله بدعوى أنه لا يفهم الفنون ولا يتذوق الثقافة.

ولكن هذه القطيعة الوهمية ذابت مع ثورة يناير والتحم المثقفين مع الجمهور، “مين قال أن معندناش جمهور بيحب الموسيقي بكل أنواعها من الطبل والزمر وصولا إلى الموسيقي بيتهوفن والكلاسيكية.”

 

 

كتب: هاجر عثمان

http://elbadil.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *