مفهوم التشاركية في “مسرح المخرجين”

إن ذلك التنوع في أسلوب الإخراج جعل(مينوشكين) دائمة البحث عن اشكال جديدة لم تستهلك على خشبات المسرح الاوروبي، الأمر الذي دفعها إلى “السفر إلى الشرق

 

الاقصى ، وهناك اكتشفت لأول مرة أشكال المسرح الهندي والياباني اللذين أثرا عليها بعد ذلك في عملها “(13)، وبالرغم من إتباعها أسلوباً يكاد يبتعد كثيرا عن تجارب الواقعية النفسية التي عمل عليها (ستانسلافسكي ) إلا اننا نلاحظ توظيفها لواحدة من أبرز تقنياته في تدريب الممثلين إلا وهو مبدأ المعايشة، فقد “كان كل اعضاء الفريق يقضون بعض الوقت يلاحظون روتين العمل في مطبخ لأحد المطاعم وعندئذ يبدأ العمل في التحويل المسرحي “(14)، وقد جرى ذلك في مرحلة  تدريباتها على إخراج مسرحية (المطبخ) ، وقد كان (ستانسلافسكي) فيما سبق قد طلب من ممثليه أثناء اخراجه مسرحية (الحضيض) الذهاب إلى مكان يشبه البيئة التي وصفها (غوركي ) في النص المسرحي من اجل خلق مبدأ التعايش بين البيئة التي عاشت الشخصيات فيها من جهة والممثلين من جهة اخرى .

ولم يقتصر مبدأ التعايش عند (مينوشكين ) على مشاهدة الاحداث التي تقع في الحياة العامة وإنما اتسع الامر إلى المشاركة الجماعية بين اعضاء الفريق ، حيث كان ” الممثلون يتقاسمون نوبات اداء الخدمة والنظافة مصرين على مبدأ ان الكل ينبغي ان يشارك حتى في الاعمال الوضيعة الطابع “(15) ، فضلا عن ذلك فإن مبدأ المشاركة تحول من الممثلين ليشمل الجمهور أيضاً حيث كانت (مينوشكين ) تدعو إلى “أن ذلك التشارك ضروري من اجل تأسيس العلاقة الصحيحة مع الجمهور، وهي العلاقة التي لايسعى فيها الممثلون الى الابهار وانما الدعوة الى المشاركة وهي الدعوة التي استقبلها الجمهور بحماس في عرض 1789 “(16).
يدخلنا المؤلف في كتابه هذا في العديد من المتناقضات التي لا تستقر على شكل معين ، فكما ذكرنا سابقاً ، حول تطبيق مبدأ المعايشة في مسرح (مينوشكين) الذي يتوافق مع طروحات (ستانسلافسكي ) ، إلا ان المؤلف يعود ليناقض مقولاته السابقة من خلال الكشف عن اهتمام مينوشكين بمسرح (بريخت ) والتحذير من “واقعية ستانسلافسكي، والأيهام باعادة خلق الشخصية التاريخية، وعملت بدلا من ذلك بشكل عام على نمط من التمثيل التغريبي الذي يركز ليس على واقعية الدم واللحم للشخصيات بقدر ما يركز على الاختيارات السياسية التي عليه ان يواجهها وعلى التطور التدريجي لنمط ومفردات الاحداث”(17) وبذلك فإن المؤلف يترك القارئ في فضاء مليء بالغموض بعيداً عن أسلوب (مينوشكين) الذي بدا أكثر وضوحاً في  العديد من الدراسات التي تناولت مشروعها المسرحي بوصفه مسرحاً سياسياً يستخدم العديد من التقنيات التي كانت مستخدمة في مسرح بيسكاتور وبريخت ، ومن ناحية النص فإنها تعمل على توظيف النصوص لتكون متوافقة مع طروحاتها السياسية  المناهضة للحرب ، وقد بدا ذلك واضحاً في العديد من العروض المسرحية التي يقف في مقدمتها العرض المسرحي (1789) المستنبط من احداث الثورة الفرنسية .
(بيتر شتاين): ويعد مبدأ المشاركة الجماعية من ابرز السمات التي عرفت عن مسرحه ، وربما يعود ذلك إلى تأثره بما حوله من تجارب تعطي الاهمية للمشاركة الجماعية في إنتاج العرض المسرحي، سواء على مستوى التمثيل او صناعة متطلبات العرض الاخرى وهو بذلك ” يتشابه جزئياً مع الخصائص المتناقضة مع كل من جون ليتوود واريان مينوشكين، وقد أصر مثلهما على انه ليس مركز الابداع، وللمفارقة فإن تحمليه الجميع بمسؤوليات متساوية كان يقوي من سلطته على ممثليه”(18)، وكذلك هو الحال مع الافكار التي كان يعمد على تناولها في مسرحه والتي غالباً ما تحتوي على تضمينات سياسية تتطلب من فريق علمه ان يكون واعياً ومفكراً بالمجتمع وبالمتغيرات السياسية في العالم ، وهو يقول ” نريد ان نشغل انفسنا بموضوعات لا يتعامل المسرح نظامياً معها ن مثل تأريخ الثورة او الثورات، وحركة الطبقة العاملة وهذا هو اهتمامنا الراسخ(…) إن حاجتنا لاتدور فقط حول أمور جمالية ولكن أيضاً بشكل خاص حول أمور تأريخية”(19) .
(روبرت ويلسون): يذكر المؤلف في معرض حديثه عن (روبرت ويلسون ) أنه” يعد النموذج الاعلى للمخرج ككاتب تصويري إذ كان يعتمد على مصادر فنية بالغة التنوع، من الرمزية إلى البناء الخيالي لنهايات القرن العشرين ، ومن خيالات الحلم السريالي إلى فن رقص ما بعد الحداثة والحلات الحسية للأطفال سيئي التوافق”(20) .
واعتقد أن كل ماذكره المؤلف يعود بالاساس إلى اشتغال (ويلسون ) في المدارس الخاصة بالاطفال الذين لديهم مشاكل نفسية وعضوية ، ومن خلالهم تطورت تجاربه في المسرح العلاجي ، الامر الذي جعله قادراً على التواصل معهم عن طريق لغة خاصة يستطيع من خلالها تحفيز ادواتهم التواصلية على التفاعل مع البيئة المحيطة ، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال عمل ويلسون على توظيف بضع الافكار المبعثرة التي يقدمها له المرضى / الطلاب، والعمل على إعادة انتاجها لتكون على شكل عرض مسرحي بصري يثير انتباه المتلقي الواعي ، وفي الوقت ذاته هو اشبه بعلاج لأولئك المرضى ويعتمد ذلك على  التشارك في تقديم العرض المسرحي، ولذلك فإن دور (ويلسون) بوصفه ” مخرج مداوي يقتصر على تحرير الطبائع الفردية ومعاجم حركة الممثلين، وأن يحكم درجة غير مثبتة للاصوات والحركات والايماءات المفتوحة بما يكفي بنائياً كي تسمح للممثلين الفرديين ان يمثلوا طبقا لفرديتهم العميقة دون تمزيق وعيهم وعلاقتهم بالفراغ “(21)

 

صميم حسب الله

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *