فائق حميصي… رائد المسرح الإيمائي في لبنان يستعرض الماضي والحاضر

من حقي أن أكون وزير ثقافة لكنني أرفض في ظل هذا النظام


يفضّل أن يتواصل مع الناس باللاكلام، بمعنى أصح يغرد خارج سربه الذي يعرفه جيداً، اختط لنفسه نهجاً فنياً وجد نفسه فيه، نستطيع القول انه التصالح مع الذات فنياً.
فائق حميصي الذي تمنى والده له ان يكون طبيباً تحول إلى رائد للمسرح الإيمائي في لبنان، و ربما في المنطقة.
فنٌ صعب، فمع الكلام يصعب احياناً ايصال الرسالة، فكيف بدونه وتاريخ حافل بالتنوع فمن بداية إيمائية بين اطفال الحي إلى  النشاط المسرحي الكشفي في «كشافة الجراح» إلى فرقة «أبو سليم» والتلفزيون إلى العمل مع شكيب خوري والمسلسلات التلفزيونية، إلى العمل مع منصور الرحباني في (صيف -84)..الخ… يقول ويتفق معه عصام محفوظ ورئيف كرم على ان ما تقدمه في لبنان ليس ايماءً بل هو ما وراء الإيماء.
حول هذه الرحلة الطويلة المتنوعة، وحول هذا المشوار الملوّن… كان هذا اللقاء:
{ نستطيع القول أن فائق حميصي هو رائد المسرح الإيمائي في لبنان اليس كذلك؟
– يمكن أن نقول نعم مع أنني لا أحب هذه المراتب الأول والثاني، وهكذا يسمونني فالرائد بالفن ليس من يبدأ به، بل من يبدأ ويكمل به، فبالنسبة لي كانت هذه أول لعبة لعبتها وأنا صغير وفيما بعد تغيرت المواضيع والأفكار المطروحة وتوسعت الأساليب التي استخدمتها، كنت أمثل في فرقة (كشافة الجراح) في طرابلس وكان يرأسها الممثل القدير أسعد (عبدالله الحمصي) كنت أمثل فيها النكت الخرساء، ثم خرجنا من فرقة الكشافة وأسسنا فرقة (الفنون الشعبية) التي مازالت مستمرة حتى الآن، ومنها انطلق العديد من الفنانين منهم مايز البياع، وليد توفيق الذي كان معي في نفس المدرسة وكانوا ينادوني بالأستاذ لأنني أنا الوحيد الذي كنت في المدرسة اجيد تأليف المسرحيات وكان عمري في ذلك الوقت سبعة عشر عاماً».
{ يُقال أن اتجاهك إلى الإيماء بدأ منذ الطفولة من حكاية كان والدك يحكيها لك اسمها (بالوما)…. شو قصة «بالوما»؟
– كانوا يسألوني دائماً كيف أصبحت ممثل إيماء، تلك هي القصة عندما كنت صغيراً لم يكن التلفاز منتشراً كثيراً كما هي الحال الآن فكان الناس يسهرون عند بعضهم البعض وكان أبي مشهوراً خلال السهرات بالقاء النكت، كان دائماً «يروي النكت وفي معظم سهراته كان يروي لنا الحكايات والنكت، كان هناك نكتة دائماً عندما يرويها اضحك عليها، تقول انه في أحد الأيام جاء رجل فرنسي إلى مصر وقال: أنا أتحدى الشعب المصري بالوما (تروي شيئاً عن طريق الإشارة) فجاء زعيم الحشاشين في مصر وقال أنا سوف أتحداه بالوما فوقفا مقابل بعضهما، أشار الفرنسي باصبعه نحو عينه، فرد عليه زعيم الحشاشين بأصبعيه الأثنين نحو عينيه، ثم عاد وأشار الفرنسي بأصبعه نحو الأعلى، فرد عليه زعيم الحشاشين بأصبعه نحو الأسفل، ثم جاء الفرنسي بالدجاجة وقلع رأسها عن جسدها، عندها قام زعيم الحشاشين بكسر بيضة بين يديه، هنا الفرنسي استسلم وقال هو الرابح استغرب الناس وطلبوا من الفرنسي أن يشرح لهم الحوار، فقال: قلت له الله واحد، قال لي: لا يصير إثنين، ثم قلت له: رفع السماوات والأرض، قال لي: وبسط الأرض، قلت له: يحيينا ويميتنا، قال لي: قبل أن يحيينا يميتنا، ثم جلبوا الحشاش وطلبوا منه أن يروي ما حصل، فشرح قائلاً: قال لي: «بقلعلك» عينك، قلت له: بقلعلك عينيك الأثنين، قال لي: «بشنقك»، قلت له: «بدفنك»، قال لي: أقلع رأسك مثل هذه الدجاجة قلت له: أفعسك مثل هذه البيضة.
فكنت أستمتع بسماع هذه النكتة وتضحكني كثيراً، أنا ولدت محباً للفن، ولكن هناك جذور فنية في العائلة كان عم أبي موسيقياً» (محمود الحميصي) مهم جداً.
{ هل لعبت السينما دوراً في تكوينك الفني؟
– أنا أحب الأفلام كثيراً ومشاهدة السينما، منذ صغري وفي احدى الأيام أذكر انه كان يوم عيد، ذهبت إلى السينما لوحدي لمشاهدة فيلم اسمه «تاكسي الغرام» جذبتني صورة إمرأة جالسة على طرف السيارة في الفيلم وكان شعرها يتطاير مع الهواء وعجلة السيارة تدور، وأنا كنت أقول طوال الوقت متى سوف تقع ومتى سوف تقع… انتهى الفيلم. عندها قالوا لي الذي يُريد أن يجدد يبقى فجددت في انتظار أن تقع المرأة، فشاهدته حوالى ثلاث مرات والمرأة لم تقع بعدها أحست بالجوع التفت من حولي فرأيت الدرك يدلان عليّ، فقد أبلغ أهلي عني المخفر ظناً منهم بأنني تائه أو أصابني مكروه، ولا زلت إلى الآن أعشق السينما فإذا ما أعجبني فيلم أشاهده عشرات المرات مثل (بياع الخواتم).
{ بعد عملك في (عشرة عبيد زغار) ابتعدت عن الشاشة الصغيرة لفترة طويلة أي لغاية 1987 ما هو السبب؟
– كلا لم أبتعد عن الشاشة، لعبت دوراً صغيراً في «عشرة عبيد زغار» كنت في أول سنة في الجامعة مع انه دور صغير لكنه مهم كان دوري أن أفزع الأولاد الصغار ثم عملت في المسرح مع شكيب خوري (الكوخ المسحور) للأطفال (علاء الدين) ومع موريس معلوف (اكتشف بيروت)، عام 1972 قمت بهذه المسرحيات وأنا تلميذ في الجامعة، موريس كان أستاذي في الجامعة فهو علمني بعض التكنيك، بعد سنة طلبت منه أن أعمل مسرحية استغرب هذا الطلب، كنت أتدرب عنده في البيت وكانت زوجته انكليزية فقالت عني بأنني مدهش، عندها عملنا أول مسرحية إيمائية في الشرق الأوسط (فدعوس يكتشف بيروت) أنا مثلتها وهو أخرجها.
{ هل أعطاك بلدك حقك كممثل إيمائي؟
– طبعاً لا، فهم ليس لديهم الوقت الكافي لهذه الأشياء، عندي ما هو أهم. عندي محبة الناس والجمهور أهم.
{ إذا خيرت أن تكون وزيراً للثقافة هل توافق؟
– أنا من حقي أن أكون وزير ثقافة لدي تجربة كبيرة في عدة مجالات، ولكن في ظل هذا النظام طبعاً أرفض.
{ ما هو مفهومك للحرية؟
– ان اعمل ما يفرحني، حتى لو كنت على خطأ أكرر نفس الأخطاء طالما هي تفرحني، وإذا لم يكن عندي أية أفكار جديدة لمسرحية ما لا أعملها، مثلاً عندما مثلت مسرحية (كل هذا الإيماء) في عام 2010 هذه المسرحية لا أعلم أي أسلوب إيمائي اتبعت أدخلت عليها عدة أساليب جديدة من الرقص والإيماء حتى الصوت استعملت رغم تساؤل الجمهور عن سبب إستعمال الصوت في مسرحية إيمائية وإنتقادهم إلا أنهم أحبوها جداً. الفنان ثلاثة أنواع: عنيد أو لا يعرف ماذا يعمل أو متمرد، أنا من النوع المتمرد دائماً أقول أن هناك ما هو أجمل وأفضل. فالفن هو تظهير لمعاناة البشر.
{ ما هو أهم شيء عندك في الحياة؟
– هو الحب، حب العائلة وحب الجمهور، والعطاء والعطف والمحبة هي الأساس في الحياة.
{ ذهبت إلى المسرح العادي في أعمال من إخراج شكيب خوري وناجي معلوف، ثم كان التركيز على الإيماء بعد إنهاء تخصصك في (مونتروي) في فرنسا، هل تظن أن القرار كان صائباً؟
– كانت عقدتي كأي لبناني أن الدراسات العليا هي التي تصنع مني إنساناً ذا أهمية لذلك قررت السفر إلى الخارج (فرنسا) وذلك خلال فترة الحرب اللبنانية (1975) وهناك التحقت بجامعة «(مونتروي) حيث درست  الفن الإيمائي لمدة سنتين وبدأت العمل بعد ذلك في احدى المحطات الإذاعية، وكنت في تلك الفترة أمني النفس بلقاء الفنان (مارسيل مارسو)، كان في نيتي البقاء في فرنسا وعدم العودة نظراً للأوضاع الأمنية المتردية في لبنان  مكثت في  فرنسا خمس سنوات، لكن عندما كنت عائداً إلى البيت من مركز عملي، وفور خروجي إلى الشارع كانت الشمس ساطعة فجأة تذكرت لبنان فقررت العودة، عدت أدراجي إلى مركز عملي لملمت  أشيائي وقدمت إستقالتي، وحزمت أمتعتي عائداً إلى وطني، رغم الحاح المسؤولين في الإذاعة للبقاء لأن الحرب في لبنان لن تنتهي مثل حرب ڤييتنام، إلا أني إستجبت لنداء قلبي مصراً على العودة.
{ ما هي كلمتك الأخيرة؟
– إلى اللقاء في عمل مسرحي جديد ومتميز. (الحلم وحده حقيقي).
حوار: زاهية موسى

 

http://www.aliwaa.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *