الفنان الدكتور عوني كرومي.. قديس المسرح العراقي والعربي

رائدآ حقيقيآ من رواد التجديد والحداثة في الفكر والفن

بصماته عميقة واضحة على مسرحنا العراقي والعربي

ولد للمسرح وعاش من أجل المسرح ومات على خشبة المسرح..
إرثه الأغنى بأبحاثه وتلاميذه في العراق والوطن العربي
في مثل هذا اليوم غيٌبَ الموت 27-5-2006 الفنان والأكاديمي العراقي عوني كرومي الذي فقده العراق والمسرح العراقي ، وهو في قمة عطاءه ، في العاصمة الالمانية برلين حيث كان منهمك في اخراج مسرحية ( مسافر الليل) على احد مسارح برلين في السابع والعشرين من ايار عام 2006.
والفنان عوني أفرام كرومي من مواليد الموصل عام 1945 تخرج من معهد الفنون الجميلة – بغداد عام 1965ومن أكاديمية الفنون الجميلة – بغداد عام1969وأكمل الماجستير في العلوم المسرحية من معهد العلوم المسرحية جامعة همبولدت – برلين- ألمانيا عام1972ونال شهادةالدكتوراه من الجامعة نفسها وبنفس الأختصاص عام1976 .
درّس في عدد من الجامعات العراقية والعربية والألمانية بين الأعوام 1997-1977. شارك في العديد من المؤتمرات والمهرجانات والحلقات الدراسية العربية والعالمية بين الأعوام 1972 و 2002وصدرت له عشرات الابحاث والكتب وترك مثلها ، لم ينشر بعد.
أخرج أكثر من تسعين عملاً مسرحياً منها: فطور الساعة الثامنة، في منطقة الخطر، كاليكولا، غاليلو غاليليه، كريولان، مأساة تموز، القائل نعم القائل لا، تداخلات الفرح والحزن، فوق رصيف الرفض، الغائب، حكاية لأطفالنا الأعزاء، كشخة ونفخة، الإنسان الطيب، صراخ الصمت الأخرس، ترنيمة الكرسي الهزاز، بير وشناشيل، المحفظة، المسيح يصلب من جديد، الصمت والذئاب، عند الصلب، في المحطة، الشريط الأخير، المساء الأخير، الطائر الأزرق ،أنتيجونا، فاطمة، السيد والعبد… وآخرها مسافر الليل… الخ
نال العديد من الجوائز العربية والعالمية في مهرجانات بغداد، القاهرة، قرطاج، برلين، والخليج العربي حصل على أهم لقب ومن أهم المراكز الثقافية والعلمية ( وسيط الثقافات ) من مركز برشت في برلين
يعد الفنان الدكتور عوني كرومي من المسرحيين القلائل الذين درسوا ( برخت) والمسرح الملحمي في برلين ، عاد الى وطنه العراق حاملا مشروعه االذي اشتغل علية طيلة أعوام الدراسة والتجاريب المسرحية في برلين، لينقل هذه التجربة ومفهومه لها وللمسرح البرختي الى المسرح العراقي والعربي ، محاولا تأسيس العرض الشعبي من خلال النص البرختي ، (لان برخت يعني حرية التجريب والتجديد وعدم السقوط في المـألوفية وماهو جاهز قياسا الى المسرح الارسطوطاليسي ويعني ايضا بالنسبة الى المخرج العربي عموما ، البحث عن اشكال متعددة للعرض سواء كان في المكان او في اختيار الحكاية.)
عوني كرومي يجد دائما علاقة بين مسرح برخت والواقع العربي ، فموضوعة الاستغلال والصراع الطبقي وخاصة الصراع مع المحتل، والمستغِل، من اجل التحرر السياسي والاقتصادي ، والتي عالجها برخت في مسرحية( القاعدة والاستثناء) هي مشاكل مازال المجتمع العربي يعاني منها وتجد قبولا لدى الجمهور . لان عرض مثل هذه المسرحية، اضافة الى اهدافه الفنية فانه يمثل الدعوة الى الحرية والعدالة ،وهي بعد ذلك عملا ذو مقبولية واضحة بالنسبة للجمهور وتتوفر فيها مؤثرات التغريب التي تساعد على سرد الحكاية دون مبالغة.
ويحاول عوني كرومي ان يخلق العرض الشعبي العراقي من خلال المسرحية البرختية ، ولاينقل هذا نقلا حرفيا وانما يحاول ان يمنح الاحداث والشخصيات مميزات شعبية نابعة من مجتمعه الزاخر بالطقوس والعادات والوسائل التعبيرية.
ينحدر الفنان عوني أفرام كرومي من مدينة الموصل التي ولد فيها ، وأكمل دراسته الابتدائية في مدرسة ( الطاهرة) ثم المتوسطة ، وهو الابن الرابع والاخيرلعائلته، حيث كان والده يعمل في النجارة لشركة نفط الموصل ، وكان يكتب الشعرحتى مراحل متقدمة من عمره ،يقرأ قصائده عن ظهر قلب إنتقل الى العاصمة بغداد ، ليلتحق في معهد الفنون الجميلة .
سيرته العلمية والفنية والأكاديمية الزاخرة بالعطاء، والغنية بالتجارب التطبيقية على مدى أعوام حياته سواء في الاخراج المسرحي او البحوث والتدريس او في المؤتمرات والمحاضرات ، غنية ومثمرة. عمل مدرسا في اكاديمية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد ، ومن ثم استاذا فيها منذ عام 1977 حتى عام 1990 وكذلك استاذا في قسم الفنون الجميلة – كلية التربيةوالفنون – في جامعة اليرموك عام 1991 وكذا في جامعة همبولدت في برلين عام 1996 ، درٌس خلالها نظريات التمثيل والإخراج – التحليل والتفسير – المسرح المدرسي – نظريةالمسرح الحديث – النقد المسرحي – الإنتاج المسرحي – نظريات الدراما – لطلبة الدراسات الأولية والعليا.. مستمرا في هذا المجال ومتنقلا بين الجامعات العراقية والعربية والأجنبية ، سوريا ، الاردن ، والقاهرة ، تونس ، وكذلك المعاهد في الخليج العربي، إضافة الى المانيا ، هافانا، براغ ، هنغاريا ‘ حتى عام 2003 ، وكان عضوا فاعلا في اغلب الاقسام الفنية لمجالس الجامعات تارة مستشارا وأخرى مشارك وغيرها استاذا محاضرا اضافة الى تقديمه لتجاريبه في الاخراج المسرحي حيث لايمر عام إلا وله اكثر من عمل مسرحي متميز …
كان المدير الفني لفرقة المسرح الشعبي في بغداد منذ العام 1976 حتى خروجه من العراق عام 1991 والتي قدم من خلالها اجمل الأعمال المسرحية التي لايمكن تمحى من الذاكرة العراقية .. ويتذكره مسرحيو العراق ، وتلامذته ويفخرون بانجازاته التي كانت ولازالت ملهما لاعمالهم المسرحية ، كان عضوا فاعلا في
. ( I T I )والمركز العالمي للمسرح المركز العراقي للمسرح
إضافة الى عضويته الفاعلة والمؤثرة في عدة لجان وفرق وتجمعات ثقافية وفنية وبحثية في أغلب الدول العربية والعالمية ومنها
عضو اللجنة العليا لمهرجان بغداد للمسرح العربي.من 1985 لغاية 1989 ˇ
عضوشرف في فرقة المسرح العربي – الكويت. 1989 ˇ
عضوشرف في فرقة مسرح الخليج العربي – الكويت. 1989 ˇ
عضو شرف في فرقة صلاله-سلطنة عمان. 2004 ˇ
عضو فرقة مسرح الرور – ألمانيا حتى 2006 ˇ
عضو الورشة العالمية للمسرح – برلين – ألمانيا 1999 ˇ
عضو مؤسسة لفرقة مسرح تياتير – برلين – ألمانيا 1996 ولغاية 2006 ˇ
مستشار لمشروع درب الحرير-المنطقةالعربية من 1994 ولغاية 2006 ˇ
مخرج متفرغ يشرف على العديد من المشاريع الثقافية والفنية والمهرجانات الثقافية منذ 2004 الإشراف على الدورة العربية للمسرح – جامعة الدول العربية – بغداد 1979 ˇ
الأشراف على طلبة الماجستير – قسم الفنون المسرحية – كلية الفنون الجميلة – بغداد. منذ 1980 ˇ
ربما يطول الحديث عن منجزاته ومشاريعه التي لايمكن لي ولأي كان ان يمر عليها دون التوقف عندها والاشارة لها بالنجاح الباهر والمنتج والمؤثر، كان له فضلا كبيرا على المسرح العراقي ، والمسرح العربي عموما ، حيث جال بعطاءه من المشرق الى المغرب ومن المحيط الى الخليج ، بحيث أينما وجد المسرح تواجد عوني كرومي، مخرجا ، ومنتجا ،ومشرفا على طلبة وكليات فنون ومستشارا لمراكز ابحاث،ومؤسسا للكثير من الفرق والتجمعات المسرحية والمنتجه وله بصماته الباقية والواضحة اين ما حل ورحل .. كانت بحوثه القيمة والمعبرة في كافة الملتقيات والمؤتمرات والفعاليات ، العربية ،والعالمية..
من مشاريعه الكبرى وفي آخر ايامه كان مشروع ” بغداد – برلين” الذي إستضاف فيه خيرة المبدعين من المسرحيين العراقيين والعرب .. والأجانب وإلمانيا حيث يعيش ، وعمل عليه لفترة غير قصيرة حتى وافاه الأجل وهو لازال منهمكا فيه ومنسقا لورشاته التي كان ، من المفترض ، ان تستمر بين بغداد وبرلين بوتيرة أعلى من ماهي عليه الآن حيث لازال بعض المسرحيين العراقيين يترددون في ورشاتهم واعمالهم من ذلك المنبع الذي أسسه وعمل عليه الراحل الفنان الكبير عوني كرومي…
ولايمكن لأي فنان مسرحي منصف في العراق أوفي الوطن العربي ومتابع للمسرح ، إلا ويعترف ويشيد بمنجزاته العلمية ، وابحاثه الغائرة في صلب العملية المسرحية ،ومسرحياته التي صنع فيها من النجوم في عالم التمثيل والدراما في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، كان عوني بحق رائدآ حقيقيآ من رواد التجديد والحداثة في الفكر الجديد والفن الحديث.
رحل مبدعنا الفنان عوني كرومي بصمت ، وبدون سابق إنذارأوضوضاء وكما ترحل نوارس تشيخوف لتعانق حافات البحار من ميناء الى آخر، عرفته في منتصف السبعينات بعودته الأولى من برلين محملا بالعلم والمعرفة من خلال دراسته وتطبيقاته العملية ، زاخا تلك المعرفة الى زملاءه واقرانه في تلك الفرقة الفقيرة في تكوينها والكبيرة والمميزة في عطاءها ، ” فرقة المسرح الشعبي” عالما ومفكرا يعرف جيدا ماذا يريد وماذا نريد ،
” فرقة المسرح الشعبي ” التي إحتضنت أولى اعماله التجريبية بعد غياب دام بضعة سنين ، كان حضوره قويا ، منتجا حتى في صمته ، مثقفاواعدا ، مندفعا بالحب ، متواضع ، بارع في توصيل الفكرة. هذه الفرقة التي كانت تضم مجموعة مبدعة من شباب ورواد همهم الأول والاخير هو المسرح منطلقين بان المسرح رسالة انسانية ، ملتزمين جانب الانسان أولا ، لاهم لهم سواه ، في وقت كان التنافس كبيرا ، بين عمالقة الفن والمسرح ،بين فرق كبيرة ، وفنانين كبار، وتحدي وتنافس شريف كثر فيه الانتاج المسرحي النوعي والهادف ‘ في وقت كانت فيه المعاهد والكليات الفنية ، تضخ خيرة الشباب المبدعين والمندفعين بحب العمل في المسرح ، ممن نهلوا العلم والمعرفة من رواد كان لهم الباع الكبير والخبرة الواسعة في هذا المجال… وأفترقنا حتى التقينا مجددا في برلين في احد الورش المسرحية التي كان يشرف عليها عربيا وألمانيا … في التسعينات .. وحينها كان يعتزم إعادة انتاج عمله المسرحي الذي سبق وأن قدمه في بغداد ” ترنيمة الكرسي الهزاز ” الذي افتخر بمشاركتي معه في هذا العرض الذي جاب به اوربا ضمنا ” هولندا” حيث أعيش ..
كان كبيرا في اخلاقه وسلوكه اليومي ، وتواضعه الجم ، جميلا في معاشرته ، لايؤذي أحدا ، وفيا لأقرانه وزملاءه ، كريما الى حد كبير ، معطاء دون ادعاء ، مستمع جيد كما انه قارىء جيد ، يتعلم من ممثليه بقدر ما يتعلمون منه ، أليف يستحق الاحترام، عاشق لبغداد التي كان درسه الأول فيها ، والموصل التي ولد فيها..
حصد الكثير من الجوائز التي لاتعد ولاتحصى ، في بغداد ودمشق وتونس والكويت والمانيا وفرنسا والقاهرة ولبنان … في الاخراج ، والتأليف ، والأبحاث ، ولأسلوبه الأخراجي الجديد وموسوعية ثقافته وطريقته المميزة في القاء المحاضرات وطريقة ايصالها … لقٌبه الأقربون ” بريخت العراق ” حيث تجاوز عدد المسرحيات التي اخرجها التسعين…
صدرت له العديد من الكتب والأبحاث .. والمطبوعة في اللغتين الألمانية والعربية نذكر منها في اللغة العربية على سبيل المثال :
طرق تدريس التمثيل / مطبعة جامعة الموصل / 1982 ( كتاب منهجي ) لطلبة أكاديمية الفنون
الجميلة – جامعة بغداد
فن التمثيل / مطبعة جامعة الموصل / ( كتاب منهجي ) لطلبة أكاديمية الفنون الجميلة – جامعة
بغداد
المسرح المدرسي / وزارة التربية / ( كتاب منهجي ) لطلبة معهد الفنون الجميلة – بغداد
روبرتو تشولى وفرقة مسرح الرور – منشورات وزارة الثقافة السورية – دمشق – سوريا 1998
جوتة –( غوتة) منشورات إذاعة ألمانيا 1999
روبرتو تشولى مسيرة عشرين عاما مع مسرح الرور ألقاهره 2002
المسرح الألماني المعاصر للمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث الدوحة- قطر 2002
الخطاب المسرحي ودراسات في المسرح ، والتمثيل خارج دائرة الأحتراف من البداية الى الهواية/المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث – الشارقة عامي 2002-2004
المسرح المدرسي-إدارة مهرجان الفجيرة لمسرح المونودراما / الامارات العربية عام 2006 وغيرها الكثير من المطبوعات والملازم الدراسية لطلبة الفنون في الجامعات المختلفة ، صدر بمطبوع او كتاب ومنها مالم ينشر بعد ..
في أيامه الأخيرة وأثناء إنشغاله في إخراج مسرحيته (مسافر الليل) خاتمة أعماله كان مجهدا ومتعبا ، كان يغفو على طاولة جانبية بين حصتين من التمرين وكأنه يستعجل ويشعرإن هذا هوإنجازه الأخير ،( كما واضح في هذه الصور) التي ، ربما يعترض على نشرها البعض ، ولكنها دليل كبير على جدية هذا الفنان وإيمانه المطلق برسالة المسرح ،وهي درسا كبيرا وبليغا بأن طريق المسرح ليس سهلا ولاهينا ولا نزهة ، لذلك كان الفنان وبأرثه الذي تركه للأجيال الحالية والقادمة والتي عاصرت مسيرته، والذين تتلمذوا وإستلهموا من فكره، وخبرته، وعمله الدؤوب والمضني الذي كانت نتيجته علما وفنا حقيقيا ، هذا الأرث الذي تحافظ عليه اليوم عقيلته السيدة ( خلود كرومي) وأولاده الذين يسيرون على دربه بعطاءاتهم في اختصاصاتهم الفنية والعلمية والأكاديمية ، يعتزون بعراقيتهم مؤمنين برسالة والدهم … ترك مكتبة ثرية وغنية وكبيرة متاحة للجميع … المجد والخلود لهذا الفنان المبدع .

قاسم حسن
فنان وإعلامي- هولندا

http://www.sotaliraq.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *