“الغرف الصغيرة”.. مسرحية عن حياة السوريين

يقتحم أول عرض مسرحي سوري بعد الثورة يقدم في عاصمة عربية حياةَ السوريين قبل ثلاث سنوات من خلال دراما عاطفية أبطالها ثلاثة من الشباب يقعون في الحب لكنهم يفقدون القدرة على الاستمرار بسبب الخوف والقمع واستشعارهم للغليان القادم.

وعلى مدى مائة دقيقة استمتع حضور لافت أغلبهم من الشباب بمسرحية “الغرف الصغيرة” التي قدمت على خشبة مسرح أسامة المشيني وسط العاصمة الأردنية عمان مساء الأحد، مبشرةً بالأمل في دمشق التي بدت لأغلبية قاطنيها مدينة نهائية ولم يبق لفضائها ما يناقشه سوى مسائل الحفاظ على البيئة وذوي الإعاقات وافتتاح المزيد من مراكز التسوق.

وتدور المسرحية، التي ألفها وأخرجها وائل قندور ومثل فيها وائل معوض وفاتنة ليلى وشادي علي، حول فتاة “صبا” تقضي ثماني سنوات قيد الإقامة الجبرية في بيتها تلازم والدها الذي يعاني من غيبوبة تنتظر وتراقب خسارتها لفرص العمل والحب لكنها تقع في حب مستثمرٍ في “سوبرماركت” في غفلة عن المدينة وتعيش في صراع وخوف وسط الاحتفاظ بالحبيب والسماح لها بالزواج، وترى أن “قتل الوالد الذي يمثل السلطة هو الحل”.

الحب والفوارق
هذه الحكاية تنبش في معضلة الفوارق الاجتماعية بدمشق وتذيبها إلى حد كبير، فكيف لفتاة جامعية أن تحب وتواعد شابا يعمل في “سوبرماركت” وتتفوق عليه علميا وثقافيا لدرجة أنها كانت على استعداد لقتل الأب المريض لإنجاح حبها والزواج منه بعد أن رفض الحبيب الإقدام على هذا الفعل معلنا أن القتل غير مقبول.

ومن ضمن المشاهد، التي تفتح مجالا للتأويل والإسقاطات السياسية وتمتحن ثقافة الجمهور، قيام أناس بلباس أخضر بضرب حكم مباراة قدم في ملعب العباسيين لإلغائه هدفا لفريق “الفتوة” بدعوى التسلل وتكسير الشوارع والمحال التجارية.

كما يطرح العرض المسرحي تساؤلا: “هل القتل دليل أو إثبات على الرجولة مثلما يحدث على الساحة السورية الآن؟” وآخر عن قيام الجارة “أم حسام” بالتجسس على جيرانها، في إشارة مضمرة لزرع كتبة التقارير والتهديد المتواصل الذي يشكلونه على حياة الآخرين حتى على أنبل عاطفة إنسانية.

من جانب آخر يعطي العرض مساحة واسعة للفتاة “غدير” التي أحبت شابا من غير ديانتها وهربت معه انتصارا لحبها، لكن السكين كان في انتظارها حين تلقت عشر طعنات لغسل العار الذي لحق بأسرتها، وهو ما يعرف بجرائم الشرف في المشرق العربي.

ثم إن الإشارة للفنان فضل شاكر الذي ترك الغناء وانضم للثورة السورية وتقديم ألبوم لأغانيه وامتحان مصداقية الشاب العاشق بطلب الزواج وكيفية العيش مع زوجة لم تعد قادرة على الحب، لم يأت من فراغ، بل يوحي بإسقاطات اجتماعية وسياسية.

تأمل
من ناحيته يرى مؤلف ومخرج “الغرف الصغيرة” وائل قدور أن العنوان ثانوي وأن الحقيقي هو “الاختناق حبا” ويحكي عن مدينة دمشق خلال عام 2010 في محاولة مسرحية لإعادة التأمل في الشرط الاجتماعي لسكان المدينة وطرح تساؤل مفاده: هل يستطيع هؤلاء أن يحبوا بعضهم بعضا؟  وهل يستطيعون بناء هذا الحب والاستمرار والعيش تحت مظلته؟

وقال قدور للجزيرة نت إن ما حدث في سوريا خلال العامين الماضيين سمح لنا برؤية الإنسان السوري بصورة أعمق بعيدا عن التسييس.

أضاف “حاولنا التأمل في عواطفه لنكشف في أي اتجاه تسير، فالدراما عاطفية بسيطة عن أناس يحبون بعضهم لكنهم لا يستمرون في إنتاج الحب بسبب الخوف والقمع”.

من جهتها قالت الفنانة السورية فاتنة ليلى للجزيرة نت إن “العرض المسرحي يبرز حقيقة أنه لا أحد في سوريا كان قادرا على الحب. وما قدمته هو محاولة لتقديم صورة قبل الثورة، فالشعب السوري يتطلع للحرية والخلاص من القمع الاجتماعي الذي مورس على الذكور والإناث على حد سواء”.

وأضافت أن مكونات الشعب السوري بأكمله تختزن الكثير من الخوف والقلق لكنها لم تستطع التعبير عنه قبل 2010.

ومن الجدير ذكره أن “الغرف الصغيرة” ستُقدم على مسرح دوار الشمس في بيروت يومي الخميس والجمعة المقبلين ضمن برنامج “منمنمات” مدته 30 يوما يتم خلاله استضافة فنون سورية كالموسيقى والمسرح والفن التشكيلي.

 

توفيق عابد-عمان

http://www.aljazeera.net/


شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *