عمايري: المسرح أشبه بمعجزة

اعتبر الممثل والمخرج السوري عبدالمنعم عمايري، أن المسرح يمكن أن «يحقق الكرامة، ولكن لا يحقق الحياة الكريمة»، مشيراً إلى أن احتضر المسرح اليوم، نتيجة طبيعية

لاحتضار الأشياء الجميلة والجوهرية، إذ إن معظم الأشياء تتقدم بمعزل عن الإنسان». وقال عمايري، في بحث مسرحي، بعنوان «الممثل في مواجهة التكنولوجيا»، شارك في تقديمه الناقد المسرحي السوداني محمد سيد أحمد، خلال منتدى الاثنين المسرحي، الذي تنظمه ادارة المسرح في الشارقة، إن «الإنسان العربي بات مستهلكاً للتكنولوجيا الرقمية، ولم يشارك فعلياً في صنعها، بالتالي تحول إلى مجرد متلقٍ سلبي، يكتفي بردود أفعال ودهشة أمية نحو فجوة معرفية وثقافية».

 

الرقص الأكثر تطوراً

قال الفنان عبدالمنعم عمايرى، إن «أكثر ما تطور في المسرح الرقص، إذ لم يعد هناك اهتمام بالممثل في الوقت الحالي، إنما اهتمام ينصب على جميع عناصر العرض المسرحي كاملة، وأعتقد أن لا شيء يمكن تغليبه على فرادة الممثل، لاسيما في المواجهة التي يقوم بها الممثل في مواجهة «العفش» الثقيل لتقنيات تريد ان تجعل من الممثل اكسسواراً متكلماً وسط ضجة بصرية وصوتية على مساحة الخشبة». ويعتمد عمايرى في اعماله المسرحية الدخول في قضايا اجتماعية ممنوع الدخول إليها والتحدث عنها بتلك الحرية والتجرد، ليس بسبب الرقابة إنما جراء الخجل الاجتماعي الذي يحظر تداول تلك القضايا، منها الاغتصاب والحمل السفاح والعلاقات المحرمة.

وتابع أن «العمل المسرحي اليوم أصبح أشبه بمعجزة لم يعد يؤمن بها كثيرون، وهنا نطرح تساؤلات حول ما هي ضرورة الفن عموما والفن المسرحي خصوصا، في ظل المتغيرات وتقدم التكنولوجيا الغاشمة، في زمن أصبح لآلة الاستهلاك (حسب تعبيره) قطعان من عبيد، بل أصبح الإنسان صدى لحركات هذه الآلة العمياء، وهذا ما حصل في المسرح بالعالم وليس فقط المسرح العربي، من تراجع في ظل غياب دعم المسرح بعد ما يقرب من أربعة عقود من النهضة الثقافية التي أفرزت مساحات جديدة لإبداعات مسرحية، لم يبقَ منها إلا ما يدعو للحزن والتفكر في مصير النخب الثقافية».

وأوضح عمايري أن «ما يصدق في كل زمان ومكان هو المسرح وأزمته، لأنها أزمة الانسان أولاً وأخيراً، وهي أزمة تظهر بشكل صارخ على هيئة أزمة تشخيص ـ أزمة المسرح، وإذا أردنا تخصيص هذه الأزمة وتخليصها من عموميتها، سنجد تفرعات كثيرة ومتشعبة لمجموعة من الأزمات التي تتفرع عن شجرة المشكلات الضخمة، التي تجسدها أزمة لا تلبث أن تصبح في تشخيصنا عن أغصان متشابكة ومعقدة».

يمكن أن تكون هناك مشكلات في تلك الشجرة، منها مشكلات متعلقة بأزمة النص، أو أزمة ممثلين وفي أحيان أخرى أزمة متلقٍ وأزمة مال من أجل تنفيذ مشروع مسرحي واحد سنوياً على الأقل، وأضاف عمايري أن «هناك أزمات أخرى أشد حضوراً على الفنان المسرحي في مجملها، عبارة عن صراع شديد اللهجة بين الشكل والمضمون، ربما كانت النصوص التي كتبها أدباء ومنظرون عرب في سبعينات وثمانينات القرن الماضي من إرث أدبي ثقيل سبباً كذلك في تلك الأزمة».

مسرح الشارع

اكد عمايري أنه «نتيجة تلك الأزمات الموضوعية صرت اليوم مأخوذاً بمسرح الشارع، ولا أقصد هنا العروض التي تقدم على الأرصفة وفي ساحات المدن العامة، لكن بت مفتوناً بصياغتي الخاصة المستخلصة من ازدحامات هذا الشارع، كتابته وتأليفه وتشكيله على الخشبة على هيئة مقاطع حركية لها لغتها وخصوصيتها ضمن الشرط الجمالي المسرحي، مع ذلك أسعى إلى هدنة مع هذا الشارع أو جمهوره، وسعيت عبر مفاتيح الكلام المسرحي لتبيان المحنة الشكلانية لعروض قدمتها بلغة الشارع، مع الحفاظ على تضاداته ومعاكسته عبر صناعة النسخة الخاصة بي».

كما حاول المخرج الذهاب باتجاه البساطة بمعناها العميق، بالتعامل مع اللغة التي اختارها لتكون الحامل الرئيس في خطابه الجديد «اللغة ـ الكلام» واللغة الحركة، وعلى سبيل المثال في مسرحية «صدى» عمل الفنان على تقديم ممثل لا تعيقه اللغة بقدر ما تشكله وترسم حضوره على الخشبة، مشيراً إلى أن «اللغة هنا مجردة عن الحضور الإنساني، بل كان هذا الحضور هو ما أراهن عليه في ظل عالم يتغير من حولنا، إذ كان لابد من المراهنة على قدرة الإنسان في مواجهة العصر الجديد للآلة، ومواجهتها بالفنون عزلاء تماماً، بما تحمله من طاقات للممثل على العطاء حتى النهاية، وفرادة الكائن ونضجه الروحي».

واكتشف الفنان ضالته مع الممثل في حدود البشرية، وليس في تحويل هذا الممثل إلى وعاء غريب من التماهي مع التكنولوجيا، إذ كان هدفه الأول والأخير أن يجعل من كهرباء الممثل وطاقته نموذجاً مباغتاً وصادماً لجمهور العرض المسرحي، إذ كانت اللغة الاتصال لبريء عبر كتابة مباشرة للممثل تضعه أمام نوعية جديدة من الأداء وفق حذف وإضافة أزمنة البروفة إلى المعادل الكلي لزمن العرض، بمعنى آخر أن يكون العرض المسرحي بمثابة البروفة المستمرة مع الحفاظ على عدم التوقف لاستراحات تطلبها مواجهة الجمهور والحياء الأدبي في تقديم كل شيء له من الألف إلى الياء.

مسرحية «فوضى»

في مسرحية «فوضى» كانت كتابة الايقاع المسرحي المتولد من رحم الكلام، وبطريقة الشك الدائم إلى تنغيم الجمل القصيرة المحمومة التي يكتبها الفنان، تلك الجمل اللاهثة في ضمير عرض مسرحي لا يعرف الختام ولا يريده أصلاً، لذلك وضع في فوضى كل شيء في مكانه الافتراضي، مكانة الرياضي المتحول دونما هوادة، وذلك مع بزوغ أنماط متعددة أمامه من أشكال إبهار الجمهور وتعميته عن الإنسان، أختار أن يبقى على كل شيء في مساحته التي يختارها. وكانت فوضى بحسب عمايري، بمعناها النفسي لا الفيزيائي، كانت تتلاطم في علاقات متشابكة وغير منتهية، وكما توقع حقق الممثل مفازاته جميعها، فلم تقزم ولم يشعر بالغبن إزاء غطرسة ما يمكن انجازه عبر مفاتيح الآلة والتكنولوجيا، بل كان وحده ووحده تماماً يجابه عيون الجمهور وفق حساسية الضوء وفلسفته وقدرته على نحت هذا الممثل وتنظيفه من سطوة الابهار وضرورته في التعبير عن روح العصر.

 

المصدر:

    سوزان العامري – الشارقة

http://www.emaratalyoum.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *