المسرح الحلبي تاريخ مئة عام من عروض وثقت للحياة السورية المعاصرة

 

يعود تاريخ المسرح في حلب إلى بداية القرن العشرين من حياة مدينة سيف الدولة حيث بدأ فنانو الشهباء عروضهم مع انتشار فن خيال الظل الذي قدمه الكثير من الحلبيين الذين كانوا عرضة للتعذيب والاضطهاد على يد ولاة الدولة العثمانية التي كانت تخشى من فنون الحلبيين وما يخبئونه خلف هذه الفنون من رفض للظلم والاستبداد الذي كان يمارسه العثمانيون عبر سلاطينهم.

 

 

ويقول محمد هلال دملخي عن تاريخ مسارح حلب أن الفرق الزائرة إلى حلب السورية بدايات القرن العشرين كانت بدءا من فرقة الشيخ سلامة الحجازي التي أتت إلى البلاد الشامية بأربع زيارات في أعوام 1906-1908-1909-1911 قدمت من خلالها فرقة الحجازي أعمالها على مسرح الشهبندر وصولاً إلى زيارات فرقة جورج أبيض التي قدمت إلى حلب في 25 أيلول من عام 1913 إضافة إلى فرقتي عبد النبي محمد التي قدمت عروضها على مسرح سينما السعد وفرقة يوسف وهبي ,رمسيس التي زارت حلب في 19أيار من عام 1929.

ويولي دملخي الباحث التاريخي في شؤون المسرح الحلبي أهمية خاصة لاستعراض الفرق العربية والأجنبية وزياراتها إلى حلب التي كان لها الأثر الأكبر في إنشاء المسرح كحركة فنية لافتة في حلب وانتقال تقديم المسرحيات من صحون الدور وإيواناتها إلى المقاهي ومن ثم إلى المسارح التي بناها الحلبيون في النصف الأول من القرن العشرين كمسرح المدرسة العربية والمدرسة الفاروقية والشرقية ومسرح مقهى البليط ومسرح مقهى النصر ومسارح الشهبندر الأربعة.

ويتحدث الفنان عمر حجو عن تاريخ المسارح العريق في حلب فيقول في تصريح لسانا هناك العديد من المسارح المهمة كمسرح اللونبارك الذي غنى عليه سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ومسارح أخرى كمسارح الأزبكية ونادي الشبيبة الكاثوليكية ومسرح الصحراء ومسرح دار الكتب الوطنية وكوكب الصباح ومسرح سينما فريا ل وغيرها.

ويوضح مؤسس مسرح الشوك أن أهمية مسرح الحكواتي عند الحلبيين بداية عصر النهضة واجتماعاتهم في مقاهي قسطل الحرامي وقسطل المشط ومقهى جقيص وباب الحديد لعب دوراً رئيساً في انتعاش الحركة الفنية عموماً فالمسرح إلى جانب حلقات الطرب والقدود لطالما كان له نكهة من نكهات الليالي الحلبية فكان الفنان فاروق المدرس السباق إلى تقديم مسرح الحكواتي وطقوسه الشعبية بمشاركة من الفنانين عبد القادر مكتبي ونديم شراباتي ونجم الدين جمالي وآخرين إضافةً إلى مسرح خيال الظل الذي قدم إلى بلاد العرب أواخر القرن التاسع عشر قادماً من الشرق الأقصى والذي كان يطلق عليه الحلبيون فن الخليلاتي أو الفراكوز.

وهذا الاحتفاء الكبير عند الحلبيين بفن المسرح بدا بالولادة الحقيقية لنشوء المسرح الحلبي على يد الفنان يوسف نعمة الله جاد الذي قدم مسرحيته الأولى بعنوان بريجيت على مسرح المدرسة المارونية في حلب عام 1872 حيث جارى نعمة الله جاد المسرحيين الرائدين الأخوين ميخائيل ومارون النقاش وهو مسرح اعتمد على المواعظ والروايات الأدبية.

إلا أن هذه النهضة التي كان من الممكن أن تستمر في عطاءاتها غابت برحيل نعمة الله جاد حتى العام 1919 لتعود الحياة الفنية لتزدهر على يد خيرة من الكتاب والمترجمين الحلبيين وفي مقدمتهم القس باسيل بن توما بن جرجس أيوب الذي كان يعمل مراسلا لجريدة البشير البيروتية إذ أسس أيوب نادي شبيبة السريان الكاثوليك في منزله الخاص وأسماه آنذاك نادي الأدب تبعه بتأسيس العديد من الفرق المسرحية كانت أولها فرقة عيد ونجمة سورية التي قدمت في بداية العشرينيات من القرن الفائت مسرحياتها الكوميدية على يد بائع السوس الجوال عيدو السواس وصديقه عيدو التنكجي.

وقدمت الفرق الحلبية فصولاً من الضحك المتواصل كان أشهرها مسرحية قاضي الولاد شنق حالو أعقب ذلك تأسيس فرقة المدرسة العربية الإسلامية التي أسسها الفنان عبد القادر الشوا عام 1919 بالتعاون مع خيرة من المدرسين الحلبيين من أمثال عبد الوهاب الصابوني ووجيه رفاعي وأسعد كوراني وصالح مارديني وآخرين حيث قدمت هذه الفرقة مسرحيتها الأولى بعنوان صلاح الدين الأيوبي.

ويقول الناقد المسرحي عبد الفتاح قلعجي في حديث خاص لسانا إن تأسيس العديد من الفرق المسرحية في حلب تضاعف في الربع الثاني من القرن العشرين و كان أبرزها فرقة المدرسة الفاروقية التي تأسست عام 1920 في منزل فاتح مرعشلي في حي الفرافرة على يد الفنان نجيب باقي حيث ضمت خيرة مثقفي حلب وعلى رأسهم الشاعر عمر أبو ريشة والمؤلف الموسيقي أحمد الأوبري والباحث والمؤرخ خير الدين الأسدي فنجحت الفرقة آنذاك في تقديم مسرحياتها التاريخية والوطنية التي تندد بالاحتلال الفرنسي لسورية وكان من أهم أعمالها مسرحيات الفضيلة والرذيلة أبو عبد الله الصغير أحلام ودموع إلا أن السلطات الفرنسية أوقفت نشاط هذه الفرقة بعد الالتفاف الشعبي والثقافي الذي حققته جماهيرياً.

ويوضح قلعجي أن العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين شهدت مواسم من العروض المسرحية ونشاطاً معقولاً في تأسيس الفرق المسرحية كان أهمها فرقة جمعية الجيل الجديد الثقافية التي تكونت من اجتماع فئة من الشباب الأرمن الوافدين إلى كيليكيا وحلب هرباً من المذابح التركية.

واتفق هؤلاء على إنشاء فرقة مسرحية تحت اسم أنترانيك ومعناها بالعربية الأولى وهي أول فرقة للمهاجرين إلى حلب إضافة إلى تأسيس نادي التمثيل الوطني عام 1925 في بيت عربي في حي الفرافرة وهو من النوادي المرخصة من قبل الحكومة وكان يضم خيرة من أدباء حلب وفنانيها وكوكبة من الرجال ذوي الشعور الوطني البارزين أمثال أمين تاج الدين وفهمي الحفار وممدوح حقي وعلي الناصر ومصطفى برمدا.

وقد لعب نادي التمثيل الوطني بحلب دوراً في تقديم العديد من المسرحيات الوطنية من قبيل في سبيل التاج, خالد بن الوليد ومسرحية بطل غسان لمؤلفها جورجي زيدان ومخرجها بشير العباسي فكان لمسرح الثلاثينيات في حلب دور كبير في تقريب الفن المسرحي بنموذجه المعاصر من نفوس الناس حيث شهدت هذه الفترة تأسيس فرق مسرحية كثيرة كان أولها فرقة حسن حمدان عام 1933 وهي من الفرق الشعبية والتجارية التي اتسمت بتقديم العروض الترفيهية واتباع أسلوب نجيب الريحاني في عرض ما يسمى الكشكشية.

ويقول قلعجي إن فرقة أتاميان أو فرقة مسرح الشبيبة الأرمنية التابعة للجمعية العمومية الأرمنية لعبت دوراً بارزاً في تكثيف العروض المسرحية على خشبات حلب حيث كان مقرها في جادة الخندق ثم في شارع بارون إذ تأسست على يد الفنان آرام بارونيان والفنانة آرا أصلانيان فقدما باكورة نشاطهم في مسرحية الوصية.

والفرقة الأكثر تأثيراً في حركة المسارح الحلبية كانت الفرقة القومية للتمثيل التي تأسست عام 1937 وهي امتداد لفرقة المدرسة الشرقية التي تميزت بنخبة من الفنانين القديرين بإدارة الأستاذ فاتح غضنفر حيث قدمت الفرقة عروضها أمام الرئيس الراحل شكري القوتلي على مسرح سينما العباسية وتم نقل العرض آنذاك بالمذياع لأول مرة في سورية.

ويخبرنا الفنان غسان مكانسي أن فترة السبعينيات تميزت بنشاط لفرقة المسرح العمالي 1976 حيث قدمت هذه الفرقة أعمالها على مسرح دار الكتب الوطنية مفتتحةً باكورة أعمالها بمسرحية موعد مع الفجر من تأليف وإخراج يوسف أبو السعد تبع ذلك نشاط جيد لفرقة المسرح الجامعي حيث تأسست الفرقة بجهود من طلاب جامعة حلب ومنهم كل من الفنانين عبد الرحمن حمود خليل الرز حسني الزعيم أمين الخطيب فائز أبو دان حبيب أرتين هيثم حمود إذ كان للمسرح العمالي والجامعي كبير الأثر في الحياة الثقافية الحلبية وكان سببا رئيسا لبزوغ المسرح القومي الذي تأسس عام 1976 واتخذ مقراً له في مبنى المعهد الموسيقي في حي السبيل لينتقل في السبعينيات إلى شارع البارون وانتدب الأستاذ أحمد حداد مديراً له.

و يوضح مكانسي أنه كان للمسرح القومي دور كبير في إغناء الحركة المسرحية السورية بحلب عبر أعمال قدمها كل من كريكور كلش وإسكندر كيني وإيليا قجميني وحسين الإدلبي وعبد الفتاح قلعجي ورضوان السالم وعمر حجو وآخرين مهدوا فيما بعد لتأسيس فرق مسرحية حلبية خاصة مثل فرقة المهندسين المتحدين 1990 وفرقة اتحاد الصحفيين1992 وفرقة أصدقاء مسرح الشوك 1995

 

 

http://www.moc.gov.sy/

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *