فضيحة المهرجان الوطني للمسرح بمكناس .. أو عندما تعجز مدينة عن تمثيل نفسها بمهرجانها

للعام الثاني على التوالي يصدم ساكنة مكناس و معهم جميع المتتبعين و المهتمين بالمجال الفني و المسرحي بالمدينة، بحرمان مدينة الفن و الفنانين مكناس، من المشاركة في النسخة السنوية من المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي الذي يقام على مر الخمسة عشر سنة الماضية.

غياب مكناس عن لائحة العروض الرسمية لمسابقة المهرجان الذي سيقام هذه السنة في الفترة الممتدة ما بين 6 و 13 يونيو الجاري، جاء تأكيدا لعهد السنة الماضية الذي عرف الغياب المطبق كذلك للمسرح المكناسي، و كأن العادة أصبحت تقليدا سنويا لتأكيد الفشل الفني و المسرحي الذي أصبحت تعاني منه المدينة، كماهو الحال لباقي عناوين الفشل في الميادين الأخرى بالمدينة.

مكناس بريس و من أجل معرفة الأسباب الكامنة وراء تخلف مكناس بصفتها المدينة المستضيفة لفعاليات هذا المهرجان، اطلعت على بعض التفاصيل الخفية التي تحبك خلف كواليس المسؤولين لا على مستوى وزارة الثقافة المنظمة للمهرجان و ادارتها و سياسها في ما يخص توزيع الدعم على الفرق الوطنية المختارة للمشاركة في هذه التظاهرة، و لا على مستوى كواليس المشاكل المحلية المعيقة لانتاج فرق مسرحية مكناسية احترافية حديثة.

حيث تبين بان مكناس تحتوي فقط على ثلاث فرق مسرحية احترافية معترف بها، ألفت احتكار دعم وزارة الثقافة منذ بداية هذا المهرجان  سنة 1999، و هي فرق ”مسرح السبعة جيل جديد” و ”مسرح الشامات” و ”العرض الحر” التي يقتصر عليها الدعم السنوي لوزارة الثقافة بصفتها ”فرق احترافية”، ما اوصل مكناس لحالة فشل ذريع منذ دورة السنة الماضية و دورة هذه السنة، و ذلك بسبب اخفاقها في حجز مقعد لها في المسابقة الرسمية للمهرجان، ناهيك عن سنوات اخرى خلت.

طريقة اختيار وزارة الثقافة للفرق التي تشارك في المنافسة على جوائز المهرجان، تاتي عن طريق الانتقاء من خلال لائحة وطنية تضم حوالي 25 فرقة احترافية وطنية، و هي الفرق التي تتمتع بالدعم المالي السنوي للوزارة، بالاضافة إلى لائحة اخرى من الفرق التي يمكن اعتبارها مبتدئة او هاوية و التي تتمتع بدعم ”الترويج” من الوزارة كذلك، حيث يتم اختيار من بين هاتين اللائحتين كل سنة ما بين 9 إلى 12 فرقة للمنافسة على جوائز كل دورة.

لكن المشكل الذي يعتبر مستعصيا بمدينة مكناس و الذي يعيق المشاركة المكناسية في فعاليات المهرجان، مع العلم أن الرصيد المسرحي للمدينة ذو تاريخ عريق، و كفاءات عالية، هو اقتصار ربما المسؤولين في المدينة، أو السماسرة الممولين على تقديم ثلاث فرق احترافية ”ازلية” منذ 15 سنة على انها الممثل الوحيد للمسرح المكناسي دون فتح المجال امام أي ابداع جديد أو فرقة موهوبة اخرى بالمدينة، و كأن الفرق الثلاثة وضعت بتنصيب مقدس غير قابل للنقض، أضف لهذا كله ان الفرق الثلاث و التي سبق ذكر اسمائها لا تعتمد تقريبا في تشخيص مسرحياتها المقدمة كملف للترشح من أجل المشاركة في المهرجان الوطني و التي استطاعت حجز مقعد لها في بعض الدورات، على الكفاءات المحلية للمثلين و المسرحيين المشهود لهم، بل تلجا للعب الأدوار المسرحية بأسماء معروفة و مشهورة على الصعيد الوطني ليست من رصيد المدينة، و هو ما يجعل هذه الفرق فرق ”مكناسية” فقط بانتماء مخرجيها لمكناس، و هو الأمر الذي يعتبره متتبعون للشأن الثقافي بالمدينة سياسة تمييز و زبونية و محسوبية تطال المشهد المسرحي بالمدينة، بسبب التموقع الجيد لمالكي هذه الفرق في هياكل وزارة الثقافة، و هو ما يتيح لهم الاستفادة من كافة الامتيازات التي تمنحها الوزارة للفرق الوطنية،  في المقابل حرمان جميع الفرق المحلية من أبسط شروط التميز، كالبطاقة الفنية من الوزارة أو الدعم المالي السنوي او حتى منحة الترويج الصغيرة و هي المنحة التي تمنح بموجبها الوزارة دعما لا يتجاوز مبلغه 5000 درهم للعرض الواحد بجميع مكوناته و مصاريفه، بالنسبة للفرق الهاوية.

المشكلة اذن و التي اصبح مسرحيو مكناس يعانون منها في صمت، جعلت العديدين يقفون وقفة تامل في سياسات وزارة الثقافة التي تمنح لفرق جد متواضعة في مدن ليس لها من التاريخ المسرحي شيء يذكر بالمقارنة بمكناس، الدعم المالي و الفني التي لم تحض فرق ممتازة هنا و لو بفتاته، و هو ما يرجعه أيضا متتبعون لخوف ”اللوبي المتحكم” في مدينة مكناس من شبح المنافسة في الميدان، بشعار ”إما نحن او لا أحد” !!!

لكن هذا المشكل و الذي بدا يطرح حوله مجموعة من ردود الفعل المستنكرة لحال المسرح بالمدينة، فطن له منظمو المهرجان الوطني هذه السنة، ليبتكروا طريقة اعتبرها الكثيرون مجرد ذر للرماد في الأعين و ذلك من خلال ادراج بعض العروض الهاوية لفرق جديدة المنشأ بمكناس في العروض الخارجة عن المسابقة، حتى لا يقال بأن مكناس أصبح عاجزة عن تأمين فرق مشاركة في المهرجان الوطني، خصوصا بعد عجز ”الثلاثي الاحترافي المكناسي” عن تأمين عرض واحد للعام الثاني على التوالي من اجل تمثيل مكناس في المهرجان.
يشار إلى ان مكناس بريس كانت قد كشفت قبل أيام عن خبايا مشروع فني كبير قدمته بعض الجهات الفنية المحلية للمسؤولين بالمدينة يدور حول ملامح مشروع ثقافي مستقبلي يرمي لإنهاء الاحتكار المسرحي الحالي و الخروج بمكناس لواجهة التميز الفني الوطني و العالمي.

 

 

http://www.meknespress.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *