فى الدورة الخامسة لمهرجان المسرح العربى ” الديكتاتور” يقتنص الجائزة …. ومصر تكتفى بالمشاهدة

على الرغم من عدم مشاركة مصر بعرض ضمن مسابقة مهرجان المسرح العربى الذى أقامته الهيئة العربية للمسرح هذا العام فى الدوحة ، إلا أن الوفد المصرى كان من أكبر

 

 

 

الوفود المشاركة فى المهرجان ،( سميحة أيوب ، فتحية العسال ، د. نهاد صليحة ، نور الشريف ، أشرف عبد الغفور ، ناصر عبد المنعم ، خالد جلال ، وكاتب السطور ) .. بل وشارك ناصر عبد المنعم كعضو فى لجنة التحكيم ، وأختيرت كل من فتحية العسال ونهاد صليحة ضمن المكرمات من المبدعات العربيات فى إحتفالية كبرى أقيمت بالمهرجان تحت عنوان ( 2012 عام المرأة فى المسرح العربى ) . وأختير الفنان خالد جلال كمشرف عل ورشة النصوص المكتوبة للكبار والتى فاز بها مصريان ( أحدهما لأب سودانى ) . وشارك كاتب السطور فى إدارة لقائين صحفيين للمبدعات العربيات ، ضمت الأولى ( زهيرة بن عمار – تونس ، وسمر محمد – العراق، وصونيا – الجزائر) وضمت الثانية ( فتحية العسال ونهاد صليحة – مصر ، و راندا الأسمر – لبنان ، وسامية بكرى – فلسطين ) .

فى الطريق إلى الدوحة كنا نساءل بعضنا البعض ” لماذا أستبعدت العروض المصرية من المسابقة ” فى الوقت الذى يحتفى فيه المهرجان بمصر وفقا للإختيارات المذكورة سابقا ؟ . وهناك بذلت جهدا لمعرفة السبب ، وحين عرفته بطل تعجبى ،فالعروض المتقدمة للمسابقة كانت ستة وتسعين عرضا من بينها العرض المصرى ” ليل الجنوب ” للمخرج ناصر عبد المنعم ، إلا أن لجنة الفرز النهائية والتى فرض عليها إختيار ثمانية عروض فقط ، رتبت عرض ناصر عبد المنعم فى الترتيب الحادى عشر ، مما يقر بأنه عرض جيد  لكنه لا يدخل ضمن العروض الثمانية . وظلت هذه الإجابة مشوبة من ناحيتى بتوجس حتى شاهدت -وشاهدنا جميعا – العروض المشاركة من الإمارات، وتونس، ولبنان، والمغرب ، والكويت ، والعراق ، الجزائر ، بالإضافة إلى عرض قطر ( الدولة المضيفة ) والذى يحق له المشاركة فى المسابقة دون المرور على لجنة الفرز ( وفقا للائحة المهرجان ) . وحينها تيقن كل منا أن لجنة اختيار العروض كانت محايدة وموضوعية لدرجة كبيرة . بل إن جميع المشاركين – بمن فيهم الأخوة القطريين –  أقروا بأن العرض القطرى كان ضعيفا لدرجة لم تكن تسمح له بالمشاركة لولا أنه عرض الدولة المضيفة .

تسعة عروض مسرحية تناوبت على مسرحين ( الوطنى القطرى ) و ( كاتارا ) ، والأخير مسرح شيد ضمن مدينة ثقافية كبيرة إتخذت من الاسم القديم لقطر – كاتارا – عنوانا لها ، وتضم إلى جانب المسرح دارا للأوبرا ، ومكتبة ، وقاعات للندوات واللقاءات … وغيرها .

ثريا جبران … حضور رغم الغياب

فى الإفتتاح فاجئتنا مذيعة الحفل بخبر وقع علينا كالصاعقة ، وهو إعتذار الفنانة المغربية ” ثريا جبران ” عن الحضور لدخولها المستشفى بعد أن خذلها قلبها بعد مشوار مسرحى طويل ، الأمر الذى إضطر إدارة المهرجان أن تستعين بتسجيل ( صوت وصورة ) لثريا تلقى جزءا من كلمة المسرح العربى من فوق فراش المرض ، ثم استكملت القراءة على الخشبة الممثلة اللبنانية ” راندا الأسمر” . وقد كانت كلمة صادقة ومؤثرة استحقت تصفيقا طويلا كان منها : ” ….. واليوم ، فى الزمن العربى الجديد، فى ربيع الإنتفاضات ، نتذكر المسرح كما تذكّرشبابنا الأغانى والأناشيد ، والرقص والتجمع والتظاهر والهتاف . وسيكون علينا أن نبدع مسرحا عربيا جديدا يتجاوب مع الروح العربية الجديدة ، على ألا يكون مسرحا سريعا وخطابيا وشعاريا ، فلا مجال لمسرح المناسبات والمواسم . ”

الممثل .. سيد الخشبة

كانت الملاحظة الأساسية أن أغلب العروض – باستثناء عرضى الكويت والإمارات – تعتمد على الممثل كأداة أساسية وسط خشبة عارية إلا من قليل. كذلك جاءت أغلب العروض تتميز بقلة عدد الممثلين الذى وصل فى عروض لبنان وتونس والجزائر إلى إثنين فقط ، بينما زاد قليلا فى عرض ( كان يا مكان ) المحسوب على لبنان وتونس معا والمعتمد على الحكى ، وجاء بعده، من حيث عدد الممثلين،  العرض العراقى ( باسبورت ) .

لكن يبقى أن العروض جميعها إشتغلت على فن الممثل وعلى العودة من جديد إلى شعار ( ممثل ومكان وجمهور … ذلك هو المسرح ) .

كذلك لاحظنا أن أكثر من عرض إعتمد على ( الإعداد ) سواء عن رواية كالعرض الجزائرى ” إمرأة من ورق ” المأخوذ عن رواية الكاتب واسينى الأعرج ” أنثى السراب ” … أو كان إعدادا عن نص مسرحى عربى قديم كالعرض اللبنانى ” الديكتاتور ” الذى كتبه الراحل عصام محفوظ  عام 1968 ، وحولته مخرجته ” لينا الأبيض ” ليوافق إمرأتين بعد أن كان مكتوبا لأثنين من الرجال ، الأمر الذى وسع من مساحة دلالة العرض وكشف عن قدرات إخراجية وتمثيلية منحته حق الفوز بالجائزة الوحيدة التى يمنحها المهرجان حسب لائحته .أو كان الإعداد عن نص عالمى ، كالعرض الكويتى الذى كتبه جواد الأسدى منذ سنوات طويلة عن النص الشهير لجورج بوشنر ” فويتسك ” وحول فيه الجندى فويتسك إلى الجندى العراقى ” مندلى ” .

لكن الملاحظة التى اتفق عليها الجمهور وأكد عليها تقرير لجنة التحكيم الذى قرأته المخرجة العراقية ” عواطف نعيم ” هى ضرورة تقديم كل عرض على يومين وليترك اليوم الثانى للجنة التحكيم ، فبعض العروض ظلمت ظلما بيناً من جراء زيارتها للخشبة ليوم واحد ، وهو ماتجلى فى العرض العراقى ” باسبورت” والذى كان قد شاهده الكثيرون فى بغداد وفوجئوا بترهل إيقاعه فى قطر بسبب غياب الكثير من المؤثرات الإضائية التى أثرته هناك .

الديكتاتور … ينتصر

حين وقف الكاتب القطرى المخضرم ” عبد الرحمن المناعى ” ، رئيس لجنة التحكيم ، يعلن فوز العرض اللبنانى ” الديكتاتور ” ضجت الصالة بالتصفيق والصراخ فى تظاهرة نادرا ماتحدث فى المهرجانات عموما والمهرجانات العربية خصيصا ، فالعرض نال استحسان كافة المشاركين فى المهرجان بمن فيهم أعضاء الفرق المنافسة ، بل وظل الجميع طوال ليالى المهرجان يقيسون فيما بينهم كل عرض يشاهدونه على عرض ” الديكتاتور ” ، كم يقترب منه وكم يبتعد . الأمر الذى جعل من ليلة ما قبل الوداع ليلة الإحتفاء بفوز عرض ، سبق وأن منحه الجمهور جائزته قبل أن يعلنها المحكمون.

إمرأتان وخشبة عارية – إلا من القليل – هى كل مقومات عرض ” الديكتاتور ” الذى جاء إلى المهرجان ممثلا عن الشقيقة لبنان .

المرأتان تملآن الخشبة حركة وصخبا ، لا يحدهما سوى ستة مكعبات خشبية بيضاء ، وأربعة من العواكس المعدنية .يدخلان وسطهما فى عراك أدائى مبهر و بإيقاع منضبط  يتراوح مابين الصمت والصوت والحركة .

وربما لا يعرف الكثيرون أن النص الذى كتبه الراحل العظيم ” عصام محفوظ ” كتب لرجلين ، إلا أن القديرة ” لينا الأبيض ” حولته ببراعة ليلائم لسان إمرأتين ( جوليا قصار و عايدة صبرا )  تعيشان وهما يوميا فى مكان مغلق ستظل تتساءل عن طبيعته طوال العرض ، هل هو مصحة للأمراض النفسية ، أم منزل مغلق بإحكام على سيدة وخادمتها يمارسان يوميا لعبة التوهم تحسرا على غياب زوج كان يعنى للسيدة الكثير ؟

فى النص الأصلى الذى  كتبه عصام محفوظ في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً عام 1968 ،جاءت شخصية الديكتاتور ( الجنرال ) شخصية مضطربة نفسيا يحيا فى غرفته المغلقة يزاول وهما يثريه نفاق خادمه ( سعدون ) الذى يشبه المرآة المقعرة يضخم من حقيقة سيده ويسمعه مايحب أن يوصف به ، فهو الأطول والأجمل والأكثر رجاحة من كل العالم ، بل إن سعدون هو الذى يتصل بالآخرين عبر الهاتف ينقل إليهم أوامر الجنرال الذى يعتقد أنه يقود ثورة هدفها الإطاحة بالملك حتى ولو كلفته سجن كل الشعب وقتل كل معاونيه من الضباط والجنود .

وهى الصفات التى ستبقى فى عرض لينا الأبيض مع إضافة أن ما نراه ليس إلا تمثيلا أو لعبة تلعبها إمرأتان ( ربما يوميا ) إنتقاما من ملك قتل زوج السيدة بحسرة الإنتظار . وهنا تحديدا يتجلى التحدى الأشد للمخرجة ومن بعدها الممثلتين ، إذ كيف سيحافظان على ذلك الخيط الرفيع الذى يبرر لعبة السيدتين دونما أن تطغى اللعبة على الرسالة الأساسية للنص وهى فضح الديكتاتور ( جنرالا كان أو مدنيا ) ؟ … وهو التحدى الذى أظن أنهم – المخرجة والممثلتان – قد نجحا فيه نجاحا كبيرا. فالخروج من اللعبة ومعاودة الدخول إليها محسوبا بدقة ، تكفيه فقط  تنهيدة ممثلة أو خلع الرداء العسكرى عن الأخرى. ومابين الدخول والخروج ستنسى تدريجيا سؤالك عن المكان الذى يجمع المرأتين.. مصحة هو أم منزل؟ . لكنك ستتعاطف مع الإثنتين لإحساسك بأنهما يعانيان حزنا متراكما وصل بهما إلى هوة جنون يمارسانه تمثيلا كل يوم .

اللعبة تتأكد حين ترى الجنرال ( المتوهم ) يرتدى فردة واحدة من الحذاء ، ولكنه بالطبع حذاء إمرأة ، فيزيد ذلك من تشوش الصورة التى يحاول أن يرسمها له خادمه سعدون ، بل إن الفردة الواحدة تجعل مشيته أقرب إلى العرج بما يتناقض مع ما يتصوره عن نفسه كفاتح عظيم ومخلص للبشرية من ظلم الملك . كذلك ستتأكد اللعبة حين تتحول المكعبات الخشبية لتصبح عبر الحركة إما عرشا أو سريرا أو مقصلة إعدام ، واللعبة تتأكد حين نرى الهاتف الذى ينقل عبره الديكتاتور أوامره إلى جنوده مربوطا بحبل فى وسط الخادم سعدون ، واللعبة تتأكد حين تكون العواكس المعدنية مقعرة لتنقل صورة الجنرال والخادم بتكبير لا يعكس حقيقتهما الجسدية .

لكن اللعبة ستنقلب على اللاعب حين يعترف سعدون أنه الملك وأنه وقع أسيرا فى يد الجنرال ، وبالتالى فمن حقه أن يعامل كملك لا خادم، وأن على الجنرال أن يمسح له حذائه لا العكس . بل وستنتهى اللعبة قصرا حين يصر الملك على أن يقتله الجنرال رغبة فى التطهر ، وهنا تحديدا سيغيب الجنرال والملك فى سواد المسرح لتعود المرأتان إلى حقيقتهما الأنثوية ، تجلسان على أرض الغرفة منهكتان غارقتان فى حزن أبدى يبدو أن لا نهاية له . وربما حينها ستتذكر سؤالك عن من تكونان وعن المكان الذى تعيشان فيه وسيزداد مع سؤالك شعورك بالتعاطف معهما.

المسرح المصرى …إلى أين ؟

لا يبقى لنا الآن سوى السؤال ” مسرح مصر أين ؟ ” … بل وعلينا أن ننفض عن أذهاننا تلك الشوفينية التى ماتزال ترى أننا الأفضل وأننا نستحق المشاركة أيا ما كان المستوى ، علينا الآن أن نستفيق من غيبوبة ” الريادة ” التى إكتفينا بها دون أدنى محاولة لإعادة النظر فيما وصلنا إليه ، علينا الإعتراف بأننا لم نعد نعطى المسرح ما يستحقه من جهد وعشق وصبر … فهل نعمل منذ الآن لتدارك الخطأ ، أم ستأتى الدورة السادسة والمفترض أن تقام فى الشارقة لنفاجىء أننا أيضا نشارك بها كمشاهدين فقط ؟ .

 

الدوحة :  محمد الروبى

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *