المسرح اليمني والرؤية المستقبلية

من بديهيات القول إن الثقافة تتولد من الشعب وتلد الشعب وهي مادامت كذلك فلا بد لها أن تخدم الشعب بدون استثناء وتضم في ساحاتها نشاطات الشعب كافة وبالتالي الثقافة كفاح وأسلحتها لا تختلف عن ما هو معروف من أسلحة

 

فالثقافة هي المميز الأساسي لكل مجتمع إنساني والمجتمع بدوره يتميز بها فالثقافة ينبغي لها أن تساير التجديد وأن تتمازج فالتمازج أصل الحضارة الإنسانية إلا أنه لا يجوز التساهل بمحاولات مزج الثقافات المتعادية والمتضادة فهي بطبيعتها لا تقبل المزج لأنها من روح الشعب والشعب هو من يلفظ الثقافات التي لا تعبر عن روحه وستظل كلمات حكيم الهند خالدة عندما قال (( لُتفتح نوافذ بيتي للهواء والشمس، ولتهب علي ثقافات الأرض جميعاً ولكنني أرفض أن تقتلعني أي منها من جذوري)) .
إن الثقافة تقيس درجة وجودنا وقدرتنا على الحياة فإذا كانت بدون هدف أصبح المواطن بدون هدف وبدون هوية .
فأي مجتمع من أهدافه الوحدة والقضاء على الاستغلال والتخلف بمعنى أن أي مجتمع يتبنى الثورة بكل ما للكلمة من معنى فلا يجوز أن تكون له ثقافة بما تسمى ثقافة النخبة لأنها ثقافة طبقات معينة كرسوا جُل ثقافتهم لخدمة فضائل الحكام أكثر مما تخدم القيم الإنسانية المشتركة ودهسهم لتلك القيم وكذا ثقافة استغلال الإنسان للإنسان بطريقة أشد بشاعة وظلما.


إن الثقافة التي تبحث عنها مجتمعاتنا هي الثقافة للشعب…من الشعب…ولكل الشعب…ومن هذا المنطلق يجب أن نعيد النظر بواقعنا في المسرح كأداة من أدوات الثقافة التي نريدها ونطلبها بقوة وكما قال سعد الله ونوس في إحدى مقالاته عن المسرح: إن المسرح في الواقع هو أكثر من فن أنه ظاهرة حضارية مركبة سيزداد العالم وحشة وقبحا وفقرا لو أضاعها وافتقر إليها..إن المسرح الذي نريده لمجتمعنا هو المسرح المناضل والملتزم لأهداف الشعب مسرحا يضطلع بالمهمة الثقافية التربوية الكبرى الملقاة على عاتقه، مسرحا يترجم مشاغل الشعب الحقيقية وطموحاته العميقة فيعرض تناقضات المجتمع لأن التناقضات هي من صميم الحياة.
لذا يجب أن ندرس أحسن الوسائل لتعميم المسرح على الشعب وعن أنجع السبل لخلق وعي مسرحي حقيقي بين جمهورنا ابتداء من تلميذ المدرسة الابتدائية وانتهاء بالشيخ الطاعن بالسن يجب أن نحدد بصدق وبمسؤولية أسباب أزمة المسرح وأن نجد الحلول الجذرية الملائمة له.
المشكـــلة
إن مشكلة استمرار غياب المسرح بصورة قد تكون شبه كاملة في بلادنا وعدم اعتباره جزءاً من حياتنا اليومية الثقافية لمؤشر خطير جدا قد ينتج عن التخلي شيئا فشيئا عن إحياء التراث وتمزيق الهوية الوطنية وكذا الاستمرار في تجهيل الشعب.
فالإشكالية تكمن في الآتي:ـ
أين البنية التحتية للمسارح ؟
أين دور المؤسسة العامة للمسرح والسينما كجهة مباشرة ومسؤولة عن النشاط الثقافي؟
ما مدى فعاليات المسرح اليمني وخدمته لقضايا المجتمع؟
ما مدى تفاعل الأنظمة المالية مع النشاط الثقافي عامة والمسرحي خاصة؟.
أهمية الموضوع
تكمن أهمية الرؤية كون المسرح والثقافة بشكل عام تعتبران ركيزة أساسية ومهمة في بناء المجتمع وتطويره ولا يتم نجاح أي فكرة أو مشروع إلا بدراسة وتخطيط مسبق فانعقاد مثل هذه المؤتمرات الثقافية وإبداء البحوث والآراء شيء مهم للخروج برؤية واضحة تساعد صناع القرار في اتخاذ القرارات المناسبة لمستقبل راقٍ لمسرح يمني يواكب كل متغيرات العصر.
تقسيم الموضوع:ـ
> المنشآت المسرحية
إن مما يزيد من انعدام الرؤية المستقبلية للمسرح في بلادنا هو عدم وجود بنية تحتية متخصصة ومصممة خصيصا لهذا الفن الراقي بنفسه فنحن نحتاج إلى مسارح كتلك المسارح المعروفة عالمياً في تصميمها الداخلي والخارجي بحيث نضفي عليها الطابع اليمني الخاص لنميزها وتكون موزعة كخطوة أولى على المدن الرئيسية الكبرى كلبنة أساسية نحو تطوير المسرح اليمني بالإضافة إلى إيجاد المسرح الجوال أو المتنقل لكي يغطي الأرياف المحرومة من المسرح وهذا لن يتم إلا بتضافر الجهود كلها وبتوجه حقيقي من السياسة العامة للدولة، فبالمسرح نحيي أصالتنا لنعيد قوتنا مع قوتنا.
> المسرح كمادة تدرس في المدارس
لتدارك الأخطاء وتصحيحها وإعادة بناء الأجيال وتنشئتها التنشئة الحقيقية والمحافظة عليها من الانجرار نحو اللاثقافة يتطلب من الدولة إدراج المسرح واعتماده كمادة أساسية تدرس كغيرها من المواد وتسخير كل الإمكانيات في كل المدارس وتزويدها بقاعات مسرحية صغيرة لتصبح في مهمتها كمعمل ثقافي يصنع الإبداع وينتجه ويرعاه بين صفوف أجيالنا منذ الصغر ومن هنا ينشأ الفرد تنشئة ثقافية يكون ملما بكل جوانب الحياة بعدها ينتقل المسرح كمادة من مرحلة التعليم العام إلى اختصاص قائم بكل مفرداته في الجامعات أو في معاهد أو أكاديميات للفنون…. وبهذا التسلسل الممنهج نكون قد أظهرنا إبداع ومواهب الفرد ورعيناها وحافظنا على الفرد كما أسلفنا من الانجرار نحو ثقافة لا يحمد عقباها.
> المؤسسة العامة للمسرح والسينما
اعتقد أن مستقبل المسرح اليمني قد بدأ يلوح في الأفق وبداية الأمل المفقود وذلك عند صدور القرار الجمهوري رقم53 لسنة 2008م لإنشاء المؤسسة العامة للمسرح والسينما كجهة رسمية من مهامها إحياء التراث وإيجاد حركة مسرحية وسينمائية ودرامية فهي تعتبر الجهة التنفيذية الوحيدة لوزارة الثقافة في هذا الاختصاص مثلها مثل أي المؤسسات التنفيذية لباقي الوزارات فدور المؤسسة في الماضي كان ومازال شاهداً على حيويتها ونشاطها الفعَّال إلا أن الجمود قد طالها شيئاً فشيئاً من كل الجوانب المادية والخدماتية والوظيفية حتى دخلت في دائرة السكون التام بعد 1994م وغياب دورها تماما عن الساحة الثقافية اليمنية ولكن كما أسلفنا ما بدأ يحرك الجمود كأول خطوة في إيجاد مسرح يمني مسئول هو صدور قرار الإنشاء الذي منحها الاستقلالية المالية والإدارية وكذا الذي فُصل فيه ما يجب أن تقوم به المؤسسة وتتابعا للخطوات الإيجابية للنهوض بالمؤسسة أي النهوض بالمسرح اليمني هو العمل على إصدار لائحتها التنظيمية واعتمادها وكذا تجميع التشتيت الموجود للمسرح والمسرحيين تحت راية المؤسسة كمعنية مباشرة بالمسرح والمسرحيين وتوفير واعتماد موازنات محترمة تنهض بالمؤسسة وتحقق الأهداف والأدوار الفعَّالة التي أنشأت من أجلها وفي مقدمتها الحركة المسرحية.
> المسرح والعقل المالي السائد في أجهزة الدولة
إن شعار(( الثقافة للشعب)) هو أحد الأهداف التي ينشدها المجتمع وعلينا إذا كنا مؤمنين حقا بهذا الشعار أن ننأى به عن جميع هذه المتاهات التقليدية متاهات الروتين التي تعمل على إبادته بدلاً من إنعاشه علينا أن نكتشف له وسائل جديدة تتفق والاندفاع العفوي الذي يحفز الأجيال الناشئة إلى الثقافة المسرحية، فباستمرار تلك الطرق الضيقة الخانقة من التثقيف لا يمكن أن نبلغ الغاية التي ننشدها من الثقافة عامة والثقافة المسرحية بشكل خاص.. إن التحرر الاجتماعي يبدأ بتحرر الفكر وإشاعة الثقافة والثقافة المسرحية بين الناس وهذه تشترط محو أمية الأميين منهم ولا يجوز أن يظل أكثر من نصف أبناء المجتمع أُميين لا بد من تحرير هذه الملايين من أُميتها وفي اعتقادنا حان الآن للكوادر المثقفة والمتخصصة لأنها أقدر على النهوض بهذه المهمة لأنها لا تلتزم الروتين سبيلاً إلى الإنجاز.
إذاً فالعقل المالي السائد في أجهزة الدولة واقصد بالعقل المالي هنا هي مجموعة الأنظمة والتشريعات والأساليب والطرق التي تستعملها الأجهزة المالية في ميدان الإنفاق على الثقافة والثقافة المسرحية وممالا شك فيه أبدا أن بين هذا العقل المالي وبين الأهداف المراد تحقيقها من أجل النهوض بالحركة المسرحية فصاماً لا سبيل إلى رابه بل إن من المستحيل إيجاد صيغة وفاق بين هذا العقل السائد وما نتطلع إليه من حركة مسرحية.
إن العقل المالي السائد في بلادنا خاصة والبلاد العربية الأخرى عقل عثماني بكامل معاني الكلمة إنه عقل ينطلق من جملة من مبادئ ضمنية مبدأ الحذر من كل طلب من طلبات الإنفاق على أمور الثقافة والمسرح مبدأ تثبيط عزيمة أكثر المتحمسين للعمل المسرحي وذلك بوضع مئات العقبات في وجهه حين يفكر بتكسير هذه الحاجيات المالية الرهيبة الموضوعة في دروب تثقيف المجتمع والتي لا هدف لها بالنتيجة إلا إعاقة مهمة التثقيف المنشود تحقيقها.
إن العلاقة بين العقل المالي ما تزال كالعلاقة بين الزيت والماء فالعقل المالي المتحكم في إدارات الدولة صورة مكبرة لبخيل موليير، إنه يزيد من استمرار تعقيد الأمور تجنباً على حد زعمه للتبذير وإساءة الاستعمال فالتعقيد لا يحل الإشكالات طبعاً بل يزيد في الإطالة والبطء في الإنجاز ويؤدي إلى يأس المثقفين والمسرحيين من أجل تطوير الثقافة والمسرح في مجتمعنا، فالخلاصة إن العقل المالي السائد في الإدارات وأجهزة الدولة مازال بعيداً كل البعد عن التكيف مع مفاهيم الثقافة ونشرها وإقامة الفنون وتشجيعها وإتاحة الفرص للمواطنين كي يتثقفوا ويتذوقوا هذا الفن الراقي…ويكفي هنا أن تكون المؤسسة العامة للمسرح والسينما نموذجا واقعيا وضحية من ضحايا هذا العقل المالي السائد وأشكاله في هذا البلاد.
إذاً فيجب إعادة النظر في هذه العقلية المالية وتطويرها وتثقيفها بحيث تلبي الأهداف التي أنشئت من أجلها من ثقافة ومسرح وسينما.

 

منصور مطير

http://www.althawranews.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *