عبد الله المناعي.. أحلام كبيرة وأزمنة إبداع قاسية

بمناسبة مهرجان أيام الشارقة المسرحية، أصدرت دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة كتاباً يرصد التجربة الطويلة للمبدع المسرحي عبدالله المناعي، وحمل عنوان “عبد الله المناعي.. نبض المسرح” وهو أشبه بمحاولة جمع كل ما كتب عن جهوده المسرحية، وما أجري معه من حوارات وما قيل عنه.

جاء الكتاب، الذي أعده الروائي والناقد المصري عبد الفتاح صبري، في ثلاثمئة وست وتسعين صفحة متبوعاً بملحق صور هي، بالأبيض والأسود، وجاءت أشبه بالتذكارات والحنين إلى زمن ما كان واعدا؛ واعدا برؤى جديدة وأحلام كبيرة شخصية وعامة، ومسرح كان واعدا فخرج من أصلابه مثلما من تلك الرؤى والأحلام ممثلين ومخرجين لامعين في المسرح الإماراتي، بل لا مبالغة في القول إنه تخرج من “مدرسته” رجال مسرح هم الآن من الأبرز.

البداية من الحلم

 

لقد بدأ المناعي من الحلم، وكان صغيرا ورومانسيا، أي أنه بدأ من الصفر، حيث لا شيء ولا أية إمكانية لفعل مسرحي في مدرسة القاسمية في الشارقة مطلع السبعينيات، وانتهى به الأمر أن حاز جائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون مع صديقه ورفيق دربه الممثل والفنان التشكيلي الدكتور محمد يوسف. حدث ذلك العام 2009 وكان قد بدأ مشواره العام 1972، هو الذي تفتحت موهبته المسرحية في طفولته في مدرسة القاسمية بالشارقة.

 

ما بين الزمنين، سال عَرَقٌ كثير، وجرى حبر كثير وهُدِرَ عمرٌ بأكمله على الخشبة. كان اكتساب المعارف وتنمية الخبرات والاستفادة من مخرج أو ممثل عابر أو مقيم، مهما كان حجم هذه الاستفادة بمثابة الهاجس الذي سيورثه الرجل لسواه من مخرجي الإمارات، الشبّان منهم وكذلك المقبلين إلى محراب الخشبة ولم تمنحهم أعمارهم فرصة أن يروا عبد الله المناعي على الخشبة، أو أثره في عرض مسرحي تجريبي أو غير تجريبي.

الذين عاصروه من مسرحيين إماراتيين وعرب مقيمين يرون في الرجل قامة إنسانية نبيلة أعطت أكثرت مما أخذت، وفعلت أكثر مما تحدثت وقرأت وتأملت أكثر مما كتبت، ولم تلعن زمانها حتى في أحلك الظروف، ولم تساوم على المسرح، أو تقايضه بهوى أو شغف آخر.

أبواب أيام الشارقة

مع انطلاقة أيام الشارقة المسرحية انفتحت أمامه أبواب فأصبح مرئيا ومسموعا خارج نطاق الجغرافية الضيقة وعرفه أهل المسرح عربيا، وكان مثيرا للاهتمام ،ولكثير من الاحترام والتقدير للجهد الذي قدّمه الرجل، ومَنْ معه، للمسرح وأهله وجمهوره في بلاده.

آخر مرة حاز فيها جائزة كانت من أيام الشارقة المسرحية خلال دورتها للعام 2002، وفي العام 2007 قدّم مسرحيته “غلط” في مهرجانين عربيين في الأردن والمغرب. وقبل ذلك شارك في كل المهرجانات العربية والخليجية تقريبا، وجرى تكريمه في العديد من بينها، بما يعني أن ما أصابه وأقعده عن الحركة لم يتجرأ ويصيب مخيلته، فالرجل ما زال ذلك الطفل الأول الذي دخل به إلى المسرح، وظلّ يلهو ويلعب هناك حتى زمان المسرح هذا الذي لم يعد يعجبه كثيرا ولا يرضيه، بحسب العديد من الحوارات التي تضمنها الكتاب.

الذاكرة البعيدة

وضم الكتاب أيضا لقاء أجرته معه “الاتحاد” عام 2010 في بيته بدبي، حيث لم يكن الرجل قادرا على الكلام، لكنه كان واضح الرؤية وحادّ الذهن ومتألقا، وبذاكرة صافية كان يتخيل طفولته تلك البعيدة، فتمر الصور أمام مخيلته وكأنها طفولة تحدث الآن. تحدث عن طفولته بالشارقة في منطقة غرب، وعن ألعاب تلك الطفولة التي نقلها إلى الخشبة، “التيلة” وسواها وسرد القصص والحكايا التي اخترعتها الأمهات والجدّات الطيّبات، وأعاد هو تشخيصها على الخشبة ثم تلك البدايات المسرحية الصعبة التي تحدّت قِيَما اجتماعية كانت تمنع المخيلة الفردية من الجموح وتحرم الإبداع من أي أفق للتطور، أو وتمنع عنه أي حقّ في الاختلاف. ولنسأل، بدلالة زمن عبد الله المناعي وأحلامه الكثيرة، مَنْ من المسرحيين الآن من الممكن أن يقيم “بروفة” مسرحية في منطقة رملية مكشوفة مضاءة بأضواء سيّارات الممثلين وسائر طاقم العمل؟ مَنْ لديه الاستعداد التخييلي والنفسي والثقافي للقيام بذلك الآن.

عبد الله المناعي لم يكن غائبا عن ذاكرة المسرح الإماراتي كي يأتي على ذكره كتاب، بل هي أيام الشارقة المسرحية التي تتذكّر دوما أبناءها الذين رووا شجرتها بعرق مخيلاتهم مثلما بعرق جبينهم أيضاً.

جهاد هديب (الاتحاد)-

http://www.alittihad.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *