سحر المسرح

على خشبة المسرح يتحقق الجمال والقبح، الخير والشر، الحب والكره، الانتقام والتسامح، تتحقق كل المتناقضات بتصاعدها وتواليها وتفجراتها عبر الجسد، وهو يتماهى بالأداء والتقمص حد التوحد مع الشخصية، حيث عندها يشع السحر من المسرح بكل فضائه، يتسع النص ويتمادى في إضاءة الكلمات، ويعبر الجسد عن ذاته، وعن خيال المخرج.

 

 

وفي هذه اللعبة المفتوحة على بصر المشاهد، تُعالج القضايا المختلفة في المجتمعات، ويجرب المخرجون والممثلون سبلاً وطرقاً مختلفة، لتجسيد تلك القضايا على الخشبة، من الشخصي والوجداني إلى العام، ليتحقق ذلك السحر الذي يضع الحلول للكثير من القضايا أحياناً أو يقدم الواقع كما هو أو ما يمكن أن يؤول إليه من خلال قراءة درامية عميقة، تنجز عبر الفرجة العالية الإتقان.

فسحر المسرح يعرفه جيداً أولئك الذين يتوحدون مع تجربتهم المسرحية، ليكون المسرح زادهم ومنجاتهم، منه يرون الحياة، ويقدمون رؤاهم، وينجزون الجمال ليكون حاضراً على الدوام، كي تكون الدنيا قابلة للعيش والتجريب وإعادة التجريب؛ هم العشاق الحقيقيون للمسرح، والذين لم تغرهم المناصب والأضواء الزائفة، وانبروا ينحتون تجربتهم بالكلمة والخيال والجسد.

في الشارقة، حيث تعقد الدورة الثالثة والعشرون من أيام الشارقة المسرحية، يقدم المسرحيون الإماراتيون تجاربهم المسرحية، ونتمنى أن تكون هذه التجارب على قدر المرحلة الطويلة من التجربة المسرحية الإماراتية، بظهور مواهب جديدة، وبروز التجارب المسرحية للمخرجين والكتاب والممثلين بشكل يدعو إلى التفاؤل بالقادم من أيام المسرح.

فهذا المهرجان الذي قاد الحركة المسرحية الإماراتية إلى واقعها الحالي في الاستمرار والتحقق والحضور، خلق مساحة لسحر المسرح، لأن يأسر عدداً من الأسماء التي ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والتي أخلصت صدقاً لتجربتها المسرحية، وأن ما حققته تلك التجارب من نجاحات على صعيد تكريس الحضور المتواصل المميز، والبصمة الواضحة في مسيرة المسرح، تستحق منا التقدير والانحناء احتراماً لما قدمته وتقدمه من فعل مسرحي.

ولكن بما أن هذا المهرجان لا يكفي لكي تستمر التجارب بالتوهج، ويستمر سحر المسرح حاضراً في المشهد الثقافي الإماراتي لإشباع التجربة، وتلبية حاجة المشاهد إلى المسرح، لا بد من أن يؤخذ المسرح بالحسبان في الاستراتيجية العامة للتطوير والتقدم بالدولة، بحيث يقدم له الدعم الكافي لكي يتحقق الحضور اللافت للمسرح العميق في الحياة الإماراتية.

وفي العهد الجديد لوزارة الثقافة نتمنى ألا يقتصر دورها على اختيار فرقة أو فرقتين للمشاركة الخارجية أو ورشة تدريبية، ينتهي بها المطاف بعرض لوحات فنية، وارتباط بعض المشاركين فيها بفرق مسرحية أو يختفون إلى الأبد.

نتمنى من وزارة الثقافة أن تأخذ المسرح إلى مناراته الكبيرة، بحيث تشرع في تأسيس فرقة مسرحية وطنية، يتمحور دورها في تقديم الأعمال المسرحية الكبيرة، وتوالد المواهب المسرحية على متواليات الزمن، فرقة مسرحية يقدم لها كل الدعم، لتقدم واقعنا وتاريخنا عبر رؤاها الجمالية.. فرقة تستمر ولا تنكسر بقرار قصير النظر ونفس ضيق، فرقه تستمر بالرؤى والأحلام الكبيرة، حيث ما زال وسيبقى أبو الفنون آسراً للبصر والمخيلة على الرغم من كل ما أحدثته التكنولوجيا من تطور على الشاشة.

saad.alhabshi@admedia.ae


سعد جمعة

http://www.alittihad.ae

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *