المسرح السياسي.. هل هو مرادف للملل؟

«هل سيكون للمسرح السياسي اي تأثير البتة؟» ذلك هو السؤال الذي طرحه أحد الحضور خلال لقاء مع الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي ديفيد هير، وقمت بالرّد على ذلك بأنه من غير المعقول توقع ان يقود المسرح السياسي الى اسقاط الحكومات او اصدار تشريعات جديدة. واشرت الى ان كل ما في مقدور هذا المسرح القيام به هو التعريف والكشف والتسلية، وتفتيح الوعي، وأحيانا اذا حالفنا الحظ نجد كل تلك الجوانب معا في عمل الاعمال.

 

 

وقال هير «إنني سعيد لإجابتك» عن هذا السؤال. فهو يثار في كل لقاء ومقابلة أجريها. وقد بدأ رصيدي من الاجابات ينفد».

صوت أكثر وضوحاً

ولدي شعور بأن من يستمتعون منا بالمسرح السياسي يجب أن يُسمعوا أصواتهم أكثر وبوضوح. فقد حان الوقت كي نشير الى ان المسرح السياسي ليس مرادفا للملل والسأم، بل إنه يغطي مساحة واسعة من الأساليب والاشكال، وهو يشمل انواعا مختلفة من الدراما بدءا من «دون كارلوس» لشيلر الى المسلسل التلفزيوني «نعم يا سيادة رئيس الوزراء»، ومن مسرحية «كوريولانس» لوليام شكسبير الى «شاطئ اليوتوبيا» لتوم ستوبارد. كما انني لا اتفق مع سايمون ستيفنس الذي قال في إحدي الندوات التي أقيمت مؤخرا في اوكسفورد حول هذا الموضوع، إن كل انواع الدراما تعد سياسية. ولكنني اقرّ بأنني أتفاعل أكثر مع أية مسرحية ذات موضوع سياسي مقارنة بأخرى تدور حول علاقات الحب والخيانات العاطفية.

تنوع لامتناهٍ

ولاثبات وجهة نظري حول التنوّع اللامتناهي للمسرح السياسي، أود أن أعرض اربعة أمثلة حديثة. والأقرب الى ذهني صياغة مايكل شابلين ليوميات كريس مولين «دور ثانوي» في مسرحية قدمت على خشبة مسرح سوهو في لندن. وما تقدمه هذه المسرحية بانوراما غير عادية للحياة في ظل حكم حزب العمال الجديد. أي كل شيء ابتداء من ذلك الصباح الصحو البديع عند وصول طوني بلير الى مقر رئيس الوزراء في 10 دواننغ ستريت في مايو 1997، الى اليأس الموجع، والارتباك الذي صاحب مغادرة غوردون بروان لذلك المقرّ في عام 2010. غير أننا نشهد كل الاحداث والأمور من خلال العين الراصدة لكريس مولين الذي يجمع فيما بين الضمير الاجتماعي الذي يتسم به وحبّه الجارف للنميمة.

ولمشاهدة نوع أكثر تراجيدية في المسرح السياسي علينا فقط الرجوع الى مسرحية «بينغو» لمؤلفها ادوارد بوند التي عرضت أخيراً في مسرح يونغ فيل في لندن، ويدهشني ان أجد بعض زملائي المتحذلقين ينظرون الى هذا العمل بانه رؤية ماركسية مختزلة لوليام شكسبير الذي انهى حياته سارحاً في تأملات في حديقة بيته في ستراتفورد، وأقول بداية ان ذلك يبدو لي أكثر صدقاً من الصورة التي تقدم لشكسبير الذي تم تقديسه في تمثال نصفي وضع في كنيسة الثالوث المقدس في ستراتفورد، ويبدو فيه كشخص راض عن نفسه وقانع بما قدم.

الإنسان والقسوة

غير ان ادوارد بوند في عمله المذكور فتح الباب امام عالم ارحب عن طريق جعل شكسبير يواجه المسألة التي لا بد ان تكون قد ارقت الكاتب الذي تناول بصورة مستمرة ومتكررة التهديد الذي تشكله الاضطرابات الاجتماعية، واخطاء السلطة وميل الانسان للقسوة.

دور المسرح

كما ان للمسرح السياسي دورا آخر هو التنبيه وتحفيز الوعي والضمير، ولا يوجد هناك من قام بهذا الدور مثل نيكولاس كينت خلال 28 عاماً قضاها في مسرح ترسايكل في لندن، وآخر مشروعاته العظيمة «القنبلة» العمل الذي شارك في تأليفه أكثر من كاتب، ويذكرنا ذلك العمل بان ما يفترض من امتلاك بريطانيا لرادع نووي مستقل ما هو الا حركة رمزية لا قيمة لها، كما انه يطلب منا مواجهة التناقض السخيف الذي يطرحه امتلاك القنبلة، أي الرد والثأر في حالة وقوع اعتداء نووي الذي سيكون فظيعاً بينما اذا لم يتم الرد والثأر فان ذلك يجعل المشروع بلا قيمة.

أما بالنسبة لعمل جيليان سلوفو «أعمال الشغب» فانني استطيع فقط ان اعبر عن دهشتي من تمكن مؤلف واحد من تغطية مثل ذلك الحيز الواسع وتقديم ذلك التنوع في وجهات النظر حول أسباب اندلاع أعمال الشغب في شوارع مدننا خلال الصيف الماضي، وأنا لا أقول انني أود ان يكون كل عرض مسرحي أشاهده من النوع السياسي المباشر، بل انني أكون في غاية السعادة عندما أشاهد أعمالا مسرحية ذات موضوعات أخرى مختلفة، بيد انني اقرّ أيضاً اننا قد نشاهد مسرحيات سياسية سيئة الى جانب تلك الجيدة، غير انني أرى ان علينا ان نعد أنفسنا محظوظين انه خلال الـ65 عاماً الماضية رفض كتاب المسرح البريطانيون ان يعيشوا في أبراج عاجية، بل نظروا إلى أنفسهم على انهم جزء من المجتمع بدلاً من ان يكونوا منفصلين عنه، وقد جعل ذلك مسرحنا أكثر ثراء وتأثيراً.

(صحيفة اوبزرفر)

مايكل بلينغتون

http://www.alqabas.com.kw

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *