“تسونامي” فاضل الجعايبي وجليلة بكار في المسرح الأثري بدقة

احتضن المسرح الأثري بدقة التونسية، الدورة الثانية لتظاهرة “دقة للمسرح”، التي نظمتها جمعية “كلنا تونس” على مدى ثلاثة أيام في الآونة الأخيرة، حيث تم تقديم أربعة عروض مسرحية: “ترى ما رأيت” و”حديث مبدعات”، و”الدرس” والختام كان مع الفاضل الجعايبي وجليلة بكار بمسرحية تحت عنوان “تسونامي”.

نشرت صحيفة “الصباح”، وبعض المواقع الإلكترونية، تغطية حول العروض التي قدمت في هذه الدورة، وبخاصة الختام بمسرحية “تسونامي” وهي جزء من ثلاثية للفاضل الجعايبي وجليلة بكار. بدأت بالجزء الأول “خمسون” التي قيّمت خمسين سنة من الاستقلال، وقسا فيها الجعايبي، على جمهوره حين عرّى رموز كل المراحل السياسية التي عاشتها تونس بداية من الحركات اليوسفية والشرايطي وتجربة التعاضد وآفاق وحروب الاتحاد العام للشغل مع بورقيبة وصولاً إلى تغيير السابع من نوفمبر، وتعامله المشين مع المعارضين والمثقفين.
الجزء الثاني من الثلاثية كان مسرحية “يحيى يعيش” التي استشرف فيها نهاية الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وكان الخيط الرابط بينها هو تسمية الأشياء بمسمياتها بلا رموز ولا إخفاء لأي مقصد أو إيحاء وباستعمال خطاب مباشر كان وقتها يعتبر نقطة قوتها حيث صارح الجعايبي عبر نص جليلة، الرئيس بن علي وحاشيته ووزراء بورقيبة السابقين وكشف لهم حقيقتهم وعرّى النظام في أصعب أوقات الدكتاتورية.. أوقات كان يمكن ان يعتقل فيها المتفرج لا فريق العمل وحده.
ويواصل الجعايبي هذا النهج في الجزء الثالث من الثلاثية، أي في مسرحية “تسونامي” ولكن حسب الكاتبة علياء بن نحيلة – الوقت تغير ويبدو اأن الفاضل وجليلة لم ينتبها إلى أن الخطاب المباشر والنص الخالي من الرموز، وتوجيه أصابع الاتهام مباشرة، لم يعد عملاً بطولياً، لأننا ورغم المنعرج الخطير الذي شهدته تونس بعد 14 كانون الثاني، واعتلاء الإخوان المسلمين لسدة الحكم ومحاولاتهم تغيير النمط المجتمعي واستبدال الدولة المدنية بأخرى دينية واحتواء الإعلاميين وإسكاتهم وحرمانهم من حرية التعبير عن الرأي، لا يزال الشعب قادراً عن التعبير بجرأة، وينتقد في البلاتوهات والمقاهي وحتى في محطات الحافلات، لذا أقلقت الشعارات الإيديولوجية والخطاب المباشر المبالغ فيه، البعض من جمهور مسرح دقة الأثري، حيث تحول المسرح في الكثير من الأحيان، إلى بلاتو تلفزيون مفتوح أدلى فيه الفاضل وجليلة برأيهما بعنف في ما يحدث في تونس، وشابته تلك الخطب التي يلقيها بعض المتطرفين في بعض الجوامع في طريقة التخاطب والألفاظ والمصطلحات المستعملة المسيئة للآخر وجوّ الكآبة الذي ساد، إذ يكتشف المتلقي بُعد المسافة التي باتت تفصله عن مواطنه، جاره، شقيقه وابنه أحياناً.
صحيح أن الثنائي الجعايبي يضعان السكين في الجرح ويحركان – قد يكون هذا اختيارهما وهناك بعض من الجمهور استحسن المقالات والآراء والمواقف التي صدرت عن “حياة” البطلة أو جليلة بكار، التي لم تقم بمجهود لتقدم الشخصية بل كانت هي الشخصية دون إضافة أو تقمص، تلقي بنص توثيقي ولكن – وهذا رأينا وقد يحتمل الخطأ- هذا الأسلوب قد يقبل في الندوات الثقافية واللقاءات والموائد المستديرة أما على الخشبة وبلا شغل تعودناه من الجعايبي في مسرحيات “غسالة النوادر”، “التحقيق”، “فاميليا”، “جنون”، “عشاق المقهى المهجور”، “ميديا”، “سهرة خاصة”، فالأمر يختلف لان مسرح “الآن وهنا” الذي يؤمن به الجعايبي لا بدّ أن يطور ولو جوانب من النص الذي يعتمده حتى لا يجتر هو وجليلة نفسيهما.
شاهد عيان وفاعل في الثورة
كان الفاضل الجعايبي حاضراً في المسرحية وفاعلاً في أحداثها وشاهد عيان عرض راهن تونس السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد 14 كانون الثاني، فككه ونقده وقد لمسنا عمق جرحه وأسفه على مآل ثورة كان من أهم رموزها وأباً من آبائها الذين عبّدوا لها الطريق خطوة بعد أخرى ودعوا لها في إبداعهم سرا وعلانية وشاركوا فيها وتعرضوا للاعتداء والإهانة رغم محاولات البعض تقديمها على أنها ثورة بلا جذور ولا آباء بالإمكان سرقتها والمرور عبرها على تاريخ يمتد على ثلاثة آلاف سنة وعلى ثلاث وثلاثين حضارة..
ولعل عمق الجرح واستشراف سوء المصير بتعمد بعض التيارات الدينية التشبث بالماضي وإخراج تونس من سياقها التاريخي والحضاري وإنكار نضال التونسيين وتوقهم إلى الحرية وغمط حقهم في الحلم بنظام ديموقراطي يعتمد على دستور ونظام وعدل وحرية هو الذي منع مسرحة الأحداث التي تناولها وجعل “تسونامي” عملاً توثيقياً يحفظ التواريخ والأحداث كما صارت لا كما سيكتبها الآخرون اعتماداً على مقولة إن التاريخ يكتبه المنتصرون.
العرض حسب الكاتبة – لم يخلُ من نقاط مضيئة أهمها قدرة المخرج الفاضل الجعايبي على الاستفادة من المسرح الأثري بدقة واستغلاله وما وراءه من مروج خضراء شاسعة سينمائياً حسن استغلال وتوظيف المشهد أعطى أبعاداً أخرى للمسرحية وقد استفاد من مشهد خروج أهالي “سليانة” منها بعد عملية الاعتداء على شبابها بالرش رغم أن فعل الأهالي وهم يتركون أرضهم إلى المعتدي عليهم كان من القوة بما لا يترك لمبدع الإضافة له.
فاطمة سعيدان كعادتها كانت حاضرة بجسدها وروحها وتجاوزت ذاتها في أداء شخصية الإعلامية التي تتحول من التعامل مع فناني “الهشك بشك” لتحاور السياسيين وتحاول إسقاطهم في فخ الثلب والتشهير واستغلالهم ولو أن بعض الزملاء لاحظوا أن المشهد نفسه تناولته ليلى طوبال في مسرحية “آخر ساعة”.
شمس، ذاك اليوم، كانت بطلة وعوضت الإضاءة التي استغنى عنها الفاضل الجعايبي بإصراره على عرض مسرحيته في فضاء مفتوح وعلى الساعة السادسة مساء، عوضاً عن الثامنة ليلاً، وقد استغلها لتوجيه البعض من رسائله إلى الشعب التونسي وهي صمود المسرح (الفن) وبقاؤه كوسيلة نضال رغم غياب الضوء عنه ورغم تسونامي أو الموجة السوداء التي غمرت تونس بعد الثورة وأغرقتها في جحيم سوء استغلال السلطة والتطرف والإرهاب والقمع والافتراء على الواقع اليومي وألهتها عن البحث عن مخرج لأزمات ما بعد الثورة.
من هذا المسرح الذي يبقى منبراً تمرّر منه الرسائل والمواقف ولا يمكن أن يكون مستنقعاً للفساد والوضاعة خاطب الجعايبي شباب الثورة وصناعها ومرّر لهم خوفه وتشاؤمه وفزعه من راهن ومستقبل سيكون أكثر قتامة إذا تخاذل هذا الشباب ولمْ يحمِ ثورته.

 

http://www.almustaqbal.com/


 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *