(ضجيج).. على مسرح طرطوس!!

في أزمنة أقل ما يقال عنها إنها قتلت كل شيء جميل فينا، وأكثر ما يقال فيها إنها أزمنة الخبث والمكر والجنون بأشكاله كافة، وأصدق توصيف لها أنها أزمنة الكفر بكل شيء

إنساني، أزمنة التنكر لذواتنا التغرب عن أنفسنا ووطننا وأهلنا والآخرين.. التغرب وسط ضجيج ونعيق وصخب هذه «الحضارة» – «المتخلفة».. الزائفة..
تبزغ واحة من الحب والحلم والرومانسية ذلك الركن الذي يشي بعش الزوجية الهانئ هما الزوجان المتحابان عمران وزوجه اللذان وسط هذا الكم المادي الهائل من الوشائج والعلائق الإنسانية المتداخلة نما حبهما وتوج زواجاً بحياة متواضعة وشاها فقر مترف الحب وحياة شحيحة الترف عبر عنها الديكور البسيط الذكي الذي تم تصميمه: سرير جدار بنافذة أمل وحيدة مدفأة ورد حديقة وأرجوحة حنان أضفت للمشهد لمسة حلم ورومانسية.
الزوجان يتحدثان عن الماضي والحاضر والمستقبل… يتحابَّان يختلفان يتقاربان يتنافران يحلمان عن البحر والحوريات عن المبادئ والقيم عن الذكر والأنثى المرأة والرجل ثم يعودان للحب والحب فقط..
ولكن في مكان آخر من المدينة ثمة أناس آخرون بهموم أخر فها هو طالب الجامعة الذي يعمل ليكمل دراسته وطالبة الجامعة من أسرة متوسطة وخلفية متواضعة تستغل أبشع استغلال من المحيط الذكوري..
وهناك حيث الأنفاق العفنة والزوايا النتنة والأكواخ المهترئة كنفوس ساكنيها والتي عششت فيها النفوس المريضة والأرواح الضعيفة والتي تنبعث منها الروائح الرجعية الفاسدة والأمراض الاجتماعية الأخلاقية المزمنة حيث لاقت تربتها الخصبة فرتعت فيها وترعرعت وأثمرت تطرفاً وتكفيراً ولا إنسانية وحقداً وكرها ودمارا وويلاً وثبوراً فانحطت الأخلاق لأدنى مراتبها وانحدرت القيم فبتنا كأننا في عصور الظلمات أو الجاهلية الأولى يستبيح الإنسان دم وعرض ومال أخيه الإنسان..
وطن يضم المقهورين والمعذبين والفقراء والمظلومين والسجانين والمسجونين والمترفين والمشردين والانتهازيين والحالمين والظالمين والضالين..
وطن أجمل ما فيه أنه وطن لكنه يبحث عن أبنائه فلا يجدهم وقت حاجته لهم..
إنه الواقع بكل إسقاطاته وتناقضاته الخير والشر الحلم والواقع الحقيقة والوهم تتجسد في هذا العمل الجميل المتقن بحق الذي يعتبر أهم ما يميزه الديكور البسيط المشغول بعناية، المتخفف من أي بهارج أو زوائد المعبر الملائم للموضوع والأفكار والشخصيات..
عمل أبدع فيه ممثلوه في تأدية أدوارهم لدرجة تحسب لهم أكثر من هواة نظراً لأعمارهم.. هم مشاريع لممثلين حقيقيين يرسمون ملامح مستقبلهم الفني الواعد أقنعونا بجرأتهم وحرارة إيمانهم بالنص وبالرسالة التي يحملها العمل كله..
عمل حامله الرئيس الأول والأخير نص متميز كتب بعناية ودراية وإبداع حَمَّال فِكَـر تصلح لزمننا ولكل زمان..
إنه ضجيج الأرواح التي علاها الصدأ وصديد الحضارة ونفوس البشر التي تحجرت وتوثنت وتعفنت وأثمرت جنوناً في كل شي حولنا فلا نجد ملاذاً ولا ملجأً ولا دوحة من حلم تستريح في أفيائها أرواحنا المتعبة..
شكراً للمسرح القومي في طرطوس على أصالته وجهوده النبيلة لتقديم الفن بأبهى صوره على خشبته العريقة وشكراً لكل من ساهم في إبداع مسرحية «ضجيج» « كاتباً ومخرجاً وكوادر تقنية وممثلين..
أخيراً..
لقد نجحت «ضجيج» في أن تخلق لنا فسحة من المتعة والجمال وسط هذا الضجيج الهائل والحزن المقيم من حولنا.

 

ليندا ابراهيم

http://alwatan.sy/

 

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *