عام كامل من ثورة المسرح ضد الإخوان‏!‏

لعل أبرز سمات عروض المسرح المصري طوال العام الماضي الذي شهد تجربة حكم الاخوان لمصر هي المقاومة الشديدة والثورة علي النظام والسخرية منه تقريبا في جميع العروض التي قدمتها مسارح الدولة.

أو تجارب الهواة أو عرض القطاع الخاص اليتيم من انتاج الفنان الكبير جلال الشرقاوي ولا أبالغ إذا قلت إن المسرح بوصفه أبو الفنون واكثرها اتصالا مباشرا بالجماهير قاد مسيرة الرفض ودعا اليها قبل وقفة جموع المثقفين واعتصامهم في وزارة الثقافة ليكونوا في طليعة التمرد واستكمال الثورة المصرية في يوم6/30 العظيم..
ربما كانت البداية في مسرحية سلقط في ملقط التي ألفها رأفت الدويري وأخرجها إميل شوقي وتنادي بسرعة القصاص العادل ثم ليل الجنوب التي تتناول فكرة تهميش دور المرأة والجور علي حقوقها في مجتمعات الجنوب وهي من تأليف شاذلي فرح واخراج الفنان ناصر عبدالمنعم الذي استقال من رئاسة البيت الفني للمسرح في ليلة افتتاح عرضه ربما لعدم قدرته علي التواصل والابداع في ظل الظروف السياسية المحيطة وقتها ـ وبالطبع يجب أن نتوقف طويلا أمام تجربة في بيتنا شبح من تأليف لينين الرملي واخراج المبدع الكبير عصام السيد وهي أول عرض ينتمي لكوميديا الرعب في عصر كوميديا الرعب من خلال حكم أشباح المقطم لأقدم دولة مستقرة في التاريخ.. كان لينين يقول بوضوح إن البيت أو القصر الرائع الذي نعيش فيه جميعا هناك من يحاول اخافتنا منه ليبيعه ويستفيد من اجراء الصفقات علي حساب الآخرين وقد أدي الفنان الجميل سامي مغاوري في هذا العرض دور المتاجر بالدين الذي يتسم بالجشع وادعاء الورع في نفس الوقت بحس كوميدي رفيع ولعبت سلوي عثمان دور زوجته المضطرة إلي مسايرته والتظاهر بالحشمة بعكس طبيعتها ـ ولعلها أدوار نمطية ولكن زيادة تأثيرها في المجتمع في اثناء عرض المسرحية أدي إلي مزيد من التألق في المشاهد التي جمعت بينهما بالاضافة بالطبع إلي حضور وخفة ظل النجم ماجد الكدواني والنجم الشاب ياسر الطوبجي وغول المسرح الفنان الكبير أشرف عبدالغفور ونقف عند محطة أخري مهمة هي المحروس والمحروسة من تأليف الأستاذ أبوالعلا السلاموني واخراج الشاب المبدع شادي سرور وهي مسرحية تقول باختصار إن المحروس أيا كان اسمه يسقط مادامت الحراسة لا تأتي من حب الناس ووقوفهم خلفه بينما تبقي مصر المحروسة أكبر وأبقي من جميع من حكموها ـ وتعرض المسرحية قصة الملكة شجر الدر التي نجحت في حكم مصر في ظروف صعبة وأخفت خبر وفاة زوجها نجم الدين أيوب لتتمكن من الانتصار في معركتها ضد الحملة الصليبية الفرنسية وتأسر الملك لويس ـ لكنها رغم ما حققته من نجاح تصطدم بالفكرة الرجعية ونظرة الخليفة المستعصم لها علي أنها امرأة ـ وخير البلاد أن يحكمها مملوك فاسد وفاشل من أن تحكمها امرأة تحسم إدارة الأمور.. وقامت الفنانة القديرة سوسن بدر بدور الملكة شجر الدر بينما قام الفنان الكبير أحمد راتب وهو يوزع زجاجات زيت التموين وأكياس السكر علي الرعية ليهتفوا باسمه ودوام حكمه في اشارة واضحة لما دأب عليه فصيل سياسي معين لا يحتاج المشاهد إلي فطنة ليفهم الاشارة.. كما استطاع أحمد راتب انتزاع الضحكات بالارتجال الذكي من داخل الشخصية الدرامية قائلا: إذا اضطررت سأفعل وها أنا أفعل.. أما مسرحية الأبرياء من اخراج الشاب أحمد ابراهيم وبطولة فايزة كمال وحسن العدل وعدد كبير من نجوم وشباب مسرح الطليعة فيدين كل من صمت علي حق وترك دماء الشهداء دون قصاص في اطار يعتمد علي التشويق والمفاجآت من خلال محاكمة كل شخوص المجتمع.. ورغم أن الشاعر الكبير لوركا لم يكن في أي يوم من الأيام منضما لجماعة الإخوان المسلمين إلا أن مسرحيته البيت عندما قدمها لمسرح الغد من اعداد واخراج سعيد سليمان صارت تتحدث عن أنماط النساء المضطهدة بالاسقاط علي الواقع المعاش وتألقت فيها النجمة عزة بلبع والقديرة ليلي جمال وعبير عادل ونورهان وبالطبع لا ننسي تجارب شبابية شديدة التمييز مثل تجربة عاشقين ترابك في قاعة صلاح جاهين من اخراج محمد الشرقاوي وحنظلة للمخرج الشباب المبدع اسلام إمام بل حتي مسرح الأطفال قدم بدر البدور والبير المسحور عن صناعة الخوف من عجائز القرية للأطفال وخاصة الفتيات حتي لا يقدرن علي النمو النفسي وأداء دور في المجتمع وقد تعمد باسم قناوي مخرج العرض علي توعية الأطفال لإدراكه بما يدبر لهم من مستقبل غامض يعتمد علي التلقين والسمع والطاعة ولعل أعجب تجارب المسرح المناهضة لحكم الإخوان رؤية المخرج المبدع خالد جلال لرائعة شكسبير روميو وجولييت التي قدمها علي مسرح الأوبرا الكبير في ليلة عرض واحدة بشباب جامعي من الهواة ليقول إن عائلتي روميو وجولييت كان من الممكن أن يصلا إلي حرب أهلية لولا التضحية وليحذر من أحداث نأمل ألا ينجرف الوطن اليها ابدا وأن يحمل شهر رمضان المبارك نسائم الحب والتراحم والتسامح بين الجميع ـ وأن ينضم كل من ينحاز إلي رئيس مخلوع وآخر معزول إلي قطار المستقبل وإرادة صناع الثورة من الشباب المصري الواعي.

 

كتب:محمد بهجت

http://www.ahram.org.eg

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *