مهرجان المسرح العربي يقدم تجارب ناضجة في الدوحة

أصبح مهرجان المسرح العربي الذي تقيمه الهيئة العربية للمسرح ومقرها الشارقة سنوياً في إحدى عواصم الدول العربية مرآة عاكسة لواقع المسرح العربي،

 

 

 

وحافزاً للمسرحيين على تقديم عروض ذات صبغة عربية تجتهد في أن ترقى إلى مستوى خطاب عربي جامع، خاصة بعد إضافة جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي التي شهدت دورة عمّان في الأردن نسختها الأولى، ووصل عدد العروض المقدمة لها في نسختها الثانية 90 عرضاً، كما يدل التعاون الذي تقيمه الهيئة مع المؤسسات الرسمية والأهلية في البلد المضيف على أن العمل العربي المشترك لا بد أن يثمر نتائج إيجابية .


جاءت الدورة الخامسة من هذا المهرجان التي احتضنتها الدوحة في ما بين 10 و15 يناير/كانون الثاني الجاري، ثمرة التعاون بين الهيئة العربية للمسرح ووزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر، وشهدت أنشطة متنوعة لا شك أنه سيكون لها أثر في أعمال المسرحيين الذين حضروها وشاركوا فيه وعلى الساحة المسرحية القطرية نفسها، بدءاً بالعروض وورش السينوغرافيا والإخراج والأزياء والأداء، والندوات الفكرية، واللقاءات الحوارية بين مبدعين مسرحيين لهم تاريخهم الطويل وبين الأجيال اللاحقة عليهم من شباب المسرح العربي، هذا فضلاً عن الفائدة الكبرى من عرض 9 مسرحيات تحمل مناخات ثقافية غنية ومتعددة بتعدد جغرافيا الوطن العربي .


تسمح العروض التي قدمت خلال المهرجان بالقول إن المسرح العربي قد بلغ مستويات متطورة من النضج، وأنه لا تعوزه الأفكار ولا الاطلاع على التجارب التي وصل إليها العالم وهضمها والاستفادة منها، فأغلب العروض جادة تحمل رؤية وتريد أن تقول شيئاً، ويقف وراءها وعي إخراجي باحث عن التميز، وقد تجاوزت تلك العروض محطة العرض الدرامي التقليدي إلى مرحلة الاستفادة مما توفره التقنيات الحديثة على مستوى السينوغرافيا خاصة في الإضاءة وتشكيل المكان كما يظهر في “مندلي” الكويتي و”صهيل الطين “ الإماراتي و”باسبورت” العراقي، وكذلك على مستوى تعدد الوسائط في العرض المسرحي، كإدخال الصورة والفيديو والتسجيل الصوتي وشريط الكتابة الرقمي، كما في عرضي “امرأة من ورق” الجزائري، و”انفلات” التونسي كذلك استفادت من الفنون المجاورة كالرقص والموسيقا والغناء والتشكيل وفن تصميم الحركة كما في عرض “تمارين في التسامح” المغربي، وبذلك يمكن القول إن الحركة المسرحية العربية هي في العمق من الحركة المسرحية العالمية الحديثة .


تسمح العروض أيضاً بإبداء ملاحظات عدة على ما يقدم على خشبات المسرح العربي، منها أن هناك حاجة إلى أن يعي بعض المخرجين كيف يمكنهم الموازنة بين مقتضيات العمل الدرامي المسرحي وحدود الاستفادة من الفنون المجاورة له ومن عناصر السينوغرافيا، فلا شك أن عرض “تمارين في التسامح” هو عرض نابع من بحث جاد عن رؤية إخراجية جديدة تستفيد من عناصر الرقص وفن تصميم الحركات الذي قدم فيه الممثلون لوحات مميزة، وكذلك الموسيقا التي ظلت مصاحبة للعرض، ثم فن الحكواتي والفكاهة، فكل تلك الفنون استفاد منها العرض، وحشدها المخرج داخل خشبة واحدة وبتناغم جميل، لكن ذلك كان على حساب الرؤية الدرامية التي لم تكن واضحة، بل لم تتأسس على حكاية واحدة، وبدلاً من ذلك اعتمد المخرج على الشعر والبوح الذي يحفزه حشد نماذج اجتماعية متناقضة على منصة واحدة، وغاب عنصر الصراع الدرامي الذي يتصاعد نحو نهاية معينة، مما يعني أن الفنون المجاورة للمسرح لا يمكن أن تغني عن البناء الدرامي للعرض، ومهما كانت عبقرية المخرج في توليف فسيفساء فنية فإنها ستظل فارغة بغياب ذلك العنصر الباني في العرض المسرحي .


وترتبط بهذه القضية ملاحظة أخرى تتعلق بما يقوله النص المكتوب وما يريده المخرج، فكثيراً ما يقع المخرج في شرك النص فيقدمه من دون تعديل أو تغيير على رؤيته، وبعض النصوص مركب يحتاج إلى تأويل عبر رؤية إخراجية مبسطة تستنطقه من خلال عناصر العرض لتفك بعض رموزه، كما هو حال نص جواد الأسدي “مندلي” الذي يحتاج إلى تفكيك وإعادة صياغة وقد أرهق المخرج الكويتي عبد الله التركماني عرضه بمحاولته تقديمه في تركيبيته، وبعض النصوص ذات أصول سردية، فيحتاج المخرج عند تقديمها إلى أن يتخلص من سرديته ويلقي تلك الصفحات الطويلة القائمة على تقنيات رواية الأحداث، ليقدم عرضاً حوارياً درامياً نشيطاً ومتصاعداً، ومثال تلك النصوص السردية النص المقتبس من رواية واسيني الأعرج “أنثى السراب” .


بعض النصوص الأخرى امتلكت بناء درامياً محكماً، لكن النهاية التي تصل إليها قد لا تخدم طرحها الأساسي، وهو حال نص الكاتب الراحل عصام محفوظ “الدكتاتور” الذي قدمته الفرقة اللبنانية، وفاز عرضه بحائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض متكامل، وهو فوز مستحق، فقد كان عرضاً رشيقاً سلس البناء، وكانت عناصر السينوغرافيا فيه متقشفة، لكنها متآلفة ومعبرة، وقد ظل يتصاعد في اتجاه تقديم رؤية تجعل الجنرال قائد الثورة نسخة طبق الأصل من الملك المتسلط، وفي النهاية يتوهم الجنرال أن خادمه هو الملك، ويصدق الخادم الوهم فيتقمص شخصية الملك، فيقتله الجنرال، وكان على المخرجة المبدعة لينا الأبيض أن تنتبه إلى أن تلك النهاية لا معنى لها في سياق العرض .


من الملاحظات المهمة أيضاً في عروض المهرجان أن أغلبها قدم بلغة محلية مغرقة في المحلية، وقد وجد الكثير من المتفرجين صعوبات في فهم الحوارات وفقدوا أحد أهم عناصر التواصل مع العرض وهو اللغة، ومن المفروغ منه أن عناصر الفرجة قد تساعد المشاهد على فهم الرؤية التي يقدمها، بل قد يستغنى بها عن الحوار في العروض القصيرة والاسكتشات الصامتة، لكنها مهما ارتقت فلا يمكن أن تكون بديلاً عن الحوار في عرض مسرحي متكامل متعدد المشاهد، فالحوار والكلام عنصر بناء في العرض المسرحي لا يمكن الاستغناء عنه، ولهذا فمن الضروري إيجاد محفزات ووضع شروط تجعل العروض التي تقدم في مهرجان المسرح العربي تقدم بلغة قريبة من الفصحى قابلة لأن يفهمها الجميع، أو بالفصحى إذا أراد أصحابها ذلك .

 

الشارقة – محمد ولد محمد سالم:

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *