محمود البنيان يوثق ديناميكية وجماليات العرض المسرحي

تتعانق المشهدية البصرية في فني الفوتوغراف والمسرح اعتماداً على أن كلا الفنين ينزعان إلى رصد جماليات الثبات قيمة ظاهرية، وبثّ جماليات الحركة قيمة مختزنة

 

تصدّرها الانفعالات متعددة الوجوه والأنساق لدى الممثلين على خشبة المسرح، والأمر ذاته ينطبق على الإضاءة والأزياء والماكياج وجاذبية الأداء وتوازن الكتلة في الديكور، وغيرها من العناصر التي تعمل الصورة الفوتوغرافية على نقل حيثياتها وتفاصيلها إلى الحاسة الاستعادية أو الذاكرة المتوارية لدى المسرحيين والجمهور على السواء.

وكانت خدمة هذه النوعية من الصور التوثيقية للوسائط المقروءة واضحة ومؤثرة، كونها تقدم إضافة بصرية إلى المعلومة، وتدعيماً إبداعياً لتمازج الخبر مع الصورة، وإدخال القارئ في مناخ تفاعلي بين الكتابة والتشكيل، وبين الاستحضار الذهني المجرّد، والتنويع اللوني والإيمائي في النص البصري للفوتوغراف.

وفي الدورة الحالية من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ارتأت اللجنة العليا المنظمة للمهرجان أن تمنح هذه الجانب غير الملحوظ من علاقة الصورة الثابتة بالصورة النابضة على الخشبة، ما يستحقه من أهمية والتفات، وذلك من خلال تنظيم معرض بعنوان «فوتوغرافيا المسرح»، يضّم مجموعة من‪ ‬ الصور المميزة التي برع في التقاطها المصور العراقي محمود بنيان راشد، خلال‪ ‬دورات المهرجان الماضية.

واستهل المعرض بمداخلة نقدية من المسرحي المغربي‪ ‬الدكتور حسن اليوسفي حول علاقة المسرح بالفوتوغرافيا، باعتبار أنها علاقة بين فن‪ ‬راسخ الجذور في التاريخ الإنساني، وممارسة حديثة ظلت إلى وقت قريب‪ ‬تبحث لنفسها عن شرعية الانتماء إلى عالم الفنون، متخذة من المسرح نفسه مطية‪ ‬وجسراً للعبور نحو هذا العالم‪.

‬علاقة طويلة

وللتعرف إلى تفاصيل المعرض وتتبع خيوط الشغف الواصلة بين فني التصوير والإبداعات الباذخة في فضاء المسرح، التقت «الاتحاد» الفنان محمود البنيان الذي تربطه علاقة طويلة ومتشعبة بتوثيق الأحداث المسرحية المحلية الذي أشار بداية إلى أن اهتمامه بفن المسرح يعود إلى سنوات بعيدة عندما كان يعمل ممثلاً في مسرحيات عدة عرضت في نهاية السبعينيات ببغداد، وكان من ضمن من عمل معهم المخرج الكبير الراحل قاسم محمد، واعتبر البنيان أن ولعه بالمسرح تواصل حتى بعد انشغاله بدراسة الفنون السمعية والمرئية، وكان يرى في فضاء الخشبة إغواءات فنية جاذبة وملبية لشغفه الذاتي بفن المسرح، وما يحتدم فيه من جماليات متدفقة وديناميكية جسدية، وجموح لوني وأدائي يحتاج لمن يرصده ويتعامل معه توثيقياً بشكل لا يقل إبداعاً عما هو مطروح وماثل على الخشبة.

احتفاء

وحول الاحتفاء المضاعف بمعرضه في هذه الدورة مقارنة بالدورات السابقة، وتضمنها ندوة نقدية حول علاقة الفوتوغراف بالمسرح، أشاد البنيان بالفكرة التي اقترحتها اللجنة المنظمة، وقال إن الندوة التي حاضر فيها الباحث الدكتور حسن اليوسفي من المغرب أضافت الكثير من المعارف النظرية حول هذه العلاقة الثرية بين الفنيين، خصوصاً في المفاهيم النقدية المسرحية الحديثة، وأضاف أن المحاضر قدم لجمهور الندوة وله شخصياً معلومات جديدة حول الخصوصية الاحترافية لدى المصور المتخصص بتوثيق العروض المسرحية، بالمقارنة مع المصورين في المجالات الأخرى.

المعرض

وحول التفاصيل الخاصة بمعرضه الحالي، أوضح البنيان أن معرضه الجديد هو الحادي عشر منذ ولادة فكرة المعرض في بداياته المبكرة، مضيفاً أن المعرض الحالي يوثق لعروض الدورة الثانية والعشريـن التي أقيمـت العام الماضي، بواقع صورتين لكل عرض، بما فيها الصور الخاصة بالعرض المستضاف، فكان مجموع صور المعرض 30 صورة متداخلة وقارئة لأكثر المشاهد التعبيرية عمقاً وتأثيراً في هذه العروض -كما وصفها- .

وعن آلية الانتقاء التي اتبعها لاختيار صورتين فقط تجسدان روح وثيمة العرض، قال البنيان، إن عملية الانتقاء وسط كم هائل من الصور كانت في غاية الصعوبة، ولكن انحيازه للصورة الأفضل والأمثل كانت ترتكز كما أضاف على ثلاثة أمور هي: جمالية اللقطة، والحالة الدرامية للممثل، وتعزيز الجانب التوثيقي الذي ينعش ذاكرة المتفرج ويربطه بأهم اللحظات الدرامية في العرض الذي شاهده خلال العام الماضي.

وفي سؤال حول الأعمال المتواضعة والفقيرة في جماليات المسرح وكيفية توظيف كاميرته في مثل هذه الأعمال، أشار البنيان إلى أنه كان ينتقي أبرز وأفضل اللحظات الدرامية لدى الممثلين، مع إغفال الجوانب الأخرى مثل السينوغرافيا وتأثيرات الإضاءة والأبعاد والزوايا البصرية التي ترصد مجمل التفاصيل، على عكس ما تمنحه الأعمال القوية والمتماسكة والمتوافرة على جانب كبير من الحساسية الإبداعية والرهافة الفنية لدى المخرج.

http://www.alittihad.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *