بيت المدى يحتفي بمؤسس مسرح الصورة..صلاح القصب رائد التجريب فـي المسرح العربي

قامة أخرى من قامات الثقافة، احتفت  به مؤسسة المدى للثقافة والفنون من خلال فعالية بيت المدى بشارع المتنبي، وهو الفنان القدير صلاح القصب ، المثقف والمخرج

 

المسرحي الكبير والأستاذ الجامعي الذي قدم لطلبته كل خبراته في مجال الفنون المسرحية وان يقدم للثقافة سجلا حافلا بالأعمال المسرحية ابتداء من هاملت ومروراً بالملك لير وحفلة الماس ومكبث والشقيقات الثلاث.  قدم للاحتفالية  الفنانة عواطف نعيم التي قدمت للقصب قائلة :-  نشكر مؤسسة للمدى لإقامتها هذه الاحتفالية  الجميلة في صبيحة كل جمعة  حين تحتفل بالقامات الثقافية وهم أحياء واكرر وهم أحياء ،. لأننا اعتدنا أن نحتفل بالمبدعين  بعد موتهم. وهو معلمي وأستاذي الدكتور صلاح القصب ، صاحب المدرسة التي تعلمت منها الكثير ووضعتني على الطريق الصحيح في المسرح. وكذلك بقية القامات المسرحية أمثال الغائب الحاضر عوني كرومي وعقيل مهدي وغيرهما . وهو مخرج قدم أسلوبا مغايرا في العمل المسرحي وتعامل مع الصورة بكل تجلياتها. وقد حاول البعض تقليده في ذلك. وكان له (كروبه) الخاص في العمل لأنها تتناغم معه وتنسجم مع طروحاته فتشكل إضافة لعمله. وظل يحلم بريتشارد الثالث ليقدمه في مسرحية وقد علقنا ذلك على شماعة وزارة الثقافة ومشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ليحققوا هذا الحلم الكبير لصلاح القصب . والغريب أن تجربته الفذة لم تخرج الى خارج العراق ليراها العالم ويتعرف على جماليتها وظلت محصورة في العراق وهذه أيضا دعوة لوزارة الثقافة كي تفرج عنها وتدفعها للمشاركة في الأسابيع الثقافية أو المهرجانات العربية والدولية للمسرح .

مشروع معماري وليس حلماً
وبدأ المحتفى به حديثه عن نفسه، وسيرته الذاتية . فقال : –
ولدت في محلة الخالدية في فضوة  قرة شعبان مداراتها كانت تشكل سماء بغداد، ومحلتي الشعبية تمنحني الروح، محلتي زرعت في نفسي صوت الحب ذلك الحب الذي يحدثني عن الجمال والإبداع . منطقة صنعت أجيالا من الفنانين أمثال شهاب القصب وطه سالم ووداد سالم وفهمي القيسي الذي كان يملأ الجدران رسوما بقطعة الفحم التي كان يحملها دائما معه . وفيها رموز رياضية كبيرة. في هذا الوسط بعثت تجربتي وصقلت وتكونت وكبرت. كنت أتجول بكامرتي البوكس وأتجول في منطقتي والمناطق المحاذية في قنبر علي والفضل وساحة زبيدة وأبو سيفين، لكي أصورها وأوثقها واكتب حديث الروح لأبنائها .كذلك تأثرت بالرسم إذ كانت الألوان والرسوم تستهويني الى جانب الموسيقى في مدرسة الغربية. وفي الوقت الذي كنت أدرس فيه بإعدادية الكاظمية كنت ادرس في معهد الفنون الجميلة أيضا، وكان معي مهندسون وشعراء وأدباء وفنانون منهم قاسم حول والقاص منير أمير وصلاح حمدي. وكنت أنوي دراسة التشكيل لحبي له لكني فشلت في الاختبار ! فذهبت الى المسرح  بالرغم من أني ظللت احضر مع طلبة التشكيل أكثر من قسم المسرح! كنت أحب الألوان والتخطيطات ، وكان فائق حسن يبهرني .  إبراهيم جلال
الراحل الكبير كان يعتني بي كثيرا وقال لي اقترب من المسرح لأنك ستكون مخرجا مهما، وفي حينها لم استوعب ملاحظته هذه . وفي إعدادية الكاظمية كان المشرف المسرحي حمودي الحارثي الذي حببنا بالمسرح كثيرا . مشروعي الذي أبحث عنه ريتشارد الثالث ليس حلما لأني لا أحب الأحلام بسبب أننا بعد استيقاظنا يتلاشى الحلم! بل هو مشروع لتأسيس معماري ويجب أن لا يكون إلا في بغداد كما السياب في البصرة. وكما جدارية جواد سليم في الباب الشرقي. وريتشارد يجب ان تحتفل به بغداد . وسلاما لكل أساتذتي سامي عبد الحميد وجعفر السعدي وجميل نصيف وابراهيم جلال وبقية القامات المبدعة في مسرحنا العريق .

أضاء الذهب
القاص والروائي  حميد المختار كان اول المتحدثين قائلا : 
القصب ظاهرة مسرحية عراقية له عذرية الغابات وبراءة العصافير وثمار ممتلئة بعناقيدها ومبدع في رسالته وتاريخه حافل بالمنجزات. وظل القصب في الحرب والسلم وفي الفوضى والتنظيم لم يغير ألوانه أو يخلع أرديته في ساحات العرض المسرحية . له مريدوه وطلابه توزعوا في أنحاء الأرض بكل العالم  ينشرون على المسارح ما تعلموه من معلمهم الكبير القصب .. حول الكلمات الى ذهب وأضاءها في أعماله وصوره الناطقة وبلاغة طروحاته .
والبروفة عنده عرض خاص أو عرض أول للقياس على نجاح التجربة. صوره أحلام نرجسية ومسرحه صورة سحرية . ونريده اليوم أن يعود إلينا مجددا وصانعا لصورة مسرح جديد عودنا عليه من قبل. عد ياصلاح بعمل يثير فينا الأسئلة ويمتعنا بصوره الجميلة والمعبرة والمؤثرة .

الانقطاع عن المسرح العراقي
الفنان المسرحي الدكتور عقيل مهدي تحدث عن علاقته مع المحتفى به فقال :-
اعرف الكثير من المسكوت عنه لدي صديقي وعزيزي الدكتور القصب. واسأل لماذا هذا التمرد الصاخب والحب الصاخب لتجربة القصب ؟ ربما أرده لأنه تقاطع مع رموز المسرح العراقي جملة وتفصيلا وذهب الى رومانيا واكتشف نفسه وكأنه افصحوا له عن المكبوتات والمغمورات التي  اخفق في توصيلها  صلاح القصب الى المسرح العراقي . كان يفاتح أكثر من عشرين ممثلا لأداء الدور عنده لكنه يختار واحدا هو الذي تنطبق عليه في النهاية شروط الدور ومواصفاته وسايكولوجية العرض المسرحي  .  وقد انقطع مع الواقع العراقي الذي كان يحمل تأثيرات المدارس الغربية في المسرح بسبب الدراسة في مسرح الدول الاشتراكية مثل رومانيا وبولونيا وبلغاريا، وكان يريد الابتعاد عن الايدولوجيا التي تأثرت بها المدارس الاشتراكية في المسرح.
وهناك مسألة مهمة لدى القصب هي هناك اجيال متصارعة بعضها يطمح الى الجديد وكذلك هناك قضية أخرى على تفرده هي  محاولة تدمير حتى المكان في عروضه. وكان لي شرف العمل معه في مسرحية العاصفة،  وكان يفترض أن يمثل معنا المعلم الراحل قاسم محمد لكنه انسحب لأنه لم ينسجم مع طروحات القصب وطريقة تقديمه للعرض المسرحي.

مواقف مشرّفة 
الناقد حسب الله يحيى قال : –
أتوقف عند أربع محطات للقصب الأولى هي  أنا تابعت أعماله منذ البداية وراقبت تطوره واختلفت معه لكني أشاركه في نجاحه وعطائه الابداعي. والقصب وثق له اسلوبا قائما بذاته يتميز بقيمة ذاتية جمالية  وتجريدية الى حد كبير. والثانية بالرغم من انه يحمل ايديولوجية سياسية معينة رفض إخراج مسرحية زبيبة والملك في زمن النظام السابق لأنه فنان مرهف الحس واكبر من السياسي . وهو موقف مشرف يحسب له . والثالثة تتعلق بمسرحية ماكبث في كلية الفنون الجميلة أشار فيها الى استشهاد محمد صادق الصدر وهو ما لم يفعله أي فنان اخر في عهد اسود.  وقد كتبت عنه قصة قصيرة اودعتها في مجموعتي حكايات في  بلاد النهرين. من هنا
تمكن صلاح القصب من تقديم عطاء ثر  ليقف تحت نقاط المطر ولا يتبلل.
الفنان عزيز خيون وبكلمات محبة وصف القصب قائلاً :-
هو العراقي البغدادي أخي وصاحبي  بصخب الموجع بأنينه بأغنياته بشدوه بتمرده بميله الحقيقي بموقفه بخيارته الجمالية. القصب المخرج المسرحي الذي  نعتز والمسرحي الذي ما تنازل يوما عن صهوته وعن خياراته. عندما كان السباق باتجاه السذاجة وامتهان منصات المسرح ، اختار وحدته واختار عزلته وبقي يفكر بذلك المسرح في زمن الخيارات الفجة وزمن الفساد الزمن  الذي يوجعنا كلنا. نريد مسرحا يليق بهذا العراق ونصر عليه أينما ذهب . القصب مازال يمارس ذلك البناء  الخير في نفوس طلبته وأصدقائه من اجل مسرح عراقي أصيل.

فنان صاحب قضية 
احد تلامذة القصب الفنان جبار محيبس قال : –
لي الشرف أن أقف بين أستاذي القصب وأساتذتي الأجلاء وأتحدث عن القامة الباسقة صلاح القصب. واقول ان كلية الفنون الجميلة لاتكون كلية بدون عقيل مهدي وعوني كرومي وصلاح القصب . وأدعو الكلية ووزارة التعليم العالي الى اعادة القصب لننهل من علمه وفكره وتجربته الكبيرة. وقد اثر في جيل كبير كانوا تلاميذ نجباء له ولتجربته. وكان نموذجا حيا للفنان صاحب قضية ولم تخدعه المادة أو السياسة بل ظل وفيا لفنه ولمسرحه. ونحن في كلية الفنون بأمس الحاجة لخدمات هذا المبدع الكبير 

تراث المد الشكسبيري
الناقد والتدريسي رياض موسى سكران قال:-
من ذاكرة المستقبل جاء القصب ليحط الرحال على خشبة عدت ضياءاتها من حلم وضوء ولون ومخيلة كل مبدع . وشكل علامة مضيئة في المسرح العراقي . بعد تجاربه صرنا نتحدث في النقد المسرحي عن  مفهوم القراءة المسرحية. وبنى تراثا كبيرا للمد الشكسبيري في المسرح العراقي وأسس من خلاله مسرح المستقبل.  تجربة القصب ظلت تطرح اسئلة ومازالت تبحث عن اجابة، وهذه التجربة هي التي منحت تجربة القصب امتيازا وان تبقى في ذاكرة المسرح العراقي . ان جيلا كاملا من المسرحيين العراقيين قد تمثلوا تجربته في مسرح الصورة ولابد ان نعترف بأن تجربة القصب تمتلك ذلك الحبل السري الذي يؤسس للتواجد مع المتلقي في حين ان أكثر التجارب الاخرى ظلت عائمة على السطح ولم تتمكن من ان تنفذ الى الاعماق . بثقة أقول ان الحديث عن تجربة القصب  انها ذات اضافة كبرى في مسرحنا وشكلت مع نخبة من المسرحيين المربع الذهبي المضيء لمسرحنا.

خمسون دولاراً تعيدني 
الى المسرح
الفنان أنس عبد الصمد قال :-
بعد فوزي بجائزة في المسرح اضطررت الى ان أغادر الدراسة وأعود الى منطقتي في اليوسفية. وتفاجأت بان يرسل لي  الدكتور القصب عبر البريد خمسين دولارا حتى أتمكن من الصرف على نفسي وعائلتي وحينها قررت ان أعود الى دراسة المسرح التي تركتها بالرغم من انه لم يدرسني شخصيا . وأنا اشكره على هذا الموقف النبيل والإنساني . 
الدكتور هيثم عبد الرزاق قال : –
اهم ما يميز عمل القصب هوانه لايشتغل افقيا بل عموديا في عوالم غير مرئية وغير مألوفة في الأمكنة لان المكان عنده ميتا. ومن يتابعه كمن يدخل الى دربونة مغلقة و عالمه متوحد مع ذاته. صلاح لم يتأثر بأساتذته من كبار المسرحيين بل هو متأثر بحمله وبالمنصة غير المرئية التي يحاول أن يتسلقها. .
الدكتور حسين علي هارف تحدث عن علاقته مع استاذه قائلاً:-
أريد أن أقول كلمة وفاء لأستاذي القصب الذي تتلمذت على يديه في البكلوريوس والماجستير والدكتوراه وله أفضال كبيرة علي ممثلا ومخرجا . وهو صاحب تجربة متفردة في المسرح العراقي لاسيما مسرح الصورة الذي يتكون من عوالم جميلة غير مألوفة ولا مطروقة في أعمالنا المسرحية، بحيث صار معلما لها في العراق والوطن العربي.
كما تحدث نقيب الفنانين صباح المندلاوي عن اثر هذا الفنان البارع وطالب ان يطلق اسمه على احدى قاعات المسرح.

 

قحطان جاسم جواد … تصوير محمود رؤوف

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *