أطروحات مذهبيّة في المسرحيات اللبنانيّة*

يطرح المسرح اللبناني قضايا الهوية والدين والطائفية، خصوصاً منذ الحرب الأهلية. ومنذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري تجدد بروز الإشكالية

 

المذهبية في لبنان، وباتت القضية الأكثر رواجاً إما من منطلق النقد البناء أو بهدف السخرية ودغدغة المشاعر.

لعل آخر الأعمال التي تجلت فيها قضية المذهبية بشكل لافت، وفي سياق نقدي غير جارح، هي مسرحية «بيروت- طريق الجديدة» تأليف وإخراج يحيى جابر، والتي عُرضت على مسرح «مترو المدينة» في بيروت.

في هذه المسرحية جسّد الممثل الواعد زياد عيتاني دور ابن طريق الجديدة، في عرض مسرحي موسيقي غنائي مونودرامي على مدى ساعتين من دون ملل، تناول خلالهما حياة أبناء هذه المنطقة الواقعة في العاصمة اللبنانية، وكيفية تعاطيهم مع الاختلافات الطائفية والمذهبية التي عززها دخول الجيش السوري إلى بيروت في الثمانينيات ووصلت إلى ذروتها مع اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005.

تطرح هذه المسرحية أوجه الخلاف والمزايدات بين أتباع المذاهب على مستوى الفقه وعلى مستوى السلوك اليومي من خلال بعض المواقف والطرائف.

جابر، الذي أخرج في بداية التسعينيات مسرحية «ابتسم أنت لبناني» عن علاقة زوجين من طائفتين مختلفتين يقول إن «مسرحية بيروت- طريق الجديدة» محاولة مني كمسرحي ومواطن لأن ألقي الضوء على منطقة تبدو مظلمة ومؤبلسة تُدعى طريق الجديدة، التي يُنظَر إليها على أنها ٰ قلعة السّنة ٰ في لبنان، كما يُنظَر للضاحية كقلعة للشيعة».

مأساة الفرد – الجماعة

وعن مضمون العمل يوضح جابر أن المسرحية تعالج سيرة هذه المنطقة من خلال (جلسات صباح) نساء هذه المنطقة وأعيادها وأفراحها وأتراحها، مشيراً إلى أهم فريقَيْ كرة قدم في لبنان واللذين انطلق جمهورهما وبعض اللاعبين من هذه المنطقة (النجوم والأنصار) وكيف تحول أنصار الفريقين إلى أنصار طرفين سياسيين ومن ثم مذهبين مختلفين. لتصبح القضية أكبر من كونها مجرد تشجيع فريق رياضي.

يضيف جابر أنه «بعد تجربة عشرة عروض بنجاح هائل، تبين أن جمهور المسرحية كان من جميع أبناء المذاهب والطوائف اللبنانية، وكان التفاعل مع الفكرة جيّداً. وقال:»أنا أعالج موضوعاتي من أرضي، والمسرح يطرح قضايا خلافية وكوميديا الفرد والجماعة ومأساة الفرد – الجماعة».

استثارة الغريزة

ثمة مسرحيات عديدة خصوصاً في الآونة الأخيرة تطرّقت إلى هذا النوع من القضايا الطائفية، وبالأخص بعض أعمال الشونسونييه، التي «تثير الغريزة الطائفية»، حسبما يرى الكاتب والناقد المسرحي عبيدو باشا.

يقول باشا: «في تاريخ لبنان لم تكن المذهبية مطروحة بهذا الشكل حتى في أيام الاشتباك الطائفي. لقد بات الكلام عن الطائفية أسهل من جرعة الماء. ساهم في ذلك الدور الذي لعبته الفضائيات وما روّجته على الهواء، خصوصاً ما أسست له قناة الجزيرة».

أما عن مسرحية «بيروت- طريق الجديدة» فيرى صاحب كتاب «ممالك من خشب» المؤرخ للمسرح اللبناني، أن هذه المسرحية دخلت مباشرة على الموضوع المذهبي من خلال الحديث عن منطقة ذات بنية قومية دافعت عن العروبة والقضية الفلسطينية لتنجرّ في الأخير إلى المستنقع الطائفي. ذلك لأن الطريق الجديدة ليست صوتاً واحداً أو رأياً واحداً، بل يتم استعمالها في مواجهة ما يمكن تخيله مشروعاً في وجه مشروع».

ويشير باشا إلى محاولات بعض العاملين في المسرح في وقت سابق الالتفاف على الموضوع الطائفي، مؤكداً أن بعض الأعمال تتحدث عن الطائفية بشكل غير مباشر من خلال ذكر مناطق معينة، مثل مسرحية «أشرفية» لجو قديح. و يرى الآن أنه يتم استعادة الرموز المذهبية بهدف الاشتباك مع الآخر، معتبراً أن الخطاب وصل إلى حد الاشتباك.

ثالوث المحرّمات

حنان الحاج علي، ممثلة مسرحية من مؤسّسي محترف دوار الشمس للأعمال المسرحية والفنية في بيروت، ترى أن «القضية المذهبية تدخل في صلب النقاش السياسي وهي أحد عناصر ثالوث المحرمات (الدين والسياسة والجنس). وتقول إن «طرح الطائفية من صلب الطرح المسرحي؛ لأن المسرح مفروض فيه أن يكون مكاناً لطرح هذه الأقانيم. والطائفية تدخل ضمن أقنومي السياسة والدين. وظيفة المسرح هي كشف المستور، طرح أسئلة على الناس. لكن الذي يحدث عندنا هو أن بعض الأعمال المسرحية بدلاً من أن تنتقد الطائفية، تقوم بتعزيزها عبر دغدغة المشاعر، فتوسع الشرخ بين الناس».

تضيف حنان الحاج علي أنه من النادر رؤية عمل سياسي بامتياز، إذ تعدّ أن «المسرح فضاء سياسي وظيفته فضح التراكمات وصدم الجمهور وخلق الشك لدى المشاهد». وتشير إلى مسرحيين شباب عالجوا هذا الموضوع أخيراً، مثل عبد الرحيم العوجة، وخلود ناصر وفؤاد يمين: «كان لدى هؤلاء جرأة في الطرح ولديهم الحماس. هم يعيشون في زمانهم الصعب».

الدين والسلطة والمسرح

المخرج المسرحي جنيد سري الدين (فرقة زقاق)، يوضح أنه اقتبس من نص «الإمبراطور والجليلي» للكاتب المسرحي النرويجي هنريك يوهان إبسن، مسرحيته «أليسانه/ التدريب على الطاعة»، قائلاً إنه «بعد مرور قرابة المائة عام على انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة وانتهاء حكم الخلافة الإسلاميّة، عادت المسألة الدينيّة وعلاقتها بالسلطة إلى الواجهة في دول المنطقة، حيث تغذّي الثورات والثورات المضادّة في هذه الدول نهضة ثقافيّة، تتوازى معها مواثيق عيش جديدة على الصعيد المجتمعي، رغم صعوبة المخاض وآلامه».

ويضيف أن «أليسانه عمل مسرحي يساءل النمط السّلطوي الذي يحكم المجتمع والدّين والمسرح. والذي استدعى الإمبراطور الروماني جوليان، ثم استدعى بدوره آلهة وفلاسفة اليونان القديمة معلناً حرية الاعتقاد وتعدّدية الآلهة. إنها رحلة في صراع سلطوي قديم في السماء وعلى الأرض. إنها حكاية مجتمع أفراده على درجات من سلّم الحكم الذي يربط السماء في الأرض».

ثمة أعمال عديدة سواء في المسرح التجريبي أو الهزلي تطرقت إلى قضية المذهبية والطائفية إما بقالب مضحك أو بقالب تراجيدي، ومنها ما انتقد بهدف إحداث صدمة ايجابية ومنها ما تم استثماره لدغدغة المشاعر أو للسخرية من الآخر. أعمال عديدة يمكن الإشارة إليها في هذا السياق مثل مسرحية «شي إن إن»، أو مسرحية SIT DOWN COMEDY لسعيد وجمال ملاعب، إضافة إلى أعمال جادة أخرى تصب في معالجة قضية الطائفية وأسباب الحروب وعلاقة الدين بالسلطة وبالمجتمع.

* عن موقع القنطرة

 

معمر عطوي

http://www.newsabah.com/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *