معتقدات تزاوج بين السحر والخرافة في عرض مغربي

مسرحية الجدبة التي عرضت مؤخراً على مسرح محمد الخامس بالرباط، وبعد ذلك في الدر البيضاء ومدن مغربية أخرى، أظهرت ما يحبه الجمهور الواسع من المغاربة في المسرح.ويبدو أن التغيير الكبير الذي حصل في أمزجة الناس وطريقتهم في النظر للحياة ومشاكلهم الاجتماعية والأقتصادية، غالباً ما يوجد في نوع المسرح، الذي تفضله الأغلبية في هذا المجتمع.

مسرحية الجدبة من إخراج عبد الكبيرالركاكنة وتأليف الكاتب المغربي عبد الإله بنهدار بناء على فكرة للمخرج نفسه، وسينوغرافيا محمد شريفي، وتمثيل كل من أحمد بورقاب، كنزة فريدو، عزيز الخلوفي، هند ضافر، وعبد الكبير الركاكنة.
وكانت إدارة الإنتاج لعزيزة الركاكنة، الإدارة التقنية لحسن المختاري، إدارة الخشبة لخالد الركاكنة، المحافظة العامة لخالد المغاري، والملابس لمريم الزايدي.
محاولة تصالح
لقد أستطاعت المسرحية أن تحسم صراعاً طويلاً بين المسرح التجريبي، ومسرح الفودفيل وهو مسرح فكاهي أجتماعي في المسرح المغربي، لا مجال فيه للترميز والإشارة، فهو يقول كل شيء بقالب كوميدي.
والمسرحية التي صفق لها الجمهور كثيراً، وضحك كثيراً لمشاهدها ومفارقاتها، وقفشات ممثليها، وحركاتهم الهزلية، لم تكن ناجحة وفق معايير المسرح الأجتماعي الجاد بالرغم من كل ضحك الجمهور وتصفيقه، وترحيبه بهذا النوع من المسرح.
فالجمهور ليس على حق دائماً في تقييمه للعمل المسرحي، ولا يمكن أن يعطي ضحك الجمهور، وتصفيقه أية قيمة حقيقية لتقييم العمل المسرحي.
فالجمهور عادة هو خليط غير متجانس من المجتمع يبحث في أغلبه عن قضاء وقت سعيد ينفس فيه عن أحزانه وخيباته وإحباطاته اليومية.
ويهمه أن يجد فرصة ما تنسيه هموم يومه بمشاهدة عرض مسرحي ينتهي بالنسبة إليه عند أنتهاء العرض وتصفيقه للممثلين، ومخرجهم عندما ترفع الستارة لآخر مرة، وهو يغادر قاعة المسرح. ومسرحية الجدبة حققت هذا الهدف بجدارة ولكنها في آطار التأريخ المسرحي، لهذا البلد ليست إلا محاولة تصالح مع الجمهور، للحصول على أكبر قدر ممكن من المشاهدين.
أو بمعنى آخر أن الركاكنة والكادر الذي معه حاولوا خلق فرصة للتصالح بين الجمهور وخشبة المسرح ولكن على حساب النوع المقدم للجمهور، وإنهم حققوا رغبات الجمهور، أو ما يسمى في مصر بالجمهور عايز كده .
طوطمية بدائية
المسرحية التي يوحي أسمها الجدبة بطقس سحري يمارسه بعض المغاربة، ممن يظنون أن لديهم قوى سحرية تمنع عنهم الأذى حتى لو أدخلوا السيوف في بطونهم أو أفواههم، أو جرحوا أيديهم وأقدامهم من خلال رقص هستيري لنساء ورجال وهو رقص لا بالصوفي ولا التنغيمي.
وهو بالطبع يحمل حمولات طقسية وثنية تعود للإرث الأفريقي، والطوطمية البدائية، وليس هناك مقارنة بين تسمية المسرحية وموضوع المسرحية القائم على نقد التجربة البرلمانية، والتعليم، ومهنة التدريس وما شابها من شوائب بالمغرب في وقتنا الحاضر.
ويؤشرعلاقة المرأة بالرجل المغربي، وإستلاب هوية المهاجر المغربي، وضياع إنسانيته في دول المهجر وتحوله إلى مخلوق هزيل لا شخصية له عند عودته إلى وطنه، مع مشاعر عميقة بالتهميش والدونية، ونظر الآخر إليه كحصالة لجمع المال لا أكثر.
وربما العلاقة الوحيدة بالأسم الجدبة هو الرقص الردىء على خشبة المسرح لإضحاك الجمهور بأي ثمن بأستخدام ألوان ملابس فاقعة، وأزياء غريبة أرتداها بعض الممثلين، تذكر المشاهد بملابس المهرجين في السيرك.
وتثير في المتفرج الذي يهمه أمر المسرح المغربي، وشؤونه وشجونه الرثاء، والشعور بالشفقة على الممثلين، والجهود الضائعة في هذا اللون المسرحي.
اللون المسرحي الذي قدمته الجدبة ينتمي في العادة للعروض الترفيهية، التي كانت تقدمها الفرق المسرحية الجوالة التي أغلب أفرادها من الغجر في بدايات القرن الماضي.
وتضم في فرقها مهرجين ومربي أفاعي، ونافخي نار، ومدربي قردة، وسحرة و تدور على القرى والأرياف وتقدم هناك عروضها لناس لم يروا في حياتهم عرضا مسرحياً حياً واحداً، لقاء ما يعطيه أهل تلك القرى من عطايا عينية ضئيلة بحكم فقرهم، وأنعزالهم الجغرافي عن عالم المدينة، وما يدور فيها من تطورات.
أعشاب مُخدرة
ويتناول نص الجدبة ظاهرة سيطرة الزوجة على الرجل في المجتمع المغربي، وهي مسألة لها أسبابها التأريخية والإجتماعية، ولها مسبباتها في طرائق التربية الصحية والنفسية للفرد منذ الطفولة.
فهناك أعشاب غريبة مخدرة تسقى للطفل الذكر، ولا تعطى للأنثى خصوصاً في البوادي، والقرى الزراعية في المغرب وشمال أفريقيا عموماً.
ومن طبيعة هذه الأعشاب التأثير على الكثير من قدرات الطفل الذكر، فتحد من نشاطه ودينميته أثناء طفولته، ولها تأثيرات مستقبلية قوية على تكوين شخصيته في مستقبل شبابه.
وفي أكثر الأحيان تؤدي إلى شخصية نكوصية، وغير قادرة على تحمل المسؤولية، ولا تملك الجرأة على المواجهة، مما يجعل المرأة مهما كانت أمكانياتها الفكرية، والبدنية متواضعة، قادرة على أن تبسط سيطرتها على ذلك الزوج منذ اليوم الأول لزواجهما.
وهو ما تفعله زهيرو بعبوله والتي تلقب أيضاً بزوزو الفخراني كنزة فريدو بزوجها الطاهر أحمد بورقاب ، إذ تلغي شخصيته وتوظفه بالرغم من محدودية تعليمه، ومعارفه وأفكاره، وثقافته في العمل السياسي، فيحصل على منصبه البرلماني.
ولكي تحقق أهدافها الواسعة، وتلمع أسمها، وأسم زوجها في عالم السياسيين تؤسس جمعية، ولا تتورع أخيراً عن توظيف شباب أبنتها الوحيدة، وجمالها هند ظافر في مطامعها.
ولكن محدودية معارف الفتاة وقلة نباهتها في المدارس، وتساهم في ذلك طرق التدريس التلقينية البالية، التي تستخدم في التعليم المغربي تضطر الآسرة للأستعانة بمدرس هو الأستاذ ميمون عبد الكبير الركاكنة لأعطاء دروس التقوية لأبنتهم.
وهذا المدرس صار كارثة حقيقية نزلت على عالم النفاق والكذب في الآسرة البرلمانية، فهو لا يترك فرصة من دون أن يعري الواقع الخادع، الذي يقام حول الفتاة، وآسرة البرلماني على الكذب والتحايل على المجتمع.
والتذكير بالجمل المنافقة، التي تذكر عادة في محيط آسرة زهيرو بعبوله للحفاظ على ديكور الآسرة، وأبقاء الحال على ما هو عليه في المجتمع من دون أي تغيير حقيقي نحو الأفضل.
مسرحية الجدبة بالرغم من نجاحها التجاري إلا أنها فشلت في المحصلة من أن تصير عملاً كوميدياً هادفاً وكان بالأمكان ذلك ببذل القليل من الجهد في توقير العمل المسرحي من خلال رصانة الإخراج، والتمثيل، وتقليل الرقص غير المبرر فنياً.
وتقليل أستخدام الأزياء الغريبة، ومنع أزدحام خشبة المسرح بسينوغرافيا غير مؤدية، ومن دون أسفاف في أستخدام حركات وتهويمات الممثلين بمناسبة ودون مناسبة لأضحاك الجمهور وبأي ثمن ممكن.

AZP09

 

فيصل عبد الحسنhttp://www.azzaman.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *