المسرح الوطني الفلسطيني مهدد بالإغلاق

وجه مسرحي مضيء ونشط ومميّز، يحمل هموم وطنه كاتبًا وممثلاً ومخرجًا، درس في أكاديمية الفنون الجميلة، قسم فنون مسرحية لمدة عام، ولم يواصل

 

دراسته، إذ سجن من قبل الاحتلال “الإسرائيلي” عامًا ونصف العام، ومنع من السفر لمدة خمس سنوات حتى عام 1991 تابع دراسته في معهد خاص بالمسرح في القدس الغربية المحتلة (المعهد العالي للمسرح التشكيلي)، وهو يعيش في فلسطين بمدينة القدس، ويبدو أن الصعوبات التي تواجه الشعب الفلسطيني، لا بد أن تطال المسرحيين أيضًا، مرة بالمطاردة، وأحيانا بالإغلاق للمسارح، ورغم ذلك فقد جابه “الباشا” هذه الظروف وأبدع عددًا كبيرًا من الأعمال المسرحية، وأخرج مجموعة كبيرة تقارب العشرين عملاً.

الاحتلال الإسرائيلي من جانبه لا يريد “للحكواتي” أو المسرح الوطني الفلسطيني أن يحكي قصص صمود ومعاناة الفلسطينيين بالقدس، ويرفض أن يظل أحد أعمدة الثقافة الفلسطينية فيها، فالمسرح الوطني الفلسطيني بالقدس بات مهددًا بإجراءات الاحتلال التعسفية الهادفة للجم عمله الفني والثقافي، خاصة تلك التي تفضح الاحتلال وجرائمه.

في هذا الحوار الذي أجرته الراية على هامش مهرجان المسرح العربي يكشف لنا الباشا أهم الصعوبات التي تواجه المقر الذي يتوسط القدس القديمة، إضافة إلى التطرّق لمواضيع ثقافية خاصة بالفلسطينيين داخل القدس.. فإلى نص الحوار:

> في البداية نودّ أن نبدأ مع مقر المسرح الوطني الفلسطيني “الحكواتي” بالقدس القديمة الذي تهدّد إسرائيل بسحبه، كما حدث مع “بيت الشرق”.. فما الجديد في هذه القضية؟
– هذا الموضوع بدأ منذ حوالي عامين أو عام ونصف العام، والمسرح الوطني الفلسطيني دخل في أزمة إدارية ومالية، بعد أن استقال المدير العام للمسرح أصبح هناك خلل كبير نتيجة لعدم دراية أعضاء الهيئة الإدارية بكيفية إدارة مكان ثقافي على هذا المستوى، فهو المركز الوحيد الموجود في القدس، ويتضمن قاعتي عرض الأولى تسع 300 مشاهد والأخرى 120 مشاهدًا، يستخدم كمقر للعروض الفنية والثقافية واجتماعات الكتاب، والنشاطات السياسية والوطنية، ونشاطات تكريمية.

تمّ إغلاق المقر عدّة مرات بحجة أن الأنشطة المقامة تتبع السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن المشكلة الموجودة اليوم إدارية أكثر منها سياسية، فإغلاق بيت الشرق حدث على خلفية سياسية، أما محاولة إغلاق المسرح الوطني الفلسطيني اليوم فتأتي على خلفية سوء إدارة، حيث إن إدارة المسرح الوطني الفلسطيني لم تسدّد ديون ضريبة البلدية على مدى عامين، ووصل المبلغ إلى حوالي 2 مليون شيكل، كما أن ضريبة الدخل لم تدفع للحكومة الإسرائيلية، إضافة إلى ضريبة التأمين الوطني للإسرائيليين إضافة لفواتير المياه والكهرباء، فتراكمت هذه الديون مع ديون قديمة، وقد تم مؤخرًا انتخاب هيئة إدارية جديدة تسعى إلى تغطية هذه الديون بأي طريقة، توجهت للسلطة الوطنية الفلسطينية وللمؤسسات الداعمة التي تموّل مشاريع في القدس، ونحاول أيضّا التوجّه إلى جهات عربية والأشخاص الذين من الممكن أن يساهموا في تسديد هذه الديون حتى لا يغلق.

الشهر الماضي أرسلت دائرة الإجراء الإسرائيلية رسالة إنذار مدته ثلاثة شهور وإذا لم يتم تسديد الديون خلال هذه المهلة سيتم الحجز على مقر المسرح الوطني الفلسطيني بالقدس الذي يعتبر المتنفس الوحيد للحركة الفنية والثقافية داخل القدس.

وقد بني هذا المبنى عام 1952 كدار سينما وفي عام 1984 تمّ تحويلها إلى مسرح من قبل فرقة الحكواتي، وقبل هذا التاريخ وهي تمارس عملها كمؤسسة ثقافية داخل القدس تخدم الثقافة الفلسطينية والعربية والعالمية والعلاقة المتبادلة داخل القدس.

> المسرح في فلسطين لا يختلف عن أي جانب آخر من الجوانب الثقافية الفلسطينية، متأثرًا بما تتأثر به هذه الثقافة من عوامل تراجع بسبب الاحتلال والتغيّرات السريعة، لكن ما مدى جماهيرية المسرح في فلسطين؟
– المسرح في فلسطين لا يختلف عن المسرح في أي منطقة بالوطن العربي باستثناء مصر، باعتبار أن تاريخ المسرح في مصر بدأ قبل سنوات طويلة قبل المسرح في فلسطين وباقي المنطقة العربية، الجمهور الفلسطيني يتابع ما يقدم من خلال المسرح، وكل العروض المسرحية – بالمقارنة مع أي دولة عربية – تعرض عشرة عروض على الأقل، وبإقبال جماهيري كبير، ولدينا عروض ومسرحيات يستمر عرضها لمدة سنوات، وأنا شخصيًا كتبت مسرحيات تعرض منذ أربع سنوات وحتى الآن، وعمليًا نحن نأتي بالجمهور إلى المسرح، ونذهب إلى الجمهور في أماكن تواجده، نعرض في المدارس وفي المؤسسات الفنية والثقافية الأخرى داخل المدن الفلسطينية لفلسطينيي 1948 وفلسطينيي 1967، أما قطاع غزة فلا نستطيع دخوله لأننا نحتاج إلى تصاريح للدخول والإسرائيليون لا يمنحوننا تصاريح للوصول، فعمليًا يوجد لدينا حركة جماهيرية تتابع المسرح ولكن ليس بالطموح الذي نريده، المتمثل في إمكانية عرض مسرحية لمدة شهرين في مكان واحد، والمسرح في بداياته في فلسطين ونحن ما زلنا على الطريق.

> كممتهن فاعل في المسرح وداخل الأراضي الفلسطينية بما تعيشه من اضطهاد الاستعمار وتحدي المقاومة، ما هي خصوصيات العمل في القدس؟
– حتى نعرف سياق العمل في القدس يجب أن نعرف سياق الوضع السياسي في القدس، فالقدس الآن محاصرة بشكل كامل، سياسيًا واقتصاديًا وجغرافيًا، فعندما نودّ أن نذهب إلى بيت لحم في الجنوب أو إلى رام الله في الشمال يجب أن نقطع حواجز يتم إغلاقها في بعض الأحيان، أما الجهة الأخرى ناحية فلسطينيي 48 مفتوحة ونصل إليها، ولكن الموضوعات التي نطرحها في المسرح بالقدس تختلف عن توجّه المسرح الخاص بفلسطينيي 48، حيث إن نضالهم يذهب الآن في اتجاه الحصول على حقوق متساوية مع الإسرائيليين، وبالتالي التوجّه لا يختلف كثيرًا مع وجود فروقات بسيطة، فالأزمات التي نمرّ بها ويتناولها المسرح والشعر والأدب تتمثل في عدّة نقاط أولها الجدار العازل، ثم الضرائب الباهظة غير المنطقية التي تفرض علينا، والتهديد بإغلاق المؤسسات داخل القدس طوال الوقت، فلا نستطيع في القدس أن نحصل على تمويل من السلطة الوطنية الفلسطينية، لأنه بناءً على اتفاقية أوسلو لا يجوز للسلطة الوطنية الفلسطينية أن تمنح أموالاً لمؤسسات في القدس، ولا نريد ولا نقبل أن نأخذ أموالاً أو منحًا أو تمويلاً من المؤسسات الإسرائيلية، المؤسسات الأوروبية والأمريكية تفرض على التمويل الخاص بالقدس شروطًا غير واضحة، بمعنى أنك ستجد ملايين الدولارات بشرط أن تتعاون مع الإسرائيليين في مشروع مشترك، فمثلا الاتحاد الأوروبي يقول إن هناك 5 ملايين يورو جاهزة للمشاريع الثقافية بين الفلسطينيين واليهود، فعمليًا هم يحاولون بقوة الضغط الاقتصادي أن يشدونا لكي نعمل معًا بغض النظر عن مواقفنا السياسية وهو أمر نرفضه تمامًا.

فما يتبقى لنا هي المساعدات العربية وهي قليلة جدًا وتذهب للمجالات الصحية والتعليمية، ولكن الثقافة والفن تؤثر في الوجدان الإنساني أكثر مما يؤثر المدرس أو الطبيب.

> هل افتقاد المسرح الوطني الفلسطيني لرؤية واضحة أو هدف محدّد سببه الاعتماد بشكل أساسي على التمويل الخارجي غير الثابت؟
– تقريبًا هذا هو السبب الرئيسي، لكن المشكلة الكبرى هي عدم دراية من يديرون المسرح الوطني الفلسطيني بالفعل الثقافي وعلاقته بالاقتصاد، الفعل الثقافي يجب أن يكون ممولاً بشكل أو بآخر، وإن لم يكن لديك دولة فعليك أن تبحث عن بدائل، إما الجمهور أو الأصدقاء أو من يتعاطفون معك ومع قضيتك، أو التوجّه لعمل وقفيات لدعم العمل الثقافي، أما الاعتماد طوال الوقت على التمويل الأجنبي، أو حتى التمويل العربي، وأن نتحوّل من منتجين إلى عبء على الآخرين فهذه كارثة من الكوارث.

> إلى أي مدى يتأثر المسرح الفلسطيني بمشكلات الرقابة والإنتاج؟
– لا توجد رقابة في فلسطين ولا إسرائيل، والفنان الفلسطيني يفعل ما يشاء، والسلطات الإسرائيلية تفعل ما تشاء، فإذا أنتجت عملاً مسرحيًا تعتبره إسرائيل خارج القانون، يرفعون قضية ضدي ويضعونني في السجن، وحتى عندما كانت هناك رقابة قانونية كنا نفعل ما نشاء، كنا نقدّم للرقابة نصوصًا ونقدم شيئًا آخر، وعندما تأتي الاستخبارات نوقف المسرحية، وأحيانًا كنا نسجن في فترة الثمانينيات والسبعينيات، وأنا سجنت عامًا ونصف العام ولكننا نستمر، فالنضال ليس كلمة تقولها وإنما ممارسة تعيشها سواء أكنت فنانًا أو مناضلاً أو سياسيًا.

> هل للمسرح أن يفعل شيئًا أمام الإجرام الصهيوني الذي يتكرّر كل فترة ضد العرب؟
– المسرح يفعل طوال الوقت لفلسطين، ليس فقط المسرح الفلسطيني وإنما المسرح العربي والعالمي يفعل وينجز من أجل فلسطين، ولكن نحن لا نتحدّث عن تغييرات تحدث بين عشية وضحاها ولا انقلاب، فالمسرح لا يمكنه أن يحدث انقلابًا وإنما يحدث تغييرًا في الوعي الإنساني سواء لدى الإنسان الفلسطيني أو العربي أو الإنسان بشكل عام تجاه القضية الفلسطينية، فالمسرح يعرف بالقضية ويوعي الناس بالمعاناة الفلسطينية ويجمع حولهم مساندين، فعندما أنشئت الحركة الصهيونية لم يكن العالم صهيونيًا، وإنما كانت هناك مجموعة من المجانين اليهود قرروا أن ينشئوا دولة، وبدأوا بالفكرة ثم أنتجوا سينما ومسرحًا وتلفزيونًا، واليوم من النادر أن تشاهد فيلمًا أمريكيًا أو أوروبيًا لا يزج فيه اسم يهودي أو إسرائيلي، وهذا أخذ مئتي عام من العمل، نحن كفلسطينيين بدأنا العمل في هذا الاتجاه بعد عام 1967 لأنه قبل ذلك كنا نعيش في وهم أن الدول العربية والجيوش العربية ستأتي لتحرّر فلسطين 48 وستنتهي المشكلة، فكان خطابنا خطابًا سياسيًا مباشرًا تحريضيًا، بعد 1967 أدركنا أن هذا الخطاب ليس المناسب وأن هناك مشكلة في وعينا وفي تفهمنا لواقعنا وفي ثورتنا، والآن نعمل على توعية الناس على البحث في أخطائنا وكيفية علاج هذا الخطأ حتى نستطيع أن نغيّر من وعينا نحن كفلسطينيين أولاً ثم كعرب، لنطالب بمساندة العالم، ونحن نسير في هذا الاتجاه كحركة ثقافية في المجمل وليس كحركة مسرحية فقط، في الشعر في الأدب وكافة المجالات الفنية.

 

كامل الباشا

http://www.raya.com

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *