مهرجان الدوحة المسرحي ومن يستحق ماذا؟

امتداد رقعة العمل وسيره في مسار واحد ولمدة من الزمن يجعلنا نميل إليه وإن غيرنا ذاك المسار، وهو ما قد يكون بشكل كلي أو من خلال مسحة طفيفة

تعكس ملامحه، وتربت على كتف الذكرى التي خرجنا بها من ذاك العمل، الذي لاشك أن تأثرنا به لم يكن من فراغ، فالاحتكاك الذي لازمنا، والتزم بالوجود معنا هو أحد أهم الأسباب، التي تُحملنا على التحدث عنه وإن كان ذلك لفترات متوترة، تماماً كما هو الحال معي الآن، بعد أن أسدل مهرجان الدوحة المسرحي بنسخته الثانية ستاره على آخر عروضه مع غرة هذا الأسبوع معلناً بداية نهاية البداية، فهي نهاية المهرجان وبنسخته الثانية، ولكنها وفي المقابل بداية لمستقبل مسرحي جديد سيخضع لعملية تطوير تليق به وبالحركة المسرحية هنا في قطر وخلال الأعوام القادمة إن شاء الله، وهو كل ما قد خرجنا به كحصيلة مُشبعة من الآمال والأحلام منه ذاك المهرجان، الذي مازلت أتحدث عنه رغم أننا قد ودعناه منذ أيام، بعد أن عملنا وبكل جد؛ لتغطيته بالشكل الذي يليق به، وتكاتفت كل السواعد من أجل تحقيق ذاك الهدف، فعملنا كخلية واحدة مُحبة لا تفكر بشيء سواه الإنجاز، الذي حققناه وبفضل من الله.

 

لقد كان مهرجان الدوحة المسرحي الذي جمع من حوله عُشاق المسرح قادراً على التقدم بخطوات رشيقة هذه المرة ودون خوف من الوقوع بتلك الأخطاء التي سبق وأن تعرض لها من قبل في النسخة السابقة، وهي الخطوة التي جاءت من بعد دراسة لكل ما كان من المهرجان الأول، الذي خُتم بوعود ذهبت كلها نحو تحقيق غاية واحدة وهي تقديم الأفضل وللأفضل من خلال الأفضل، فكانت النتيجة هي تلك التي خرجنا بها من هذا المهرجان الأخير، والذي خرج هو الآخر بجملة من التوصيات ذهبت كلها نحوها تلك الوعود الأولى، وأكدت أكثر على ضرورة الاهتمام بـ (المسرحي القطري)؛ ليفرز من الإبداع ما سيميزه وسيميز الحركة المسرحية في قطر، والتي بدأت تتطور معتمدة بهذا الميل للتطور على ما تميل إليه قطر بكل ما تسعى إلى تحقيقه كقدوة تنساق إليها؛ لتخرج بالأفضل للعالم، وتُدخله علينا.

إن التحدث عن المسرح والميل إليه هو ما يحثنا عليه حرصنا على التفكير أولاً وقبل كل شيء بما يمكن بأن نستخدمه ونوظفه؛ كي نوجه به المجتمع من خلال تقديم لوحات مسرحية تخاطب الجمهور المتفرج بلغة حركية وسمعية وبصرية توفر له فرجة تبيح الفائدة والمتعة أيضاً، فكما ذكرت سلفاً وضمن مقال سابق كان مني ومنذ زمن ليس بالبعيد، أن للمسرح قدرته على التأثير في أفراد المجتمع من حيث انه يمتلك وصفة سحرية (لا تتوافر ولا تنطبق مع الكل) تخترق المتفرج وتخرق فيه ذاك الحاجر، الذي يحجب عنه فرصة معرفة الجديد من كل ذاك الذي سيطوره؛ ليُعيد حساباته من جديد بكل ما يتعلق به، وبالأمور التي تظل عالقة في حياته تحتاج لتوجيه بسيط يمكن للمسرح بأن يقدمه له، ولا ضير بأن يفعل.

حين انشغلنا بالتغطية، التي انصهر معها كل شيء، سواه العمل الجاد، شهدنا جملة من الأعمال المسرحية، التي حقق منها (والبعض منها) ما نسعى إليه من المسرح، وهي تلك التي ظلت عالقة بالذهن؛ لتداعبه وتُذكره بها، فكانت بصمة إنجاز لمن قدمها وتقدم بها، وبصمة بارزة على جبين تاريخ المسرح القطري، وبصمة في ذاكرة المتفرج، وإن كان منها ما لم يُقدر بالشكل الذي يليق به، ولم يأخذ حقه كاملاً كما خُيل لنا بأنه سيكون.

لقد انصرف عُشاق المسرح نحو بذل الجهود الحقيقية، التي صُرفت من أجل تقديم الأعمال المسرحية التي جاءت؛ لتوازي حجم المهرجان، وهي تلك التي ظلت وبرغم تفاوتها متفقة على أمر أساسي وهو أن العمل المسرحي الهادف يستحق الظهور ضمن بيئة نظيفة خالية من الشوائب التي يمكن أن تعكر عليها صفوها، فكان أن خرجت بما قد خرجت به، وسعدنا به كما فعل الجمهور، الذي كان المتفرج والناقد والمُحب والعاشق للمسرح.

إن ما قد خرجنا به من هذا المهرجان وهو الثاني على المستوى المحلي يُحفزنا على تقديم الأفضل، والكلام بلسان كل مسرحي قد جد واجتهد بكل ما توافر له من إمكانيات، وكل ما قد وفرته له وزارة الثقافة والفنون والتراث وذلك من أجل تطوير الحركة المسرحية، وتشكيل ملامحها؛ لتبدو قطرية تتميز عن غيرها بجديد لم يكن للمسرح من قبل. حقيقة فإن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر المستحيل، وإن بدا كذلك، فالرغبة موجودة، تلحق بها أدوات رفيعة المستوى، وقدرات عالية الجودة ستساهم جميعها بتحقيق كل ما نسعى إليه، حتى وإن تطلب ذلك من الوقت ما سيتطلب.

 

كقرص الشمس

أن نسير إلى الأمام يعني أن تبتلع خطواتنا المزيد من الخطوات وبهمة عالية جداً؛ لتخجل المسافات وتنكمش من شدة خجلها من طموحاتنا الكبيرة، حتى لنصل إلى المراد الذي نحلم به، وما شعرت به موافق لهذه الكلمات التي ذكرتها هو التقدم الذي أحرزه المخرج الشاب الفنان فهد الباكر، الذي شارك بمسرحية (المزبلة الفاضلة) على هامش مهرجان الدوحة المسرحي الأول، وأجبر مؤشر السرعة والجودة على التحول عنوة نحو النصر الأكبر حين تمكن من المشاركة بالمهرجان وبنسخته الثانية مزاحماً بمسرحيته (بيت برناردا ألبا) عمالقة المسرح وضمن مسابقة المهرجان، التي ثمنت جهوده بما رأت أنه ما يليق بما قد تقدم به للمسرح (وإن كان يستحق الأفضل بحسب ما كان من الندوة التطبيقية التي عقبت العرض)، وهو ما يُحمل كل من يسعى إلى القمة بالتفكير ملياً والتركيز على الغاية التي يطمح إلى تحقيقها كما فعل الباكر، عوضاً عن صرف تركيزه على العقبات والعراقيل التي لا تأخذ حيزها إلا من رأسه. وأخيراً فإن الفوز لكل من يُجد وإن لم يَجد من يقدر جهوده سواه، وعليه فهي التبريكات الخاصة والخالصة لكل من فاز وبامتياز، ولك أيها الباكر، وفرصة أفضل لمن لم يدرك المهرجان بعد، وليوفق الله الجميع.

 

صالحة أحمد

http://www.al-sharq.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *