“خلطة ورطة” تلقائية تفتقد الرؤية المتكاملة

كم تمنى المشاهدون أن يكون عرض “خلطة ورطة” مصداقاً للترديدة الشاعرية للممثل القدير سعيد سالم أثناء تأديته دور (الطباخ) “إيديني تنباس ما تنداس . . إيديني خطت من عرق حالي مواثيق المطر . . إيديني انفطمت على خلطة شرف مشغولة من نار الصبر . . إيديني صانت وحفظت ميراث أجدادي على مر الدهر”، هذه الترديدة التي تحيل على الأصالة وترمز إلى الهوية التي يمثل الطباخ الشعبي وجها من وجوهها في لحظة تهدد فيها صرعات الأكلات الغربية مطبخه الذي هو رمز وجوده، لم يستطع هذا العرض الذي أخرجه الفنان محمد العامري لفرقة مسرح أم القيوين عن نص لإسماعيل عبد الله، أن يقدم رؤية واضحة في معالجته لها رغم أنها هي الأساسية فيه .

كان العامري مخلصا لنهجه في تقديم فرجة ممتعة من خلال إبرازه لأعماق المطبخ الشعبي مع هذه القدر العظيمة المنصوبة في وسط الخشبة، وتشكيلة الطباخين الذين يتحركون حولها بلباسهم الموحد وأطباقهم ومغاريفهم العملاقة، تلك التشكيلة المتجانسة سمحت له بإنتاج مشهدية فلكلورية فيها الغناء والرقص والإيقاع، مما أضفى على المشاهد متعة حقيقية، ساندتها الطاقات التمثيلية الكبيرة لسعيد سالم وإبراهيم سالم ومحمد إسماعيل وموسى البقيشي، والحركية الجميلة لأبناء درجلك الذين هم جزء دائم في مشهدية محمد العامري، فقد كانت التلقائية في التمثيل هي بطل العرض .


الحكاية هي أن “سعيد” (إبراهيم سالم) الأخ الأكبر يتفق مع أخيه الطباخ الماهر (سعيد سالم) على إقامة مطبخ شعبي والترويج له لكي يكون أكبر مطبخ شعبي في البلد، ويقيمانه على نظام المطاعم الحديثة حيث تشكيلات اللباس المتجانسة والحجز المسبق، والبحث الدائم عن الخلطات الجديدة، وبسرعة تنهال عليهم الطلبات ويبدأ الصعود إلى درجات النجاح العليا، لكن (الطباخ) يحس بأنه بدأ يبتعد عن أساليب صناعة الأكل التقليدية التي تربى عليها وحفظتها يداه، وأصبح تائهاً بين خلطات جديدة لا يدري أين ستصل به، فقرر التوقف ويلقي بلباس الطباخ، ويعود لإزاره القديم، ليستعيد ذاته، مما يهدد المطعم بالانهيار لأن خبرة ذلك الطباخ هي عماده وهي التي أدخلت مديره الأخ الأكبر القصور وعرفته إلى علية القوم، وجعلته يعقد صفقات دولية، ويتحدث هو وأبناؤه لغة الأجانب، ويشارك في سباقات الوجبات العالمية، وخلال الكثير من الأخذ والرد، يقبل الطباخ العودة للعمل حفاظا على ميثاق الأخوة، وفي تلك اللحظة تزور لجنة من مؤسسة كبيرة المطبخ لكي تختبر جودة ما يقدمه حتى تعتمده كمطبخ عالمي، لكنّ المشكلة هي أن الورقة التي تحوي عناصر الخلطة الجديدة المستجلبة من الخارج والتي سيقدمها المطبخ تضيع، ويبحثون عنها في كل مكان، ولا أحد منهم يتذكرها، فيقعون في ورطة لا يجدون مخرجا منها .


لقد اعترف محمد العامري نفسه أن “الطبخة لم تستوِ”، وهي كذلك دراميا، وإن كانت ناضجة بصرياً وتمثيلاً، فالرؤية الدرامية مشوشة، فهل قبول الطباخ بالعودة والانجراف في عالم الخلطات الجديدة هو قبول لمسخ مطبخه؟ ولماذا عندما ضاعت الورقة لا تكون يداه اللتان (صانتا وحفظتا) هما المنجاة من الورطة؟ كان محمد العامري بحركة بسيطة يستطيع أن يخلص نفسه وطباخه الأصيل من الورطة، ويقدم رؤية درامية مكتملة، وكان أيضا يمكنه أن يتخلص من زوائد لا تقدم شيئاً على مستوى الدراما كمشاهد الإضحاك المفتعلة، وشخصية الشاب المتطرف التي كانت مقحمة إقحاما شوش المسار الدرامي للعرض، وسلك به مسالك جانبية هو في غنى عنها .

 

الشارقة – محمد ولد محمد سالم:

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *