عبيدو باشا : الحرب أعطتنا ساحة مفتوحة في المسرح

عبيدو باشا أسم يحمل على كتفيه وفي جعبته. ومن تراكم تجربته الكثير الكثير من مرحلة قد تكون هي المرحلة التأسيسية الفعلية للمسرح اللبناني.ويكفي ذكر مسرح «الحكواتي» الذي خرج منه بتجربة غنية للدلالة على ذلك.

 

مسرحّ نقل الخشبة، وما يعني هذا النقل، من اجواء الاكاديميا وجمودها إلى العلاقة الحياتية المباشرة مع المتلقي، لتلعب الخشبة دورها المطلوب منها، ذلك الدور الأساسي الفاعل.
أرخ للمسرح اللبناني، واغنت مؤلفاته المكتبة العربية من خلال الاضاءة على ما هو معتم من مسرح النقاش حتى اليوم.
مثّل، وأخرج، وكتب الاغنية لأصوات ملتزمة، وبصمته ما زالت واضحة في الاعلام  الثقافي. وهو الآن يحاول اعادة «تلفزيون لبنان» تلك المؤسسة العريقة إلى مكانها الذي يجب ان تكون فيه.
حول تجربته الغنية. كان هذا الحوار الاقرب إلى البوح.

{ من أنت؟
– كل ما نفعله في الحياة هو طريقة إكتشاف أنفسنا، ومن جملة الأشياء التي نكتشفها هي تكوين شخصيتنا، فأنا عبيدو باشا ممثل مسرحي عملت في مجموعة من المسرحيات، ومثلت عدة شخصيات لها موقعها على الصعيد التاريخي والفني والثقافي في تاريخ لبنان، فأنا بدأت مع مجموعة كبيرة من الناس في المسرح في بداية الحرب الأهلية ويمكن أن نقول أن الحرب أعطتنا الفرصة لانه في تلك الفترة لم يكن للسلطة وجود، فالسلطة تحد من الحرية فنضطر للعمل في مساحة محدودة، الحرب أعطتنا مساحة مفتوحة وألغيت كل هذه الهوامش، والحرب تجعلنا نواجه قضايا بغاية الصعوبة، قضايا مصيرية، وتجعلك تتحول إلى شخص مرهف طبعاً إذا كنت تملك في الأساس الأدوات.
فأنا خضت تجربة المسرح من خلال مسرح الحكواتي وهذه التجربة لم تكن محلية فقط. فقد طرحت عدة أسئلة على كل تجارب المسرح العربي في العالم، وكانت متقدمة بشكل رهيب لدرجة إنها أخافت المسرح العربي من تقدمها والعالم. كما عملت في إخراج المسرحيات وأيضاً في كتابة مسرحيات للأطفال ومنها مسرحية (السنبلة) التي كانت تطرح أسئلة مختلفة على الصعيد المسرحي للأطفال الذي هو مختلف تماماً عن مسرح الأطفال التقليدي وغيرها من المسرحيات منها (السمكة الفضية والسمكة الذهبية…). وقمت بإخراج مسرحية للفتيان بالأشتراك مع الحركة الإجتماعية في لبنان وقام ببطولتها أولاد ليس لديهم أي خبرة في المسرح أولاد معوزون أعطينا هؤلاء الأطفال أدوات لتحسين مستقبلهم من خلال هذه الأدوات.
{ ما رأيك بالمسرح اليوم؟
– المسرح اليوم يختلف كثيراً عما قبل بسبب الظروف الراهنة الآن منها السياسية والإجتماعية والإقتصادية، ففي عصرنا كان هناك معسكران يتقاتلان مع بعضهما العالم الإشتراكي والعالم الرأسمالي وبسبب هذا الصراع القائم بين هذين المعسكرين كانت تنتج أفكار كبرى وكنا نعمل تحت هذه الأفكار، وطبعاً بلا أفكار لا تستطيع العمل، وهذا التصادم يؤدي إلى خلق أفكار على الصعيد السياسي والأدبي والإجتماعي والفكري، وكان هناك أيضاً مفكرون كبار. أما اليوم هناك معسكر واحد هو الأحادي ويمارس الديكتاتورية العسكرية ويمارس العنف على الشعوب ويسيطر على الأقتصاد والمعلومات وهمه أن يكتسح الشعوب، وكل واحد يحاول أن يمارس حريته يقضى عليه بحجة أنهم يريدون القضاء على مجموعة عناصر متطرفة أو أصولية.
فالأميركان هم من خلق هذه المجموعات الأصولية. فمن حق أي فرد أن يمارس حريته في بلده، على سبيل المثال أنا لا أستطيع أن أقمع حرية «طالبان» في أفغانستان هؤلاء مجموعة في أفغانستان يمارسون حريتهم وقناعتهم فليس من حقي أو حق أحد أن يقمع حريتهم. فالأميركان داخل بلدهم عندهم حركات متطرفة لها حراك عسكري وهم يشكلون خطراً عليهم. لذلك عليهم أولاً حل مشكلة الحركات المتطرفة داخل بلدهم قبل حلها في أي بلاد أخرى.
{ أمضيت في السفير حوالي العقدين من الزمن، ماذا تركت فيك هذه الفترة؟
– حاولت من خلالها كتابة مقالات نقدية للمسرح اللبناني، فاللبنانيون لا يحبون النقد أو التحدث بطريقة علمية، على سبيل المثال: الممثل يحب أن تقول عنه أنه ملك التمثيل أو إمبراطور وليس في لبنان فقط  بل في كل المجتمعات الشرقية بشكل عام، هي غير مؤهلة لتقبل النقد أو إنتاج النقد.
{ هل أنت راضٍ عن عملك الآن؟
– لا! فأنا لم أكن راضياً أو مقتنعاً بالعمل الذي عملته، حتى الآن لست راضياً عن عملي، فالمرء عندما يقتنع بعمله يتوقف ويقف معه طموحه، ولا يعود عنده أي حافز للتجديد، فعندما يعمل المرء على شيء وينجح به ويتوقف عنده يبدأ بتكرار ذاته، فيبقى كما هو ويقضي حياته كلها في التكرار.
{ إلى أين تعتبر إنك وصلت الآن؟
– أعمل على كتابة تاريخ المسرح اللبناني، وليس فقط من وجهة نظر مؤرخ، بل من وجهة نظر مؤرخ وناقد وممثل ومخرج.
{ ما هي غلطة عمرك؟
–  لم أكن جدياً كثيراً في بعض الحالات التي كان يجب أن أكون فيها جدياً أكثر، أقصد أن هناك حالات أو يمكن أن نقول محطات في حياتي قد تكبرت عليها، فأنا تكبرت على جامعتي، كنت أعتبر نفسي أنا أكبر من أن أعمل في الجامعة، وتهيأ لي أن العمل الذي أعمله في الجامعة يمكن أن أمارسه خارج حرم الجامعة ويراه كل الناس فأنا خريج الجامعة اللبنانية مسرح، وتكبرت على جامعتي.
{ قمت في الماضي بكتابة شعر لعدة اغنيات لمارسيل خليفة وغيره لماذا توقفت عن ذلك؟
–  لم أتوقف ومؤخراً كتبت أغنية لأميمة الخليل في (سي دي الزمن)، وإذا ما طلب مني أي من هؤلاء المطربين الصاعدين كلمات أغنية ليس عندي مانع، ولكني لست أبن سوق غنائي فأنا أعطي المطربين المقربين من ناحية الأفكار والحوافز، مثل زياد الرحباني وخالد الهبر، وأحمدقعبور، ومرسيل خليفة، وأميمة الخليل، فهؤلاء ليسوا أبناء سوق.
أنا أبن المسرح أحبه جداً، فعندما أقف على المسرح أشعر وكأنني امتلكت العالم، وهذا الشعور خاص جداً قليل من الناس يفهمه ليس كل العاملين في المسرح يفهم هذا الشعور فالمسرح مساحة كبيرة فعلية ونقدية المسرح عالمي.
{ إذا خيرت أن تكون وزيراً أو مواطناً ماذا تختار ولماذا؟
– أختار أن أكون وزيراً لوزارة الثقافة، أولاً أعمل على تغيير الأفكار فيها وأحاول قدر المستطاع تغييرها نحو الأفضل، فوزارة الثقافة تحتاج إلى قدرات ومقومات، وأجرب أن أبني علاقات مع الفنانين والمثقفين لأن وزارة الثقافة الحالية ليس عندها هيكلية وفي النهاية أنا لا أطمح أن أكون وزيراً.
لأن الحكومة عندنا ما شاء الله نوابغ وسياسيين، عندنا نماذج ليس لها مثيل ويجددون لأنفسهم دون حسيب ولا رقيب يا لهذه السخرية، والناس ليس عندهم أي صلة بهؤلاء السياسيين فعملية التمديد لا يرفضها فقط اللبنانيون إنها عملية مقززة.
{ ما هو أكثر مشهد أثر فيك؟
– مشهد أي إمرئ يعمل في ورشة ويحمل شطيرته يؤثر في، وكذلك العمال الذين يعملون بالقمامة، ليس هناك أي عدل لهؤلاء الناس يأكلون عليهم حقوقهم، يهتمون بوزن القمامة ولا يهتمون بمن ينظفها، مع العلم بأن القمامة تباع وتشترى بين الدول فبالتالي أشعر بالحزن والتعاطف مع هؤلاء العمال.
{ ما هي كلمتك الأخيرة؟
– الحياة تعاش مرة واحدة، إتركونا نعيش حياتنا بما يليق بكرامتنا وحريتنا.
حوار: زاهية موسى

http://www.aliwaa.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *