توهج الذاكرة …أنتونـين آرتــو والمسرح

يرى الشاعر والمفكر المسرحي  أنتونين آرتو بأن المسرح هو الذي يجعلنا نحلم ونحن مستيقظين، ولا يمكن  أن يكون مسرحا إذا تخلى عن هذه المهمة. وبهذا فأنه حدد

 

بدقة متناهية  مهمة المسرح وعلاقته بالحلم ولكنه حلم اليقظة الذي  يلتقي فيه الإنسان بجميع الأسرار الخفية التي  لا تكون إلا في البواطن الداخلية ، فمن خلالها تتجسد صور الشعر على المسرح كقوة روحية، تبدأ مسارها من المحسوس، وتستغني عن الواقع  بمجرد أن ينطلق الممثل في ثورته. في فضاء الفعل الزمكاني والذي يرتبط باللحظة الأبدية حتى وإن كان الفعل المسرحي لحظوي أي يموت في لحظة انطلاقته لأن المسرح هو فعل بصري  يكون فيه الأداء المسرحي: “كالطاعون… هذيان معد”.كذلك الممثل الذي يهذي في الفضاء من أجل تأكيد أبديته الذاتية في اللحظة الزمانية تلك اللحظة التي يختزل فيها الفكر ويتجوهر بصور بصرية فيتحول الى  إشعاع وفعل مادي يعتمد الأسرار والرموز. فيجسد فضاء  المسرح الحركة كرد فعل لمثير وفي لحظة التفكيك البصري يعيد تركيب الأشياء من جديد  ، تركيب  ما هو كائن وما لا يوجد، تركيب المتناقضات مثل النور والظلمة والحياة والموت والولادة والعجز . أي بين إمكانية  الممكن وما يوجد في الطبيعة المجسدة ،بين الخيال والبصيرة بين الحلم والواقع  معتمداً  على فكرة الصورة والرمز اللذان يؤثران  على وعينا كضربات من الصمت  وتدفق  الدم  المفاجئ ونداءات المزاج، ودفعات ملتهبة من الصور إلى جميع الأحاسيس التي كانت ساكنة في كهوف الجسد . انه الإدهاش غير المكرر والمفاجئ  الذي يثير فينا لحظة طفولية تذكرنا ببكارة الأشياء وولادتها المفاجئة الغريبة والبعيدة عما تعودنا أن نراه في الحياة والواقع . 
هل يعيد المسرح إلينا كل الصراعات التي تكمن فينا، يعيدها إلينا بقواها، ويعطي هذه القوى أسماءً نحييها بوصفها رموزا.؟ نعم من الممكن ذلك لأن المسرح يوجد من اللحظة التي يبدأ فيها المستحيل. والشعر في فضاء المسرح يغذي فيها رموزا تحققت  ويحييها من جديد . فالمسرح لا بد أن يقلق  راحة الحواس  الساكنة ولا يعمل على تخديرها اي  تخدير الممثل (الثرثار) والجمهور المستلب بخداع الكلمة (الفائضة)  وهو الذي يحرر اللاشعور المقهور.  ويفرض  على الجماعات المجتمعة ( الجمهور ) موقفا بطوليا صعبا . وهذا يعتمد على طبيعة لغة المسرح  كنص وكعرض .
حيث يؤُسس كل هذا في النص المسرحي أولا وبعدها يدخله المخرج في الهذيان الصوري الإبداعي ليتحول الى لغة صورية تثير فينا مشاعرنا وفكرنا بدون الاعتماد الكليس على الكلمة فقط .

 

د. فاضل سوداني

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *