الخديوي وطليمات

قلنا سابقاً، أننا إذ نراقب صالات العرض المسرحي في الخليج في السبعينات والثمانينات، نلحظ أن المسرحيات التي قدمناها على خشباتنا وقتذاك، تكشف كثيراً من الخطوط العامة التي تعكس اهتمامات وقضايا الطبقة التي كانت ترتاد المسرح آنذاك (المد القومي، أمجاد العروبة، ربط الماضي بالحاضر).

 

وبيّنا أن أزمتنا المسرحية، تكمن في تعاملنا الكليشيهي مع الجمهور؛ بسبب عدم قدرتنا في الألفية الثالثة على تحديد جمهورنا ومعرفة تركيبته وقضاياه الأساسية (كما فعلنا سابقا)، حيث أنه لابد من أن يتفق المضمون الفكري للمسرح مع المصالح الحقيقية لجمهوره، وإلا فإن أي تناقض بين فكر المسرح ومصالح الجمهور يؤدي بصورة حتمية إلى الانعزال الراهن عن الجمهور وفقدانه!
ونضيف إلى ما سبق (حول الجمهور)، أن إشكاليتنا المسرحية بدأت أيضاً منذ أن تلقفنا – بمحاكاة سطحية – الانزياح العربي لقيم الجمال الغربية!
وكان ذلك قد بدأ (مسرحياً) مع الخطوات الثقافية الأولى التي اتخذها الخديوي إسماعيل 1830 1895، الذي كان مهووسا بالتأورب!
إذ… على الرغم من أن إسماعيل، أعطى خلال فترة حكمه دفعة قوية للذائقة المعاصرة، بتشييده دور المسرح الكبرى، فإنه يمكن القول أيضاً، أن إشكاليتنا المسرحية العربية لربما بدأت منذ أن أراد- إسماعيل نفسه- أن يستكمل مظاهر التمدن فأمر بإنشاء مسرح أوروبي؛ فشيد في القاهرة علبة إيطالية، تم بناؤها في الأزبكية، وعرفت بـ (مسرح الكوميدي)، ثم شيد دار الأوبرا، بغية إمتاع (الملك وبطانته)، فكانت اقتباساته لتمظهرات المسرح الغربي، مرتبطة بمنزلة اجتماعية رفيعة إلى حد كبير، وبعيدة كل البعد عن الجماهير، التي هي قضيتنا الأولى!
بمعنى آخر، فإن هذه المحاكاة للنموذج الغربي الجامد، الذي يصفه صاحب العقل المتوقد جان جانيه بأنه (في طور الاحتضار والموت) قد انتقلت بحسن نية إلى دول الخليج العربي عبر رائد المسرح العربي زكي طليمات.
وكان طليمات قد جاء إلى الكويت بدعوة من الحكومة الكويتية، وبتشجيع من تلميذه النجيب العم الكبير حمد الرجيب، الذي كان من أشد المعجبين بالتجربة المصرية في المسرح، وقد ألمح إلى ذلك محمد حسن عبدالله في كتابه (الحركة المسرحية في الكويت صفحة 41)، حيث أطنب في مدح إغداق الحكومة المصرية على حراكها المسرحي، بقوله في سنة 1947: «ما أحوجنا نحن الكويتيين إلى مثل هذا المسرح»… قاصداً النموذج المصري، الذي نعلم جميعاً أنه منسوخ عن التجربة الأوروبية.
ونرسو على القول، أنه ناهيك عما ذكرناه عن تعاملنا الكليشيهي مع قضايا الجمهور! فإن في مقدم (التحديات والمعوقات) التي تواجه حركتنا المسرحية الخليجية، هو (لربما) التنميط الكلاسيكي لهوية المسرح في الخليج! فيما يشبه محاولة لحاقنا لركب المدنية، أو بأفضل الأحوال لإبانة أننا نعرف المسرح كسوانا، تماماً كما فعل الخديوي قبل أكثر من مئة عام!

* أستاذ النقد والأدب
@Dr_criticism

 

د. علي العنزي

http://www.alraimedia.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *