مهرجان أربيل الدولي للمسرح.. المبادرة والتأسيس

عديدة هي المهرجانات المسرحية على خارطة المشهد الثقافي العراقي والعربي وجميعها تنعقد دوراتها في مواسم وأزمان معلومة تواريخها للمتابع والمهتم وكلها تعنى

بتسليط الضوء على تمظهرات وتطورات الظاهرة المسرحية على مستوى ما ينجز في أرجاء الوطن العربي او ما يقدم على مسارح العالم وفي العراق هناك مهرجانات تقام تختلف في مواعيدها كما تختلف في توجهاتها واهدافها بوصف  ان المهرجانات لاتقام لمجرد الرغبة في تقديمها لاغراض اعلامية وسياحية بل بوصفها احدى الوسائل المعتمدة في التعريف والترويج بثقافة البلدان وانفتاحها الحضاري والمعرفي مع الاخر وقد تنوعت طبيعة المهرجانات المقامة على الارض العراقية ما بين مهرجانات مكرسة للاطفال واخرى مكرسة للشباب ومهرجانات سعت لتنفتح على تجارب المسرح العربي فكان مهرجان بغداد العربي للمسرح الذي قدم عدد من دوراته الناجحة الا انه سرعان ما توقف لاسباب تتعلق بالظرف العام الذي يحيط بالعراق وما خاضه البلد من حروب وحصار امتد لسنوات صعبة وضارية وكان لابد لهذه الكوارث ان تنعكس سلبا على الحياة العراقية وعلى الانسان العراقي وبقي المسرح ومن خلال مبدعيه والمؤمنين به بوصفه مدرسة للتثقيف والتنوير والمتعة بقي يواصل فعله المعرفي من خلال العروض المسرحية الجادة والهادفة على مستوى مسرح الطفل ومسرح الكبار ب الرغم من غياب الدعم المادي والرعاية من لدن القائمين على الثقافة العراقية ومن لدن الحكومة العراقية ومع كل ما تعرض له المسرح العراقي من نكوصات وتفاوت في في مستوى الرؤى والتجارب الا انه تواصل ولاسيما بعد الاحتلال الامريكي للعراق بحماسة مريديه ومبدعيه على اختلاف توجهاتهم الفنية والفكرية الا انهم توحدوا في الهم الوطني في الانتخاء للعراق والحفاظ على لحمته الاجتماعية والوطنية فكانت هناك عروض ومهرجانات تنوعت وانفتحت لتحتضن تجارب من انحاء الوطن العربي والعالم واغلب هذه المهرجانات كانت تقام في العاصمة بغداد لكن مع وجود الطموح والرغبة الحقيقية في الافادة من فن المسرح انفتحت محافظات اخرى لاحتضان هذا الفن الجميل فكان مهرجان البصرة لفن المسرح والذي اقامته جامعة البصرة كلية الفنون الجميلة والذي جاء عربيا وناجحا وحذت الديوانية حذو البصرة فقامت نقابتها في تضييف مهرجان الديوانية العربي للمسرح والذي تعاقبت دوراته بدعم من مجلس محافظة الديوانية وكان للحلة وأكاديميتها نشاطها المسرحي المبارك ثم توجهت الانظار الى جزء مهم من ارض العراق وهو شماله اذ انطلقت في اقليم كردستان العراق اول تظاهرة مسرحية تحتضنها محافظة أربيل وكان المهرجان هذه المرة دوليا وسوف نتوقف للحديث عن الدورة الاولى لهذه التظاهرة المسرحية والتي بدأت فعالياتها منذ الفترة 18/9/2011 في مدينة اربيل ولغاية 24/9/ 2011وقد حمل المهرجان اسم (هه لير ) وهو الاسم القديم لمدينة أربيل ويعد قيام هذا المهرجان الدولي خطوة جريئة وشجاعة  لمدينة تنمو وتتسع وتستقطب رؤوس الاموال الاوروبية والعربية عن طريق الشركات والمؤسسات الباحثة عن منافذ للعمل والاستثمار والترويج اذن هي خطوة مباركة ومحسوبة ولم تأت اعتباطا اذ ان إقامة مثل هكذا مهرجان دولي يخرج المدينة  من اطارها المحلي والعربي الى افق اوسع ليشمل بقاع العالم المختلفة بإنجاز مهم اذ يكفي ان يكون الحضور ضاما لعروض مسرحية قادمة من المانيا وفرنسا وهولندا وايطاليا وبولندا وبلجيكا واليونان والسويد إضافة الى وجود فرق من البلد المضيف لكي يكون المهرجان دوليا ويعلن من خلال ايامه وتواصل عروضه المسرحية عن امن واستقرار مدينته وهذا بالتالي يشكل دعوة للاخرين للحضور والتفاعل والتعاون مع مهرجان هذه المدينة للسنوات القادمة وليعطي للفرق الاحترافية في انحاء العالم اشارة لانبثاق مركز إبداعي جديد في مدينة أربيل لظاهرة حية ومتجددة هي الظاهرة المسرحية التي استطاعت ان تجمع العالم اجمع بكل الوانه واطيافه وتعدد لغاته فوق خشبتها ومن خلال لغتها المسرحية الواضحة والمعبرة والانيقة وهي اللغة المسرحية التي يجسدها ويعبر عنها العراف الاول ساحر الخشبة الممثل بجسده وحركته ومن ثم منطوقه اللفظي او منطوقه التعبيري المتجلي في منظومة فضاء العرض المسرحي  ( الضوئية والحركية والتشكيلية واللونية والسمعية ) مهرجان أربيل المسرحي الذي نهضت به وزارة الثقافة في اقليم كردستان استطاع ان يمتد على مدى سبعة ايام بعروض مسرحية متنوعة تفاوتت في مستوى توجهاتها وجودتها والية اشتغالها وخضع المهرجان في دورته التأسيسية الاولى الى التنافس بجوائز رمزية لا تزيد عن شهادات التنافس والدروع الفنية بعيدا عن توفير الغطاء المادي وتكونت لجنة التحكيم من خمسة اشخاص من العراق والمانيا وفرنسا وبولندا وتم إناطة لجنة التحكيم بالفنان سامي عبد الحميد وتنافس العراق من خلال ورشة فضاء التمرين المستمر التي يقودها د . هيثم عبد الرزاق ود .إقبال نعيم بالعرض المسرحي ( مرض الشرق ديمقراطي ) اعداد واخراج د. هيثم عبد الرزاق وفرقة أربيل التي قدمت ( القصة تستمر )كتابة واخراج الفنان احمد سالار وفرقة كركوك بالعرض المسرحي ( أحزان القصب )اعداد واخراج نجات نجم عن أحزان مهرج السيرك تنافست الفرق العراقية الثلاث مع فرق المانيا وفرنسا والسويد واليونان وايطاليا وبولندا وقد تنوعت فضاءات العروض هي الاخرى اذ كان هناك ثلاثة فضاءات احتوت العروض المسرحية المقدمة وهي فضاءات مستوفية لشروطها لتقديم عروض مسرحية تنوعت هي الاخرى في الية اشتغالها وتوجهاتها اذ قدمت السويد مسرحية ( المس جوليا) للكاتب سترنبرج وقدمت المانيا مسرحية ( الام شجاعة ) لبرخت , وقدم عرض لمؤلف يوناني مثل مشاركة اليونان في عروض المهرجان وكان العرض يجمع بين الرقص والغناء والتعبير الجسدي كما قدم عرضي مونودراما احدهما من ايطاليا والثاني من بولندا كما قدم المسرح السويدي تجربة تعتمد ارتجالات الورش المسرحية في عرض مسرحي اعتمد التكنلوجيا الحديثة مع حركة الجسد والملفت للنظر في كل هذه التظاهرة الفنية المبهجة هو الحضور الجماهيري وتواصله مع العروض  وتحمسه لها , انتهى المهرجان بإعلان اسماء المتنافسين على الجوائز فكان للعراق نصيبه من خلال جائزة افضل عرض مسرحي متكامل لورشة فضاء التمرين المستمر بالعرض المسرحي  ( مرض الشرق ديمقراطي ) وجائزة التمثيل النسوي للشابة في العرض المسرحي (القصة تستمر) للمخرج احمد سولار وتوزعت الجوائز بين المانيا وبولندا في التمثيل الرجالي والموسيقى والاخراج وذهبت جائزة التقنيات الى العرض الالماني  (الام شجاعة ) للكاتب برخت , وهكذا تم اسدال الستار على فعاليات هذا المهرجان وطويت اوراقه المبشرة بالامل وليعلن عن تحضيراته للدورات القادمة بعد ان ايقن انه استطاع تأكيد حضوره الناجح على خارطة المشهد الثقافي والفني في العراق رغم قلة توفر الدعم المادي المنشود لانجاح مثل هكذا تظاهرة دولية لفن المسرح اذ ان الميزانية المرصودة لم تتجاوز 190 مليون دينار عراقي والتي كانت من ضمن صرفياتها تذاكر سفر الفرق الاوروبية المشاركة وحتى اجور شحن الديكورات المرافقة للعروض , مهرجان سعى القائمون على انجازه بالتعاون والتفاهم واحترام الاختصاصات والحلم في ان تكون أربيل مركزا سنويا لعرس مسرحي دولي يمنح البلد مكانة واهتماما ويجعلها موضع استقطاب وجذب لكل المبدعين العاملين على الظاهرة المسرحية , وقد قدم المهرجان دورة ثانية لفعالياته ويستعد خلال شهر تشرين الاول من العام الحالي لانطلاق فعاليات دورته الثالثة واشد ما نخشاه ان يكتفي القائمون على المهرجان بتوجيه الدعوات للفرق المسرحية واعلان التنافس بين العروض المشاركة ويتناسون ان مهمة المهرجانات هي تثقيفية وتعليمية وانفتاح على ثقافات الاخر وخلق علاقات عمل واستثمار الحضور في ورش مسرحية قد تمتد لطيلة ايام المهرجان او تحدد بثلاثة او اربعة ايام في الاهتمام بعناصر الظاهرة المسرحية في الضوء والسينوغرافيا والازياء وفن المكياج والكتابة المسرحية وفن الاخراج المسرحي الى ضرورة ان تكون هناك محاور فكرية وندوات لمناقشة العروض المقدمة تثري الحياة الفنية وتغني المهرجان وتحميه من السقوط في الرتابة والتكرار والنسخ عن صور مهرجانات سابقة مما يوقع المهرجان في حالة الهرم والشيخوخة البكرة مهمة المهرجانات مهمة فاعلة للاعلان عن حضارة البلدان التي تحتضنها والفكر التنويري الذي يقودها انها الوسيلة لنقل العالم بكل تجاربه المتطورة الينا , وبقدر سعادتنا بمهرجان أربيل الدولي للمسرح بقدر ما نأمل ان يعاد البهاء لمهرجان بغداد المسرحي وفق تخطيط وتنظيم مدروس ومسؤول وان يشرف على ادارته قامات مسرحية تنظر الى بغداد بعين المحبة والفخر وتسعى للارتقاء بحركة المسرح العراقي دون ان تعتمد الشخصانية والنفعية وسياسة الاقصاء والازاحة  ,هي بغداد حاضرة الدنيا وشاغلة الناس برغم جراحها،  وهم فنانوها ورموزها ومضيؤو فضاءاتها مكابرين صامدين لا ينحنون , ودامت المهرجانات كرنفالات فرح وجمال ومتعة .

 

د. عواطف نعيم

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *