مسرحية «الرهيب ابن الأغلب» لمنير العرقي..

 

جاء إلى الحكم بقناع الدين والورع وتحول إلى مستبد سفاح

وقام بادوار البطولة فيها كل من البشير الغرياني – صلاح مصدق- جمال المداني- حليمة داود – فوزية ثابت- شهاب شبيل – فتحي ميلاد – محمد الخريجي – الحبيب غزال – نادر بلعيد- محمد الهادي الماجري – المنصف العجنقي- جهاد يحياوي – صابر جندوبي – عبير الصميدي – نورس شعبان – حافظ زليط – المنصف بالعربية – ناجي الخضراوي -رشيد عزوز.

بطل المسرحية إبراهيم ابن الأغلب- إبراهيم الثاني – بايعه وجهاء واعيان القيروان ليلة وفاة شقيقه أمير افريقية أبو الغرانيق فرفض ان يخون ابن شقيقه ويفتك منه الحكم ثم قبل الخلافة على مضض فحوله الحكم من رجل دين تقي ورع إلى حاكم سفاح يقتل رعيته ويسفك الدماء لأجل الحكم مباشرة بعد مبايعته بسويعات حيث حكم بسجن ابن أخيه اتقاء لشره.. 

الحبكة الدرامية والتخيل الفني

طبعا تم تحويل النص المسرحي وتطويعه ركحيا بحرفية عالية لم تغب يوما عن أعمال المخرج منير العرقي وانسابت لوحات العرض المسرحي بشكل واضح وشفاف فعكست كواليس السياسة في قصر إبراهيم ابن الأغلب الثاني الملقب لكثرة خوف النصارى من بطشه “بالرهيب ” وخبايا مجالس الحكم والرغبات الجامحة والمحمومة في السيطرة على الحكم وإخماد ثورات الرعية الجائعة وقتل رموزها بجنود مرتزقة.

ان ما عرضته المسرحية يحدث في كل البلاطات ولكن بلاط “الرهيب ابن الأغلب” يتصف بحب هذا الأخير لتصفية أعدائه وأنصاره بأبشع الطرق حيث انه كان يبهر جلساءه باستنباط طرق رهيبة وعجيبة للتعذيب قبل القتل حتى لأحب الناس إلى قلبه من خاصته وحاشيته وحتى أهله فقد حكم بقتل كل بناته وعددهن 16 فتاة لأنه يرفض ان يكون أبا للبنات ولا يحب ان يكون للمرأة أي حضور ولا علاقة بدواليب حكمه ولا يقبل النقد او النصح حتى من والدته. عشق “الرهيب” للقتل والبطش والظلم جسده منير العرقي بكثير من العنف المعنوي على الركح حيث جعل شبح الموت حاضرا بقوة في كل اللحظات ويتنقل حيث يتنقل الحاكم ولعله سكن داخله كهاجس. 

قناع الدين لتحقيق الأطماع السياسية

كانت سرعة حركات الرهيب على الركح متناسقة مع سرعة ما يدور في رأسه من أفكار وبحث عن حلول للازمات التي شهدها ملكه رغم كثرة الفتوحات والغزوات التي شنها على النصارى.. هذا الأمير الذي عرف بتقواه وأوصله الورع والتخفي وراء قناع الدين إلى تحقيق أطماعه السياسية والبقاء مدة طويلة في الحكم بعد ان صفى كل خصومه وحتى أصدقاءه أكملت حركاته النص على الركح. واستطاع البشير الغرياني ان يتلبس بالشخصية إلى حد التماهي و ان يمرر للجمهور الكثير من أسرار شخصية الحاكم المحبة لسفك الدماء والتمسك والتفرد بالحكم ونبذ المختلف عنه متذرعا بالدين مختفيا وراء ضرورة نشره إلى ان يصاب بالجنون وتندلع ثورة الدراهم والجياع ويتوسع الخطر الشيعي وتشهد القيروان حمام دم أدى إلى سقوط الدولة الأغلبية لتكون نهاية “الرهيب ابن الأغلب”. والحقيقة ان وقوف البشير الغرياني هذا الممثل الذي سبق له ان تميز في عديد الأعمال المسرحية والتلفزية أمام ممثلين كصلاح الدين مصدق وجمال المداني لا يمكن إلا ان يساعده على النجاح فهذا الثنائي قادر على العطاء وعلى خلق مناخ يتحرك فيه الممثلون بأريحية وثقة في النفس حتى وان كان الدور صغيرا. 

مكملات أضاف الخصوصية التونسية 

في مسرحية الرهيب أثرت التدخلات الراقصة والموسيقى و الكوريغرافيا العرض ومكنته من خصوصية تونسية وخففت من الكابوس الذي استطاع ان يمرره الممثلون من على الركح إلى داخل كل متفرج خاصة عندما تحركت المخيلات وبدأت تقارن تلك الحقبة الزمنية البعيدة في تاريخ تونس مع ما يحدث عندنا اليوم -مع فارق بعض الجزئيات هذا أكيد – واختار منير العرقي ان تكون نهاية المسرحية مفتوحة على باب الموت يكملها المتفرج إن أراد كما يتفق له وحسب مزاجه -وان كان المصير تاريخيا واضحا – ولعل العرقي هنا خيّر ان لا يتورط في كثير من التشاؤم رغم ان التنبؤ بسوء مصير تونس إذا تمت المقارنة بين الحقبة الحاضرة والحقبة المتحدث عنها غير مستبعد باعتبار ما عقبها من أحداث.

ملابس تعكس واقع العصر 

أما ما لا يمكن تجاوزه في هذه المسرحية فهو ذلك المناخ المشرق الساطع نوره في اغلب فترات المسرحية وتلك الألوان الزاهية البراقة التي تخبر عن بهرج العصر وعلاقة تلك الحقبة الأغلبية بالجمال والبذخ والسعي إلى الكمال رغم قتامة الأحداث. أراد العرقي على ما يبدو ان يقرب الصورة التي كانت عليها الحياة في قصر إبراهيم ابن الأغلب إلى الواقع فكانت ملابس الممثلين مكملة لحقيقة الأحداث وعاكسة مقارنة بما وردت عليه صورة الرعية لنوعية الحياة ألوانها زاهية.. متناسقة وقد كلفت الكثير حسبما وصلنا من معلومات قيل ان المسرح الوطني وهو منتج المسرحية صرف عليها قرابة 40 الف دينار وهذا يعطي فكرة عن تكاليف المسرحية ككل حيث تردد انها بلغت 200 الف دينار تقريبا. والحقيقة ان نجاح المخرج منير العرقي في بعث الروح والحركة في قصر إبراهيم ابن الأغلب “الرهيب” ونقله على ركح قاعة الفن الرابع واستحضار من عاشوا فيه وفي تقريب شخصيات وأحداث ذاك الزمن من عصرنا هذا ومن أذهاننا استعراضيا ومن خلال 12 مشهدا ليس غريبا عن العرقي لأنه سبق له أن قدم أعمالا فرجوية ضخمة وناجحة نذكر من بينها عرضي “ريحة البلاد ” و”رقصة الكمنجة”.. مسرحية تستحق ان تبرمج في المهرجانات الصيفية من قرطاج إلى الحمامات.. الى بقية المهرجانات الجهوية لأنه فيها ما سيعجب الجمهور وحتى الضحك رغم الأحداث التراجيدية.

◗ علياء بن نحيلة

 

www.assabah.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *