المـــســــــــرح …حيــــاتنـــــــــا

“لا شك أن العش بالنسبة للطائر ، هو بيت جيد ودافئ .. ويحمي الطائر حين يخرج من البيضة”*، ولا شك من أن يكون المسرح حياتنا وبيتنا .. فهو حياتنا بلا شك ومن دون

 

منازع حيثما نخرج إلى الحياة بشهيقها وزفيرها الصاعد والنازل .. نمثل من اجل الحياة .. من اجل البقاء الذي دائماً ما يحثنا على ان نكون بوعينا ومعرفتنا …نمثل من اجل ان نقول الحقيقة ..لا من اجل أن نكذب على تاريخنا ومنجزنا الإبداعي (المسرحي) الذي لا يزال يستوطن ذاكرتنا بحفريات (عروض مسرحية) دخلت العقل أولا ، ومن ثم الجسد ثانياً .. حفريات لنصوص وعروض مسرحية هيمنت هي الأخرى على جسد وروح الثقافة العراقية .. الثقافة الموشومة بالانكسارات والهزائم  حيث الحرب وما تجتره من موت هو من شلَّ حياتنا وتفكيرنا بما فيه المسرح الذي يصفه “بيتر بروك” بالباب المفتوح قائلاً فيه: نذهب الى المسرح  كي نعثر على الحياة، ولكن تلك الحياة يجب ان تختلف عن الحياة القائمة خارج المسرح ، إذ على الممثلين ان  يتدربوا ، ويجتهدوا  الى درجة الرغبة بالتضحية  بتدريباتهم واجتهاداتهم” ، وهذا ما لا يحدث ، ولا يريد ان يحدث إطلاقا في مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي (الدورة الأولى ـــ2012 ) بعد ان أعلن  عن ذاته بعروض مسرحية بائسة تفتقر الى مقومات العرض المسرحي  لاسيما وانه يعاني من أمراض خطيرة مزمنة  لا يمكن معالجتها بهكذا عروض مدرسية (اسكولائية) بقدر ما أُريد لهذه العروض ان ترتقي بشعار المهرجان (المسرح… حــياتنا) ، الشعار الذي لم يأتِ من فراغ ، ولا يؤول الى فراغ ، ولا أُريد هنا ان أطعن بحياتنا المسرحية التي دائماً ما تجترنا إلى ان نكون حقيقيين ومخلصين اذ لابد من الإخلاص الذي يفوق كل شيء ، وجوهر كل ذلك هو السؤال الذي يقلقنا دائماً بإجابته:  ما العمل من اجل ان نكون مخلصين حقيقيين تجاه ما نؤسس له من أفكار ، ومشاريع ، وملتقيات (مهرجانات ثقافية)  تزيد من حراكنا الثقافي المتخم هذه الأيام بحدوث مهرجانات ثقافية عراقية كثيرة نسعى من خلالها الى ان نكون على خارطة الثقافة العربية او العالمية ،لكن ما ان يصار المهرجان وتأتي بدعوة رسمية من دائرة السينما والمسرح  إلى “مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي “حتى تتغير لديك كل القيم والأعراف المسرحية التي كنا نقدسها آنذاك؟ إذ لم نعثر على الحياة كما يريد”بروك”، بقدر ما نعثر على خماسية الموت المتمثلة بـــ (النص والمؤلف ،والممثل والمخرج، والمتلقي) النص المرتجل ضمن تداخلات وتعالقات نصية (هجينة) ، وأخص هنا العرض المسرحي العراقي الذي تشرَّب  بماء (المهدي) وكأن “بروفة في جهنم” لعنة أبدية  او طاعون خطير أصاب المسرح العراقي الذي بدأ يجتر ( النص/ العرض) من هنا وهناك  بداعي الحرية والديمقراطية (التغيير) التي نعيشها اليوم ، ولكن ما ان نشاهد العرض حتى تختلط الأوراق بين النص ومغترفيه من تلاص ومناص وخلاس  رؤية .. لم يكونوا عاشقين ، او حالمين.. لم يكونوا متصوفين او طواسين بقدر ما كانوا خائبين ومشتتين بأفكار  الحرب .. هذه الأخيرة التي صيَّرت حياتهم الى جحيم لم يهدأ بإطلاق الرصاص بوجه الوطن ؟ الوطن  الحائر بصراعاتنا ونزاعاتنا المقاربة لأحلامنا وهذياناتنا  التي أصبحت نسخة طبق الأصل من حياتنا المسرحية المتخمة بالبوزة ، وسكوت الممثل، والضحك ،والتصفيق المستمر ،والكراسي الأربعة، والخطاب السياسي، وبهذا الخلط العشوائي يموت النص والعرض في آنٍ واحدٍ بداعي ما هو  حداثوي (مهمش)، وما هو متغير(تحريضي) سياسي مباشر برؤية لم تتضح معالمها لا في النص المفتوح ، ولا في العرض المفتوح مما سبب قلقاً وارتباكا واضحاً كشف لنا شخصية الجمهور المسرحي  والازدواجية التي ًيعيشها أثناء مشاهدته للعرض المسرحي ، الجمهور المتسم دائماً بالتصفيق لكل شاردة وواردة من دون مبررٌ يُذكر ، وبالتالي لم يمنحنا الفرصة لأن نعيش لحظات العرض بكل مجساته ، وثمة عروض مسرحية انمازت بأبسط من البساطة ، وفقدان المتعة والمتابعة مما شكل للجمهور خيبة أمل كبيرة في الاستمرار في مشاهدة العرض ، والخروج المبكر من القاعة لتكون لازمة في اغلب العروض المسرحية  ، لاسيما وان المسرح إذا افتقر إلى الجمهور يصبح مفتقراً لوجوده ، فالجمهور هو التحدي ، ومن دونه تبقى الصورة كاذبة ، كما يقول “بروك”  وهناك من العروض المسرحية نقف له إجلالاً واحتراماً لما قدمه من طقوس صوفية فاقت كل تصوراتنا ابتداءً من ثيمة النص المجنونة بشخصية ابن عربي ، والحلاج ، والسهروردي ، وانتهاءً بالسينوغرافيا المجنونة التي شكلت لنا وعياٌ وقراءة أخرى مجنونة مغايرة لكل العروض المسرحية التي شاهدناها .. انها لعنة” الطواسين ” لعنة التوانسة .. المتعة الوحيدة التي خرجنا بها من هذا المهرجان ,إذ لم نعثر على الحياة بقدر ما نعثر على “حيدر منعثر” وما أعدَّ من عشاء (وليمة) في اتحاد المسرحيين .. عشاء متخم بالطرب والرقص العراقي الذي حاول هو الآخر ان ينسينا همنا الحقيقي (المسرح) ، ويقنعنا بما حصل ، وكأنه يواسينا على ما جرى لنا من مصيبة مسرحية اسمها “مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي”.. يواسينا برقصات “بشرى عمور” و”حسين علي دريدا”*و (عادل تفكيكية)* و(رائد محسن) و(حيدر منعثر)، ويواسونا بأغنية “مغرورة ما تنمحي من بالِ هاي الصورة” لرضا الخياط.. طبعاً ما تنمحي من بالِ هاي الصورة ؟ لأن لذة العرض لم تكن حاضرة في هذا المهرجان بقدر ما كانت حاضرة وانا أطوف شارع المتنبي بحثاً عن “عطر”ً زوسكيند ..لعلي أشم رائحته وانتفض من جديد بعدما أصابني من نكوص وغثيان إزاء عروض مسرحية أسفنجية (متشابهة) تمتص أكثر مما تفرز ، لذة  العرض كانت حاضرة وانا أقرأ في منتصف الليل (المكتبة في الليل) لمانغويل .. الكتاب الذي اشتريته من شارع المتنبي حسب اشتهاء”محمد أبو خضير” اذ يقول فيه “مانغويل”” العالم وجد كي يُصبّ في كتاب جميل” نعم ما قرأته في الليل وانا في فندق الرمال..غرفة (205) كان أجمل وأروع من وقائع المهرجان لأن الحيــــــاة هي المسرح..

 

خالد ايما

http://www.almadapaper.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *