طقوس ونوس في الكوميدي فرانسيز

صبح المخرج المسرحي الكويتي سليمان البسام أول شخص يقدم مسرحية عربية في المسرح الوطني الفرنسي “الكوميدي فرانسيز” العالمي في العاصمة الفرنسية باريس اذ تم تقديم مسرحية الكاتب السوري الراحل سعد الله ونوس : “طقوس

 

الإشارات والتحولات” باللغة الفرنسية التي حظيت بتصفيق حار في أول عروضها، وحازت تقديراً وحماساً كبيرين من قبل الحضور للمسرحية ومنهم مسؤولون رفيعو المستوى ودبلوماسيون وصحفيون ونقاد وأعضاء من النخبة الثقافية . ويستمر العرض حتى 11 تموز المقبل في المسرح الوطني الفرنسي (الكوميدي فرانسيز) الذي تم افتتاحه للعامة عام 1680 .

وقال البسام بعد العرض إن “هذا فصل جديد في تاريخ المسرح الوطني الفرنسي باعتباره أعرق وأقدم مسرح أوروبي وأحد أكبر المسارح الفرنسية التي فتحت أبوابها لثقافة أخرى هي الثقافة العربية عبر نص الكاتب السوري الراحل ونوس وإخراجي” .

وأعرب عن اعتقاده أن التأثير السياسي والثقافي للحدث هو الأهم، مبيناً أن تقديم العرض في مسرح تاريخي يتسع لنحو 900 شخص ويتمحور حول موضوعات مختلفة من حالة الإنسان ويجيب عن العديد من الأسئلة العميقة عبر “الرمز الثقافي” يعد مهماً جداً، نظراً للأحداث الحالية في الوطن العربي اليوم .

وذكر البسام أن شخصيات المسرحية تعكس ما يحدث حالياً في العديد من البلدان العربية، حيث يتحدث النص عن أوضاع العاصمة دمشق أثناء الحكم العثماني في عام ،1860 ويحكي كفاح الفرد من أجل الحرية ضد الاضطهاد، وقال المخرج الكويتي إن “الأداء المسرحي سيستمر، مبيناً أن هناك 30 عرضاً خلال هذا الموسم، كما سيتم عرض المسرحية خلال المواسم المقبلة” . وأكد أن “هذا العمل بأهميته الثقافية والسياسية يعد عملاً ضخماً، باعتباره أحد الأحداث المرتقبة في رزنامة المسرح السنوية في فرنسا” .

وكانت مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» للمسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس أول نص عربي يترجم للغة الفرنسية، قد قدمته فرقة الكوميدي فرانسيز على مسرح جيمناز في مرسيليا بين 29 نيسان و7 ايار الماضي. قبل أن تنتقل العروض الى باريس ..

لم يكن اختيار مرسيليا لإطلاق أول عرض لهذه المسرحية اعتباطيا، فمرسيليا هي عاصمة الثقافة الأوروبية، فيما لم يكن اختيار النص عشوائيا أيضا، فسعدالله ونوس هو ابن البحر الأبيض المتوسط ونتاج خليط ثقافات، انصهرت فأبدع وتميز .

تسكن الرمزية نص المسرحية التي كتبها سعدالله ونوس قبل ثلاثة أعوام من وفاته، أي في عام 1994، وفي هذه المسرحية نفكر ونستمع أيضا إلى بلاغة ونوس، وكيف عالج في نصه جملة من الفضائح الجنسية والمالية، في عهد الدولة العثمانية .

وعن أسباب اختيار نص سعدالله ونوس يقول دومينيك بلوزيه مدير مسرح جيمناز: لقد اخترنا هذا النص وكان ذلك في بداية عام 2011، حيث استشار بلوزيه المدير العام للمسرح الفرنسي مورييل مايات التي اقترحت عليه نص سعدالله ونوس .

توفي سعدالله ونوس متأثرا بمرض السرطان في عام 1997، وهو واحد من الكتاب الكبار والمرموقين في العالم العربي، حيث تمت دراسة العديد من نصوصه الشهيرة التي تعرض البعض منها للرقابة والمنع، كل هذه الأسباب مجتمعة دفعت بلوزيه لانتهاز الفرصة، ودعوة فرقة كوميدي فرانسيز لتنفيذها.

ويقول المخرج سليمان البسام: إن اختيار نص «طقوس الإشارات والتحولات» حكيم جدا ومثير جدا بالنسبة للممثلين الذين تمت دعوتهم للعب ادوار في هذه المسرحية، ويقول الممثل الفرنسي دنيس بوداليداس: إن أول ما قاله البسام لنا، هو أن نوافذ البيوت الدمشقية لا تطل أبدا على الخارج، إنها هندسة معمارية فريدة من نوعها، تكشف عن تفشي ثقافة الكتمان والاختناق والزيف.ويضيف بوداليداس في الوقت ذاته بتأثر ونوس ببريخت وشكسبير.

وأما ابرز وأقوى الشخصيات في المسرحية، فهما سيدة ورجل مثلي، يفجران الحقيقة ثم يثوران، ويقول بوداليداس: هناك العديد من الأمثلة، ويبدو هذا المثال ساذجا، لكنه يعكس التزاما بفكر علماني ومتحرر، كما يعبر عن حالة من التعب التي تسكن صاحبها، لأنه داخل مجتمع مقموع.

ويشير بوداليداس إلى أن سعدالله ونوس كتب هذا النص وهو يدرك بأنه مريض «دون شك كان يعتقد بأنه لا يملك الكثير من الوقت، إننا نستشعر من خلال نصه رغبته في إسماع صوته إلى ما وراء الحدود».

وتنطلق المسرحية من حادثة تاريخية استلهم منها الراحل ونوس نصه، وكان أوردها فخري البارودي في مذكراته «تضامن أهل دمشق»، عندما يدبر مفتي دمشق خلال الحكم العثماني، القبض على نقيب الأشراف متلبسا في وضع فضائحي مع إحدى المومسات.

لكن المفتي يتنبه إلى فضيحة سجن نقيب الأشراف مع تلك المومس، وما يلحقه ذلك من أذى لسمعة الأشراف الذين يستمد المفتي سلطته من موقعهم واحترام الناس له، ولذلك يستبدل زوجة نقيب الأشراف بالمومس لتدارك الفضيحة، إلا أن ذلك الإجراء يبدل في مصائر شخصيات العمل الأساسية.

ويتطرّق النص أيضا إلى الحياة الجنسية للمرأة، والفساد الديني والمثلية الجنسية، وإساءة معاملة خادمات المنازل والصوفية وجريمة الشرف، والتقاليد الحكواتية العربية، والتحوّل الشخصي، وتبدّل أدوار الرجل والمرأة في العالم العربي.

وقد طغى الأصفر والأبيض والأسود على ديكور المسرحية، حيث تم استلهامها من الداجيروتيب، وهي طريقة بدائية في التصوير اخترعها الكيميائي الفرنسي لويس داجير في عام 1839.

 

http://www.rtv.gov.sy

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *