مسرحية ” حرير “.. حضور السرد وغياب الفعل الإخراجي

لا نأتي بجديد حينما نُشير الى صعوبة الخوض في الـ( مونوراما ) , لناحية امتلاك الذوات المُنتجين لها ( مؤلف _ مُخرج _ مؤدٍ ) لعُدة اشتغال تُمكنهم من كسر الصورة

 

المنمطة لماهيتها عند المُتلقي , فهل استطاع كادر “حرير ” التي قُدمت مؤخراً على خشبة المسرح الوطني ببغداد_ إنتاج وزارة الثقافة , والمُكون من ليلى محمد _ مؤلفة ومُؤدية / فلاح إبراهيم _ سينوكراف ومُخرج / د. يوسف رشيد _ دراماتورج , الإفلات من مُهيمنات هذهِ العلائقية ؟؟!! . استند المتن الحكائي للعرض على عدد من المرويات السردية التي تُقدمها امرأة عراقية في الخمسين من عُمرها , خلال المرور على عدة بؤر تاريخانية أحدثت رجات عنيفة في المُجتمع العراقي بدءا من حرب الثماني سنوات مروراً بحرب عام 1991 وسنوات الحصار في تسعينات القرن الماضي ومن ثُم التغيير عام 2003 الذي تلاه العيش ضمن أجواء الحرب الأهلية ما بعد التغيير وصولاً الى الآن , حيثُ اعتمدت المؤلفة في تناولها لهذهِ البؤر على إمكانية إحداث تعالق سيسيولوجي مع المُتلقي بوصفهِ الشاهد والمشهود على ما جرى على اعتبار أن المونودراما قائمة على حكاية تجري أحداثها في زمن ماضٍ يتم سرده، سرداً متواصلاً، على الخشبة من خلال ممثل واحد ( اضطلعت هي بأداء الشخصية _ المرأة _ في هذا العرض ) ، ولابد لهذا الممثل من أن يتحدث في جهاز الهاتف، كما إن صوت رنين جرس باب المنزل بات من البديهيات في هذا العرض، والممثل بدوره يمثل ـحتماً ويبدو عالم العزلة والاغتراب هو العالم الفعلي للشخصيات المونودرامية.

افتتح العرض بمشهد المحاورة ما بين المؤدية وباقي أعضاء الكادر , حينما تطلب منهم الاستعداد لبدء العرض , وهي تقنية استنفذت جمالياً من قبل جُملة من العروض المسرحية العراقية السابقة , ولا يُمكن اعتبار لجوء مخرج العرض إليها , إلا نوعاً من ” الإفلاس ” الإخراجي , لأن هكذا نوعية من العروض المونودرامية بحاجة الى دراية بأصول تقديمها المُختلف تماماً عن باقي العروض المسرحية , وحتى مؤدي شخصياتها يتم اختيارهم بالتماهي مع مؤهلاتهم الجسمانية والصوتية والتي تتطلب مُطاولة في الأداء المسرحي , لا تعكز المُخرج في اختياره على الحضور الطاغي في أداء مثل هكذا عروض للممثلة ليلى محمد التي كانت لها تجارب مونودرامية مقنعة لعل أبرزها عرض ” أم الخوش ” لمحمود أبو العباس مؤلفاً ومُخرجاً . 
حاول العرض طرح صوت درامي واحد ( بحسب توصيف د. حسين علي هارف للمونودراما ) اعتمادا في بنائها عبر شخصية درامية واحدة قامت المؤلفة بتقديمها كمؤدية تعاني أزمة وعزلة واغتراب نفسي وحتى اجتماعي مما جعلها تنفرد بالجمهور وبمساحة تكاد تكون شاملة لمُجمل أنساق العرض لتسرد تجربتها / متنها الحكائي المُتمحور حول عدة بؤر تأريخانية مكشوفة ومعلومة وبالتالي اتكأ العرض بالمُجمل على ” سرد / بوح ” الشخصية التي لم تجد بُداً من اللجوء الى حالة التقابل مع الجمهور الذي وجد نفسه مُحاطاً بسور أبيض / كفن / رحم , خلال محاولة إقحامهِ ضمن منطقة اللعب المسرحي مما أوجدَ نوعاً من الملل لم يُحسن مُخرج العرض في التعامل معهِ وفق أبسط أعراف العملية الإخراجية , تاركاً للمؤلفة / المؤدية مساحة واسعة من الإمساك بإنساق العرض عبر عدد من التحركات هُنا وهُناك التي لم تستطع النهوض بإيقاع العرض العام , فضلاً عن حالة جلوسها المُتكرر تساوقاً مع فعل السرد الذي اتكأ عليهِ العرض بكُليتهِ فكانت المرويات الحكائية , صفة غلفت العرض ولم تُسعفهُ في إيجاد تراسل مُقنع يُمكن أن يؤشر إزاءه أن فعلاً جمالياً قد رشح عن مُجمل أداءات الشخصية التي افترضها هوَ , لكن حضور المجموعة بعديد أداءاتها خلف السايك وفق تقنية خيال الظل , أسعفت العرض حينما كانت باعثة على الدهشة الجمالية , ومُتممة لأداء الشخصية المحورية التي قدمتها بتُمكن واضح ليلى محمد , فكانت ( الأم / الطفلة / البائعة في السوق / وغيرها ) وهي شخصية غير مُعلن عن اسمها , تعاني أزمة نفسية واجتماعية حادة بسبب الاغتراب الذي تُعانيهِ وانفصالها عن العالم الخارجي وحتى ماضيها وحاضرها ومُستقبلها المجهول والغير معروف . ومما يُحسب للعرض أنهُ أكد مكانة ( الدراماتورج ) وأهميتهِ في عروضنا المسرحية , عبرَ وجودهِ فيهِ بوصفهِ وسيطاً بين المؤلفة والمخرج من خلال إسهامهِ الواضح في الحذف أو الإضافة في مُجمل أنساق ( حرير ) إضافة الى تفسير تفاصيل هذا العرض.

بشار عليوي

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *