أي ربيع للمسرح في الوطن العربي؟

ورقة الدكتورة نهاد صليحة و التي نشرتها صحيفة الخليج هذا اليوم دون إذن من الهيئة العربية للمسرح و دون الإشارة إلى أنها واحدة من أوراق ندوة ( أي ربيع للمسرح
في الوطن العربي في ظل الربيع العربي؟) و التي عقدت ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة من 10 إلى 15 يناير الماضي.لذا اقتضي التنبيه و التنويه. غنام غنام . مسؤول النشر و الإعلام في الهيئة العربية للمسرح.

 

 

أي ربيع للمسرح في الوطن العربي؟

تشير كلمة ربيع في العادة إلى ميلاد حياة جيدة بعد حالة من الجدب والموات أثناء فصل الشتاء . لكن الربيع العربي، رغم مرور عامين على إطلاق هذا التعبير على الثورات العربية في تونس ومصر ثم في اليمن وسوريا – هذا الربيع العربي قد طال وتلبدت أجواؤه وأصبح أشبه بولادة متعسرة تسبب آلاماً شديدة، وقلقاً دائماً مستقراً، وتأرجحاً بين اليأس والرجاء .

 

عكس المسرح في مصر هذه الحالة: حالة التوقع والفرح الأولى، ثم أدرك أن الميلاد لن يكون سهلاً . ففي بداية الثورة في مصر، أثناء اعتصامات وتظاهرات التحرير غيره من الميادين، سادت حالة من الانتشاء والفرح التي تجلت في عروض احتفالية، وأخرى يمكن إدراجها ضمن ما تسميه كارول مارتن مسرح الواقع .

 

ففي دراسة لها في هذا الكتاب بعنوان “شهادات مجسّدة”، تصف مارتن هذا النوع من المسرح الذي اكتسب شعبية واسعة بعد 25 يناير، خاصة بين شباب المسرحيين قائلة “على صعيد الممارسة، نجد أن الكثير من المسرح الوثائقي المعاصر يكتب أثناء الأحداث التي يتخذها مادته، ومن ثم، يستطيع أن يتدخل بصورة مباشرة في صياغة التاريخ عن طريق زعزعة الحاضر” .

 

وينطبق هذا الوصف على العديد من العروض التي شاهدتها على مدار السنتين الماضيتين، رغم أن مبدعي هذه العروض لم يسمعوا عن هذا النوع من المسرح الذي ازدهر في أوروبا وأستراليا وغيرها من البلدان منذ السبعينات، والذي تعود أصوله إلى مسرح الجريدة الحية في أمريكا في ثلاثينات القرن الماضي، فقد كانت هذه العروض تهتم بوضع صور من الواقع الحي وتجارب حقيقية، حدثت أثناء الثورة على المسرح في أشكال فنية مختلفة ومن أمثال هذه العروض “حكايات التحرير” لداليا بسيوني وفرقة “سبيل”، وعرض “ببساطة كدة” لفرقة “أنا الحكاية” التي شاركت في تأسيسها سحر الموجي، وعرض “لا وقت للفن 1” و”لا وقت للفن 2”، وكذلك عرض “درس في الثورة” لليلى سليمان، عرض “تحت قمر الثورة” لهاني عبدالناصر، و”ورد الجناين” لمحمد الغيطي وفرقة مسرح الشباب، و”كوميديا الأحزان” لإبراهيم الحسيني، وغيرها .

 

وبصرف النظر عن مستواها الفني، تشترك هذه العروض جميعها في طرح إشكالية العلاقة بين الوقائع والأحداث من ناحية، وبين تفسير الأفراد لها باعتبارها حقيقة، أو واقعاً حقيقياً، كما تجعلنا نتساءل عن الدور الذي يؤديه الإعلام في تشكيل صورنا عن الذات وفهمنا للوقائع، وكذلك الفرق بين الواقع كما نعايشه ونختبره بأنفسنا من خلال تجارب مجسّدة، والواقع كما يصلنا عبر الكتابة الإبداعية وجماليات العرض المسرحي .

 

ويختلف هذا النوع من المسرح، أي مسرح الواقع المعاصر المعاش والشهادات الحية، عن المسرح الثقافي الذي عرفه العالم العربي في فترة سيتينات القرن الماضي، فهو مسرح يواكب الحدث الذي يتخذه موضوعاً، ولا يستحضر أحداثاً من الماضي بعد مرور سنوات عديدة من خلال الوثائق، كما أن أبطاله يتحدثون بأنفسهم عن تجاربهم أو يتحدثون بألسنة غائبين من أصدقائهم عايشوا تجاربهم .

 

وقد استمرت هذه الحالة من الانتشاء لبضعة شهور قليلة بعد انهيار النظام، لكن سرعان ما تكشف لنا أن الميلاد الجديد، الموعود، لن يكون سهلاً، إذا بدأت الصراعات والصدامات بين القوى السياسية المختلفة، وعكس المسرح أيضاً هذا الإدراك في عروض الشباب الذين شاركوا في الثورة .

 

لقد أدت تلك الصراعات والصدامات إلى نضوج في الفكر، وبدأ الفنانون يتأملون ثورتهم في ضوء تاريخ الأوطان، وفي ضوء ثورات أخرى قامت باسم الحرية وانتهت بظهور دكتاتوريات أخرى بديلة في ثياب وأقنعة جديدة، ولعل أهم عرض جسّد لنا هذا الإدراك كان عرض “ايزيس مون آمور” لمحمد أبو السعود .

 

لقد خلّفت الثورة ذلك التماس بين الفرد كفنان والفرد كمواطن، فبرز مفهوم المواطن/ الفنان/ المؤدي/ الناشط، فنجد ليلى سليمان في برنامج عرضها “دروس في الثورة” تصف نفسها وفريقها بأنهم نشطاء فنيون، وأدى هذا إلى استعادة الدور الثوري لفنون الأداء التي ازدهرت خلال العامين الماضيين في مجالات الموسيقا والرقص والحكي والتمثيل واشتركت بعض الفرق الموسيقية مع الفرق المسرحية في تقديم عروض تعتمد على الأغنيات المعبّرة عن الثورة جنباً إلى جنب مع أداء بعض الاسكتشات، أو إلقاء بعض القصائد الثورية، أو تقديم بعض الشهادات الشخصية عن تجربة الثورة، كما نجد في عرض “انفجروا أو موتوا” لفرقة المسرح البديل في الإسكندرية وفرقة مسار الموسيقا، وعرض “تحت قمر الثورة” لفرقة هلوسة، وعرض “حكاية ميدان” لعمرو قابيل، وعرض فرقة حمادة شوشة “أمسية احتفالية على شرف الثورة”، وغيرها .

 

وجدير بالذكر أن كل العروض السابق ذكرها قدمتها فرق مسرحية مستقلة . والحق أن المسرح المستقل في مصر كان سباقاً في مواكبة الأحداث بعروضه، وكان عاملاً أساسياً في بروز مهفوم المواطن/ الفنان/ الناشط، وذلك لأن شباب هذه الفرق كانوا جزءاً أساسياً من المجموعات التي قادت مظاهرات واعتصامات التحرير التي أدت إلى إسقاط النظام .

 

ولا ينبغي أن نتوقع الآن نصوصاً درامية عميقة ومركبة، ترصد ما يحدث في موضوعية وتعمق، اللهم إلا باستثناء نص محمد أبو السعود “ايزيس مون آمور”، وهو نص عرض بالدرجة الأولى، ولا يكتمل معناه إلا على خشبة المسرح في حضور العناصر الأخرى، خاصة العنصر الفيلمي والعنصر الموسيقي الذي يمزج الإنشاد الديني الإسلامي بالترانيم المسيحية، ويضع العصور الماضية جنباً إلى جنب مع الحاضر الذي يجسّده الممثلون على خشبة المسرح، وذلك عبر المادة الفيلمية الوثائقية أو المبتكرة .

 

قد تكون معظم العروض الأدائية العديدة التي قدمت على مدار العامين الماضيين ذات قيمة وقتية، فقد تزول بزوال الظرف التاريخي، لكن على الجانب الآخر يمكن القول إن هذا الزخم المسرحي لا بد أن يفرز في المستقبل كتاباً وفنانين ينتجون أعمالاً لا تفقد قيمتها بمرور الزمن .

 

إن التحاق الفنان/ المؤدي/ الناشط بمجموع الشعب إبان الثورة قد أذاب الفروق بين الأداء الفني والأداء الثوري . وقد تجلى هذا في عدد من الفعاليات الفنية المستمرة، لعل أهمها فعالية “الفن ميدان”، وهو شعار يوسع مجال الفنون الأدائية، ويخرجها من الأماكن الآمنة إلى ميادين الفعل الثوري، بحيث يتحد الأداء الثوري بالأداء الفني، وتستعيد فنون الأداء قيمتها وفعاليتها السياسية والاجتماعية . ولعل هذا ما سيحفظ فنون الأداء من الاندثار في ظل الأنظمة المعادية للفنون، وخاصة فنون الأداء، باسم الدين .

 

 

د . نهاد صليحة

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *