أين يعيش المسرحي إن فقد خشبته؟

كنت أسأل نفسي قبل أشهر من الآن: أين يجد الحياة من لا حياة له إلا على خشبة المسرح؟! سؤال بدا مغرقا في العاطفية، ومستسلما للمجازية التي تُعد الحياة بأسرها إنْ هي إلا خشبة مسرح، ولكني كنت أعني الخشبة بحدودها الفيزيائية الضيقة، وبحدودها الزمانية التي يستغرقها عرض مسرحي بشخوصه وديكوره وأزيائه.

كانت هذه الهواجس تشغل فكري بعد رحلة مع المسرح قضيتها طالبا في كلية العلوم التطبيقية بالرستاق: ممثلا، ومصمما للديكور، ومخرجا، حتى أصبحت لي مع المسرح قصة وجودية ليس من الوارد إنهاؤها بانتهاء مدة الدراسة في هذه المؤسسة. غير أن الحديث عن احتمالات الحياة في عالم المسرح خارج الكلية ليس إلا هم آخر من هموم المعنيين بالشأن المسرحي عامة، فليس من المجدي الحديث عن ضمور الموهبة المسرحية بعد تخرجها ما دام المسرحيون أنفسهم لا يجدون الحاضن الحقيقي لإبداعاتهم، ومازالت شكواهم تتكرر وهمومهم في استمرار، فهل إلى مزيد من الشكوى كلما زاد عدد المسرحيين واحدا ممن تفرّخهم مؤسسات التعليم العالي – وغيرها – من متخصصين وهواة؟
إن استشعار المشكلة لم يعد وحده كافيا لصناعة مستقبل مسرحي في البلد، ولكن الحلول العملية هي ما نحتاجه في هذه المرحلة التي لا تقنع إلا بواقع الإنجازات، فقبل ما يزيد عن عام من الآن، وتحديد في الـ 8 من أبريل لعام 2012م، نظمت جامعة السلطان قابوس ندوة (التجربة المسرحية في سلطنة عمان)، وهي ندوة كما هو في ظاهر عنوانها تبحث في المنتج المسرحي أكثر من مساءلتها للظروف والتحديات، ولكنها رغم ذلك خرجت بجملة من التوصيات المهمة كان أبرزها:
– ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي كونه النواة واللبنة الأولى لإخراج مسرحيين وكتابا بارعين.
– طرح المقررات التي تعين الطالب على الكتابة المسرحية وإتقان فن الأداء المسرحي.
– تقليل الرقابة الذاتية لبعض المؤلفين حيث تحد من إبداعهم وهذا أخطر من رقابة الجهات المعنية بذلك.
– دعم المسرح العماني بتوفير مسارح ذات مستوى عالٍ من التجهيز بالإضافة إلى الدعم المالي.
– الدعم الفني باستقطاب أساتذة ذوي خبرة في مجال المسرح أو الاستعانة بالفنانين وذوي الاختصاص من السلطنة للاستفادة من خبراتهم في هذا المجال.
– إقامة حلقات عمل تختص بالمسرح وكل ما يتعلق به من كتابة نصوص وتجهيز المسرح وطريقة الأداء والإخراج .. إلخ.
– تشجيع المسرح العماني وزيادة العروض والمسابقات المسرحية.
– بث المسرحيات العمانية الهادفة عبر تلفزيون وإذاعة سلطنة عمان.
ولكن السؤال الآن: كم هي الجهات المعنية التي تلقفت هذه التوصيات – وغيرها من التوصيات في شأن المسرح وغير المسرح – وبحثت في آليات تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع؟ ثم إن القضية برمتها لم تكن في التوصيات الواردة والمسؤول عن تنفيذها وحسب، ولكنها أيضا في قدرتنا المدهشة على التشخيص، ولكنه التشخيص الذي لا يصف علاجا، أو إن وصفه فإنه يعجز عن سداد فاتورته!
هـأنا إذن – كغيري – فرد آخر، يجرجر شكواه من غياب الدعم والخشبة والاهتمام المؤسسي الممنهج بالشأن المسرحي، ولن أزيد على ما يعرفه القارئ من غياب النشاط المسرحي في المشهد الثقافي، غير أنني أحاول أن أرسم خارطة طريق علّها – أقول علّها – تجد من يتلقفها بقصد أو بدون قصد و(إنما الأعمال بالنيات) فتحقق واقعا ولو بعد حين.
وأول ملامح الطريق كما أراه ينشطر في مسربين بعد الاقتناع بضرورة مجاوزة عنق الزجاجة، أولهما: أن يؤمن المجتمع برسالة المسرح، وبأنه مظهر ثقافي راقٍ ميسور المتطلبات متى ما وُجدت الإرادة لرعايته وتعهده. فلكم آمنت بالمقولة التي تقول (أعطني مسرحا أعطك شعبا مثقفا).
ثم إننا (ثانيا) معشر المسرحيين – وقد أجزت لنفسي أن أنسبني إليكم – علينا أن نكف عن خطاب الشكوى والتذمر برهة، ولنبحث عن وسيلة الإقناع التي تتيح لنا قبولا على مستوى الفكر والمضمون، ونعمل على إيصال رسالة المسرح وأهميته إلى الشريحة الأعرض من المجتمع، ونراجع ما قدمناه حتى الآن ما إذا كان جديرا ليدفع بنا نحو خلق صناعة مسرحية تفرض على المعنيين اتخاذ تدابير تذليل العقبات وتطويع التحديات.
دعونا نعمل معا بود وانسجام، وأن نبتعد عما يشتت الجهود ويفضي بها إلى الفرقة واختلاف الأهداف، وأكاد أجزم أن الاشتراك في الهمّ قوة، شريطة نبذ المصالح الشخصية وإعلاء قيمة الفن على كل ما عداه. لعلنا نحقق واقعا مسرحيا تلتقي فيه أرضه البكر بسمائه السخية.

 

عامر بن حسن

http://main.omandaily.om

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *