الارتجال السياسي فــي مسرح إبراهيم جلال (1-1)

فرض المخرج الفنان إبراهيم جلال ملكة الجدل على المسرح العراقي والعربي ، بمعنى التحاور والجدل مع النص والممثل والجمهور والواقع . ولقد ساعده فهمه لنظرية برشت للوصول الى أسلوب شعبي في المسرح تمثيلا وإخراجا كما في بونتيلا ، ومسرحية المتنبي ، ودائرة الفحم البغدادية والمسرحيات الأخرى .

 

و كان يؤكد دائما على ضرورة إبراز التناقضات الاجتماعية والفهم الصائب للعلاقة الجدلية بين القديم والجديد ، فالواقع يحمل في داخله تناقضه الحاد ، والذات تحمل شيزوفرينيتها . ومن هنا جاء حرص إبراهيم جلال على طرح الأسئلة الصعبة مثل : 
ما هو الفن ؟ وما هي المشكلة ؟ ومن هو المتلقي ؟ 
(وكان هذا هو درسي الأول في فهم المسرح في أول محاضرة يلقيها علينا جلال في الأكاديمية )
إن مواجهة إبراهيم جلال لهذه الأسئلة دفعته الى ان يؤمن بان المسرح لا يقدم أجوبة جاهزة بل أسئلة متواصلة تثير القلق لكنها تمنح سعادة الاكتشاف. 
ولهذا كان يحاول الوصول وامتلاك الأسلوب الفني المتميز في المسرح من خلال المزاوجة بين نظرية برشت الملحمية وبين واقعية ستانسلافسكيي العاطفية .وقد اخذ من برشت الجدل العقلي وأسلوب الإخراج الملحمي ومن ستانسلافسكي الأسلوب الواقعي والحس الشعبي . 
فهو لم يفهم برشت على انه قاموس لمقولات فلسفية وعقلية جامدة ، وإنما استوعبه أيضا من حيث إن هذه المقولات لا يمكن ان تصل الى الجمهور كعاطفة ثرثارة ، حتى لا يكون المسرح متحفا للشمع وألا يكون الممثل مهرجا فكها ، لهذا فان المخرج يؤكد دائما على المزاوجة بين الفكر ، والعقل وجذوة الروح .
والمتابع الواعي لعمل جلال يستطيع ان يؤشر مكونات فكره الإخراجي :
ـ يعتمد على تحليل تأويلي ، فلسفي وسياسي للنص من اجل الوصول الى فكرته الجوهرية المخفية أي الوصول الى ما وراء النص .
ـ تحمل لغته المسرحية دفقا من العاطفة ( الثرثارة أحيانا ) مما يسقط مسرحه بالمباشرة الساذجة ، والطفولية في الفن التي تدفعه الى التزينية في الديكور والفكرة والحركة اما في الواقعية الخشنة أم الحركة الثرثارة كما في إخراجه لمسرحية ( عقدة حمار) لعادل كاظم ومسرحية ( ست دراهم ) ليوسف العاني حيث لجأ جلال الى التزين الإخراجي والمبالغة في تحميل الأفكار البسيطة أكثر من طاقتها ، فمسرحية العاني تعد ساذجة ثيمة وشكلا ومعالجة ولغة ولها علاقة بمرحلتها التي كتبت فيها والتي لا تتناسب مع فترة السبعينات من القرن الماضي ، لذا فان محاولة جلال لإنقاذها وتحميلها أدت الى جعلها أكثر سذاجة .
ـ فهمَ جلال المسرح كونه عملا تركيبيا يخلقه كل من المؤلف والممثل والسينوغرافيا والانساق الأخرى التي تسهم في خلق العرض ، ولكن دور كل منهم يتحدد لخدمة تحقيق فكر المخرج ورؤاه الإخراجية .

 

د. فاضل سوداني

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *