‘ساغ سليم’.. مسرحية الفلسطيني المضحكة المبكية

عُرض في قصر رام الله الثقافي، الليلة مسرحية “ساغ سليم” التي تعبر عن حالة جماعية، تروي قصة فرد واحد يعبر من خلالها عن عشرات القصص والأحداث التي عاشها ويعيشها الفلسطينيون خاصة فلسطينيو عام 1948.



يمر ضو راسمًا ماضيه (ماضي المواطن الفلسطيني بنجاح مضحك/ مؤلم)، ومحاولا استشراف المستقبل بأقلّ قدر من التوفيق، كما يليق بأيّ فلسطينيّ، لا يعرف ما تخبّئه الساعة القادمة له، فكيف إذا كان يُعلن أمام الجمهور في مطلع العرض أنه مهاجر؟

يتحرّك سليم في هذا العرض بحرية بين الستاند أب والمونودراما والملحمية والكوميديا. خليط غريب يرفض الخضوع لتعريف محدّدٍ لأنّ لديه الكثير ليقوله. يتنقل بخفّة بين قصص الماضي المضحكة وبين تفاصيل “وفاته” وهو طفل، فيبكي ويُبكي. يتأرجح بين المرارة والحلاوة، بين المضيّ إلى أبعد ما يمكن على الصّعيد المهنيّ وبين العودة (الحتمية) إلى هدأة البال في البعنة. إنها هدأة البال اللعينة، المُشتهاة، العصيّة، تلك التي نفتقدها، نتحايل عليها، نتوهّم أنها في شُربة سيجارة أو “قعدة” مع الأصدقاء. البالُ ليس هادئًا، إنه متوعّك وهشٌّ وحائرٌ، ويُبدع سليم حين يصوغ هذا البال المُتعب بنصٍّ صادق وديناميكي ورشيق، لا يخلو من خفة الكائن المسرحي لكنه مُعتّق بثِقل الكائن الفلسطينيّ.

العرضٌ شُجاع لأنّ خيارات سليم صادقة وشفافة. لا يختبئ وراء الحكاية المسرحية كي يهربَ من حكايته، بل على العكس؛ يُغربل تفاصيل حياته غير آبهٍ بالمُفترض من نجم مثله. إنه يقف أمام المرآة عاريًا إلا من تجربته الغنية ورغبته في أن يقول لنا “جوز كلام”. يقول ويضحك، يقول ويبكي، يقول ويغضب، يقول ويفرح.

يستثني كلّ ما يمكن أن يشير إلى إنجازاته السينمائية والمسرحية، مُعلنا في النص الخبيء أنّ ما لديه ليقوله أهمّ من استعراض إنجازاته.

يتميز عرض سليم بالصّدق في كل شيء، وكأن المسرحية تقول: أيام زمان كانت جميلة ولكنها كانت صعبة وقاسية أيضًا؛ أن تكون ريفيًا فلسطينيًا أمر رومانسيٌ ولكنه متعبٌ ومنهكٌ أيضًا؛ أن تكون فنانًا عربيًا في مسارح وسينما الآخر أمر ذو شأن لكنه مصيدة ليست بالهيّنة؛ أن تكون والدًا لأربع بنات رائعات لا يعني أنك لا تبكي بالسرّ على الابن الخامس الذي رحل مبكرًا. إنها التناقضات التي تؤسّس قبل كل شيء للحالة المسرحية عمومًا ولهذا العرض خصوصًا: الصّراعات التي لا تنتهي، المشاهد المتتالية والذاهبة من موقف إلى آخر، الذهاب والإياب بين السّاغ وبين السليم.

يقول سليم في العرض “أنا اليوم بفكر إنّو إذا الواحد بعنّد وبدّو يعيش، بمُتش”، فإنه يعرف عمّا يتحدث. هذه حكمة له ولكنها حكمة حياتنا أيضًا. حكمة اللغة التي بقيت والهوية التي صمدت والبيت والشارع وموّال الحياة التي نحبّها وتحبّنا غالبًا، وتكرهنا ونكرهها أحيانًا. نحن نعيش حياة تراجيدية-كوميدية بجدارة، وسليم يرويها لنا بتفاصيلها عبر تفاصيله الغنية.

http://www.wattan.tv


 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *