المسرحي المغربي محمد زيطان إكليل الجبال الريفية.. صياغة درامية لمتن تاريخي

أكد الكاتب المسرحي محمد زيطان لـ الزمان أن المسرح يحتاج إلى لغة درامية، لا يكون دورها نقل الحدث، بل عليها أن تحينه وتسائله، وتنظر في أسبابه ونتائجه. وأضاف أن لغة المسرح ينبغي لها أن تكون منتصرة على الماضي باختصار، كما شدد أن المسرح لا يمكنه أن ينتعش في ظل لغة تقريرية يعشش فيها التاريخ.


وبذلك، نستضيف في هذا الحوار الكاتب المغربي محمد زيطان، لمناسبة اقتراب موعد عرض عمله المسرحي الجديد الموسوم بـ إكليل الجبال الريفية ، الذي تشتغل عليه حاليا فرقة مسرح أبينوم ، ويذكر أن النص كتبه محمد زيطان بلغة أدبية ومسرحية جميلة وأنيقة، فيها مجهود وإبداع، تتجاوز اللغة التقريرية، بتعدد الأحداث والشخصيات التي تحددها هويتها الواقعية والمتخيلة.
ومن جهة أخرى أوضح محمد زيطان أن مسرحية إكليل الجبال الريفية التي تتناول شخصية عبدالكريم الخطابي، لاتأتي فقط انطلاقا من شهرة هذه الشخصية، بل أيضا من الحس النضالي الصادق ولإيمان عبدالكريم الخطابي العميق، بأن القوة تكون في التكتل والوحدة، وليس في التفكك والتفرقة.
فضاء الريف
من جهة أخرى، أوضح الكاتب المسرحي محمد زيطان أن أحد أسباب استحضاره لفضاء الريف كفضاء؛ جاء في سياق مغامرة إبداعية، وهي مغامرة يؤكد تقوم على استكناه كل ما هو درامي في المتن التاريخي، من خلال فضاءات تخيلية للمواجهة، وتأطير مشاهد قصيرة وسريعة، أشبه ما يكون بمشاهد سينمائية، تعكس فعل المقاومة والتخطيط.
وفي ما يلي تفاصيل الحوار الذي أجريناه معه
تناولت شخصية تاريخية مثل عبدالكريم الخطابي في مسرحيتك الجديدة ومعروف أن استحضار شخصيات تاريخية يمكن أن تضغط على المؤلف اللغة التاريخية ويكون عليه عدم تجاوزها، كيف استطعت اختراق اللغة التاريخية الجاهزة؟
ــ حينما نستحضر شخصية تاريخية في المسرح، فإننا نكون بصدد قطع مسافة شاسعة بين الوقائع التاريخية وبين المتخيل الدرامي…هذه المسافة في اعتقادي لها من السحر ما يجعل المبدع الأصيل يتخلص من ثقل الحمولة الوثائقية التسجيلية التي يفرضها التاريخ ويتبنى في المقابل طرحا حيويا يتفاعل بتفاعل المكونات المسرحية في حد ذاتها، وإبراز هذه المكونات هي في اعتقادي الشخصية ثم اللغة التي لا بد لها أن تعكس الصراع والأزمات وتحمل الفكرة وتجسد في المقابل الجمال والشعرية إن أمكن ذلك أيضا… لا ينتعش المسرح في ظل لغة تقريرية يعشش فيها التاريخ. المسرح يحتاج إلى لغة درامية لا تنقل الحدث بل تحينه وتسائله وتنظر في أسبابه ونتائجه، إنها لغة تجرك في غفلة منك إلى عوالم أسطورية، رمزية، وإن كانت في حقيقتها انعكاسا لواقع محدد…لغة المسرح لغة منتصرة على الماضي باختصار.
كيمياء المسرح
كم من الوقت استغرقته منك مسرحيتك الجديدة إكليل الجبال الريفية …وهل كانت لك خطة مسبقة لكتابتها، أم أن الأمر كان يخضع لرغبة في استحضار تاريخ غير رسمي؟
ــ المدة الزمنية التي استغرقتها مسرحية إكليل الجبال الريفية لتتحقق كتابة، يمكن أن تكون سنة كأكثر تحديد، علما بأنها جاءت في سياق مغامرة إبداعية أخوضها منذ نص غجر منتصف الليل ، وتمتد على مدى أكثر من عقد وهي مغامرة تقوم على استكناه كل ما هو درامي في المتن التاريخي. سواء كان رسميا أو غير رسمي، فحينما يخضع التاريخ لكيمياء المسرح بجمالياته المتعددة، لا تهمنا آنذاك التصنيفات والتحديدات لأن الخلاصة في نهاية المطاف تكون فنية، ورسالة الفن والإبداع عموما تكون أكثر شمولية وذات هدف أعمق. إذن يمكننا الحديث هنا عن خطة مسبقة واعية بخصوصياتها ما دامت تلقى البيئة المناسبة للاستمرارية و التطور.
فضاء درامي
عرف شمال المغرب الاستعمار الاسباني ما الفضاءات التي استحضرتها والشخوص التي كان لابد منها؟
ــ الشمال يحضر بشكل محوري في جل أعمالي تقريبا، قد نقول إنه حس الإنتماء بحكم كوني ابن مدينة شفشاون الواقعة شمال المغرب. لكني أسعى من خلال توظيف فضاءات الشمال إلى محاولة إعطائها بعدا كونيا، لأن ما أرصده دراميا من أحداث وما استحضره من شخصيات يكون له بالضرورة إشعاع وصدى لدى الجمهور المسرحي والمتلقي عموما. في إكليل الجبال الريفية يحضر الريف كفضاء درامي مفتوح..منطقة أنوال، قبيلة بني ورياكل، مناطق آيت سعيد وآيت تمسمان وتافريست…ثم فضاءات تخيلية للمواجهة وتأطير مشاهد قصيرة وسريعة أشبه ما يكون بمشاهد سينمائية، تعكس فعل المقاومة والتخطيط.
أستدعي كذلك شخصيات فاعلة من الفترة التاريخية المؤطرة للأحداث، فبالإضافة إلى الزعيم الخطابي، نجد الجنرال الإسباني سلفستري والمقيم العام دماسوبربنغر مع شخصيات أخرى اقتضاها الإبداع المسرحي مثل شخصتي الماركيزة والصبية الريفية مسعودة…إن الإنفتاح على الشمال كان أمرًا مهما في مسار خطواتي الإبداعية. إلا أن حس البحث والمغامرة في سبيل نفض الغبار عن شخصيات عظيمة يدفعني إلى سفر جغرافي وحضاري وتاريخي ممتع . فأنا اليوم مستقر في منطقة سوس العالمة، ولا أكف عن النبش والتنقيب في ذاكرة المنطقة الغنية وفي طقوسها وثقافتها وفي تمظهراتها الفرجوية بفضول أنتروبولوجي أحيانا وبحس جمالي مسرحي.
إن شخصية الملكة الأمازيغية ديهيا تغريني كثيرا بالكتابة وكذلك الشأن بالنسبة لشخصية العلامة المختار السوسي…من يدري قد يكون نصي المقبل يستحضر منطقة سوس ويحيي شخصيات أمازيغية تركت بصماتها على التاريخ، وتحتاج منا إلى وقفات تأمل فنية في حياتها ومجدها ومواقفها.
كونية شخصية الخطابي
من المعروف ان من يتناول شخصية عبدالكريم الخطابي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تحضر الثورة واللاءات الكثيرة … وأيضا حالات من العصيان هل كنت أمينا في نقل ذلك؟
ــ في اعتقادي، إن شهرة الخطابي كانت نتيجة لحسه النضالي الصادق ولإيمانه العميق بأن القوة تكون في التكتل والوحدة وليس في التفكك والتفرقة. الأمر الذي قاده إلى انتصار مبهر في أنوال. ثم نتيجة لروحه الطيبة ونزعته الإنسانية المتشبعة بمبادئ الدين السمحة…لهذا جاء نص إكليل الجبال الريفية مضيئا لجوانب سامية في شخصيته، جوانب لم يذكرها التاريخ بالضرورة. لذا فقضية الأمانة في نقل ملامح الشخصية ومرجعياتها كما هي عند الجميع تبقى معيارية، لأن المسرح في نهاية المطاف يتسم بحيوية ومرونة أكثر من الواقع أو من صلابة المتن التاريخي…المسرح يسائل ويحرك الآسن كما قلت سابقا، بل يحاور ويقود إلى الدهشة والمفاجأة أكثر مما يقود إلى مجرد اطلاع سطحي على الماضي…كل هذا لإثبات أن كونية شخصية الخطابي باعتبارها رمزا وطنيا، جاءت نتيجة دفاعها عن قيم إنسانية عامة بغض النظر عن التقوقع في ظل إيديولوجيا معينة..فـ اللاءات التي تحدثتم عنها في السؤال نجدها في النص حاضرة بقوة لأنها تدخل في صميم البعد الدرامي للشخصية. إنها تعكس رفض الاستسلام، رفض التفاوض السلبي، رفض الذل. باختصار إنها تجسد موقف الخطابي الصلب من الاستعمار الإسباني، صلابة جبال الريف العتيدة.
إعادة الاعتبار للذاكرة
هل تعتقد أن مسرحيتك ستجد إقبالا وتعاطفا من طرف جيل آمن بالتغيير؟ وبناء غد مشرق؟
ــ أكيد…لأننا نعيش في واقع حركي متغير، له طموحات وأحلام وآمال ورهانات. وجيل اليوم محتاج إلى معرفة رموزه الكبرى كي تنير له الطريق ويستمد منها القيم السامية…فلا تغيير من دون أصالة، ولا تغيير من دون هوية، ولا تغيير من دون ثوابت ودعامات للكينونة حتى لا ننجرف. ومن خلال أعمالي المسرحية السابقة لامست تفاعلا جوهريا من قبل شرائح واسعة مع الطرح الدرامي الذي تقدمه، وهو طرح لا يختلف كثيرا عن نظيره في إكليل الجبال الريفية بمعنى استحضار شخصيات وأحداث تاريخية مسرحيا، لاسيما في مسرحية سيدة المتوسط التي لاقت ترحيبا من طرف جمعيات نسائية وفاعلين جمعويين وطلبة باحثين ومسرحيين…الأمر فيه إعادة الاعتبار للذاكرة مع ما تختزله من نوستالجيا ومن تكريم رمزي لأسماء قوية نفخر بها جميعا.
AZP09

 

حاوره عبدالحق بن رحمون

http://www.azzaman.com

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *