الموسم المسرحي الجديد بالرباط يحتضن ولاد البلاد ووليدات فيسبوك وانقب واهرب

لم يعد الحكام يأبهون بمراقبة أولئك الذين يعبرون عن أوضاع البلاد بتهكم وسخرية على خشبة المسرح، طالما أن الممثلين لا يجدون فضاء مسرحياً ولا أرضية صالحة يتوجهون إليها في عملهم

هذا الموضوع المأساوي في تأريخ المسرح، كان محور كلمة داريو فو الكاتب والممثل المسرحي الإيطالي، الحائز على جائزة نوبل للآداب قبل سنوات قليلة، والتي ذكر فيها بفترة نهضة إيطاليا حين كان الحكام يجدون عناء كبيراً في لجم الممثلين، الذين كان يؤازرهم جمهور عريض جداً يمنع الحاكم من أفتراسهم.
ولكن لم يكن الوضع وردياً للممثلين دائما، فثمة الهجرة الكبرى للممثلين، التي حدثت خلال الفترة الظلامية التي سميت بفترة الاصلاح المعاكس عام1697 م إذ أمر البابا إينوصان الثاني عشر بإغلاق مسرح توردينونا، الذي شهدت خشبته حسب الأخلاقيين العدد الأوفر من العروض الفاحشة.
وقد عبر صاحب نوبل عن الأزمة التي تعرض لها العاملون في المسرح في دول كثيرة، وما تمخض عنها من طرد ذاتي للممثلين والفنانين لأنفسهم إلى خارج بلادهم، للبحث عن مسارح وفرص لعروضهم في دول أخرى، وهي أيضا الكلمة التي بدأ بها مسرح محمد الخامس في الرباط موسمه المسرحي الجديد.
ولاد البلاد
لقد تميزت عروض الموسم الجديد بإنها كانت عروضاً تتبنى الواقع المغربي والعربي، وحاولت أن تقول شيئاً عن التغيرات الأجتماعية الكبرى في الوطن العربي بعد الحراك الجماهيري، الذي سمي بثورات الربيع العربي في أقطار عربية كثيرة.
وقد قدمت فرقة محترف المسرح الحر مسرحية ولاد البلاد وهي من تأليف سلافومير مروجيك، وتعريب وإخراج عبد الحق بلمجاهد، وتمثيل عادل لوشكي، وإدريس بنعويس، وموسيقى رشيد برومي، وسينوغرافيا عبد الصمد الكوكبي وساعد في الإخراج أحمد الحبابي.
وتحكي المسرحية قصة شخصيتين لا أسماء لهما، الأول مثقف هارب من نظام بلده، ويبحث عن بلد آخر ليمارس فيه حياته وحريته، ويصاحبه في رحلة البحث شخصية ثانية، تركت بلادها من أجل جمع المال، لأستثماره في بيت سعيد وأعمال تجارية مربحة.
وفي بلد اللجوء يجمعهما مكان العيش ذاته، فيجمع محب الأموال أمواله، بينما يستثمر المثقف وجوده مع هذه الشخصية البرجماتية ليكتب عنها كتاباً، ويضع فيه كل أفكاره عن الحرية وحبها والنضال في سبيلها، من خلال نظرة عكسية لشخصية زميله في الهجرة.
ولكن الإنسان الذي خلقه الله تعالى وأعطاه الخيار في اختيار مصيره، يتمرد على ما رسمه لحياته، فتتغير مواقفه من الحياة، ويمزق الأموال التي جمعها في لحظة تجل ليتخلص من أفكاره البرجماتية، ونظرته للحياة على أنها مجرد أكل وشرب ونساء، وتحقيق أهداف بسيطة كالتي كان يهدف إليها.
وفي موازاة ذلك تتغير مواقف المثقف المثالي ويرى في تغير زميله، ما يجعله يفكر في نفسه وأفكاره، خصوصاً في مسألة أمكانية وجود بلد مثالي، كالذي يبحث عنه، وأن البلد الذي اختاره، كان مملوءاً أيضاً بنماذج كثيرة للظلم، والتفاوت الطبقي البغيض.
أن التصادم بين الشخصيتين يخلق حالة كاريكتيرية بين ردود فعل المثقف حين يواجه شخصية لا تملك الثقافة وتعيش بأخلاق أهل السوق من مفاهيم حول الحياة.
ويضع مؤلف المسرحية ومخرجها يده على مكامن الخلل في المجتمع من خلال عدم توحد الرؤية بين المثقف، والشريحة العريضة من ابناء الشعب حول قضايا الحياة، وكلما أنعزل المثقف عن مجتمعه كلما أزدادت الهوة بينه وبين فهم أبناء مجتمعه.
مسرحية الأرض
وفي مسرحية الأرض وهي من تقديم فرقة البدوي للثقافة والمسرح، ومن أقتباس عبد القادر البدوي وإخراج كريمة البدوي، وتمثيل حسناء البدوي، كريمة البدوي، عبد القادر عيزون، مصطفى حقيق،مولاي أحمد العود، وإبراهيم العماري.
والمسرحية مقتبسة عن مسرحية الرجل الذي ضحك على الأبالسة من تأليف الكاتب المصري الساخر علي سالم، وتنتمي المسرحية إلى مسرح الميلودراما.
وقد قدمت المسرحية لأول مرة في القاهرة في مسرح الحكيم عام 1966 وأعاد كتابتها الكاتب المغربي عبد القادر البدوي، وأطلق عليها أسم شجرة العائلة وقدمها على المسرح البلدي بالدار البيضاء عام 1979.
وقد غير في المسرحية الأصلية الكثير من المواقفن وأبقى الهيكل العام للمسرحية، لكي تتلاءم مع الواقع المغربي.
وفي كثير من مواقف المسرحية لم يكتف المقتبس بميلودرامية المسرحية، بل مزج بين الكوميدي والتراجيدي، من خلال التضخيم للمواقف، والتعبير بأحتفالية عن الكثير من المواقف السياسية.
وقد سلطت أحداث المسرحية الضوء على مدير إحدى المؤسسات الحكومية، الذي يقوم بنهب أموال مؤسسته، المخصصة لخدمات الناس، والمجرم في العادة لا يتوقف عن إجرامه بل يتوغل في هذا العالم خطوة بعد أخرى بأتجاه المزيد من الأجرام.
لذلك فهو يعمد للتأمر على الشرفاء من العاملين في مؤسسته، بمختلف الحيل الشيطانية، ولكن حبل الإجرام القصير سينتهي به إلى أن يبيع روحه للشيطان، وحينها يتركه الشيطان لمصيره، بعد أن بلغ غايته من هذا العبد الآبق، ونال ما يريده منه، وجعله طعماً لجحيم أبدي.
ويرتد قوس الإجرام في حركة أخيرة نحوه وعائلته، فيتسبب في مقتل أحد أفراد عائلته بدم بارد بسبب مطامعه التي لا تقف عند حد معين، من أجل الحصول على الأرث.
الرجل الذي
وفي مسرحية الرجل الذي… وهي من تقديم فرقة المسرح الوطني، والمسرحية تقدم المشاكل الأجتماعية بقالب كوميدي، وبنت أحداثها على خمس نساء وأربعة رجال، يعيشون قصة مشوقة وتتخللها العديد من المفارقات الكوميدية.
مسرحية الرجل الذي… من تأليف محمد الجم، وإخراج عبد اللطيف الدشراوي، وتمثيل، مليكة العماري، عزيز موهوب، نزهة الكراكي، الهاشمي بنعمر، سعاد خيي، محمد بن بار، وسيلة صابحي، ومحمد الجم.
وتضعنا مسرحية أنقب وأهرب قريباً من معاناة الفنان، وكوابيسه في البلدان العربية، ومعاناته النابعة من حلمه بأشياء كثيرة لا يمكن تحقيقها في واقعه منها الحياة الكريمة، وأنتفاء الحاجة، التي يشعرها دوما مرزوق، بطل المسرحية، والحرية التي يبحث عنها المؤلف كفنان، فيتداخل صوت المؤلف مع صوت الممثل.
ومسرحية أنقب وأهرب عمل مشترك مغربي تونسي، لشركة سيتي للمسرح تلفزيون سينما، وهي من تأليف عبد الحق الزروالي، وسينوغرافيا وإخراج منصف السويسي، وتمثيل عبد الحق الزروالي.
وليدات الفايسبوك 
ولجمعية خريجي المعاهد الفنية الورشة المسرحية مسرحية وليدات الفايسبوك من تاليف وإخراج سعيد الوردي، وتمثيل، عزيزة السالمي، إدريس الناصري، عبد الرحيم قربال، محمد بوري، وبمشاركة من طلبة المحترف المسرحي بكلية حقوق سلا.
والمسرحية تتحدث في حبكتها الدرامية عن حركة الأحتجاجات في الشارع المغربي أو ما سمي بالحركة الفبرارية والمعطلين، وذلك من خلال أظهار ساحتين متناقضتين للأحتجاج.
واحدة ضد الأخرى الأولى اجتمع فيها المعطلون والساحة الأخرى تجمع فيها التجار الذين تظاهروا ضد المعطلين لأنهم يربكون أعمالهم بمظاهراتهم.
حيث يكون الفضاء الأفتراضي للفيسبوك مكاناً لتبادل الأراء، والأتفاق على خطوات التظاهر ومواقيت الأنطلاق.
وقدم مسرح الكاف مسرحية صرخة شامة وهي من تأليف حسن نرايس وإخراج عبد الاله عاجل وتمثيل، عبد الخالق فهيد، نجوم الزهرة، ربيعة رفيع، مجيد لكروم، عبد الله شيشا، وعبد الاله عاجل.
ومن الملاحظات السلبية على مسرحيات موسم الربيع، أنها وقعت تحت ذات الأخطاء التي وقع فيها المهتمون في المسرح المغربي منذ بداياته.
ومن هذه السلبيات عدم الأختصاص، فالمؤلف هو المخرج والممثل أيضاً، وربما في بعض المسرحيات المقدمة يأخذ دور المسؤول عن السينوغرافيا، والموسيقى والأضاءة، إضافة إلى ذلك أشتراك عائلة كاملة لتكوين فرقة مسرحية تضم المخرج والمؤلف و الممثلين. 
فيجد الجمهور نفسه أمام عائلة يتشابه فيها الأبطال بفعل قرابة الدم، إلى درجة عدم التمييز بين الصالح والطالح في أدوار الممثلين لتشابه الوجوه، والهيئات، وهي معضلة المسرح المغربي منذ بداياته في القرن الماضي.

 

فيصل عبد الحسنhttp://www.azzaman.com/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *