جلال الشرقاوي‏:‏ مستعد لتعليم الإخوان أصول المسرح الحقيقي

‘‏ أن تضيء شمعة خيرا من أن تظل ليلك تلعن الظلام‏’‏ هذا ما فعله المخرج الكبير جلال الشرقاوي الذي فاجأ الجميع بعرض مسرحيته الجديدة‏’‏ الكوتش‏’‏ في وقت هرب من الساحة جميع منتجي القطاع الخاص.

بحجة الظروف غير الملائمة وعزوف الجمهور واتجاهه للسياسة والخوف من الفراغ الأمني, وتأتي المسرحية في إطار نقدي يرصد حال القضاء المصري الذي تعرض لموجة من العنف والمواجهة الصعبة التي تنذر بسقوط آخر حصون مصر التي تنحاز للبسطاء بإقامة ميزان العدل في المجتمع.
المسرحية بطولة طلعت زكريا ووائل نور وإنتصار وإيناس بن علي ولي لي قاسم, ومن تأليف صلاح متولي وموسيقي د.جمال سلامة, وإخراج جلال الشرقاوي الذي يحدثنا عن خطوته الجريئة عبر هذا الحوار.
إضاءة أفيش المسرح في الوقت الحالي هل هي مغامرة محسوبة ؟
أعلم أنني أغامر باسمي وتاريخي وأموالي, بل هناك من اتهمني بالجنون عندما فكرت في عرض مسرحية’ الكوتش’ في هذا التوقيت الذي ينشغل فيه الجمهور بالسياسة والفراغ الأمني وعدم الإستقرار والجري وراء لقمة العيش, لكن أقولها صريحة’ أهلا بالجنون’ إذا كان يشكل ثقافة ووجدان شعب, فالمسرح علي مر العصور هو الجهه الوحيدة التي ظلت تقوم بتوعية الناس وتنتقد الحكام الذين يحيدون عن طريق الحرية والعدل, هذا هو دور المسرح منذ أيام’ إسخيليوس وأرسطو’ وحتي الآن, لكن السؤال هنا لماذا يخاف خفافيش الظلام من إضاءة المسرح؟, لذلك أدعو جميع الفنانين لعمل مسرحيات في الوقت الحالي حتي يعود الوعي العام للجمهور مرة أخري.
اختيار طلعت زكريا للبطولة أثير حوله علامات استفهام كثيرة عند البعض ألا تخشي مقاطعة شباب الثورة ؟
هذا السؤال يدور في عقول كثيرين بالفعل, لكن علينا أن نتعامل بجدية مع الموقف الحالي, فـطلعت زكريا هو أنسب فنان لهذا الدور وهو كوميديان كبير له خبرة في المسرح, وقد أخطأ في بداية الثورة عندما تحدث بشكل غير لائق لكنه اعتذر بعدها, ولا ننسي أن البعد الإنساني في العلاقة بين الرئيس السابق وبينه كان له وجود في هذه المشكلة, خاصة في فترة مرضه, ودعني أسأل: هل العودة من الخطأ إلي الصواب عيب ؟ فمن كان منكم بلاخطيئة فليرمني بحجر’كما قال السيد المسيح عليه السلام’, لذلك أعتقد أن هذه النقطة قد تم تسويتها تماما ونحن الآن في مركب واحد علينا أن نفكر في العبور للشاطيء الآخر.
لماذا اخترت رواية’ الكوتش’ تحديدا ؟
المتابع للأحداث خلال العام الماضي يجد أن أعمدة الدولة انهارت عمدا حتي تفتح الطريق لبعض أصحاب المصالح, ولم يبقي منها إلا القضاء وهو الحصن الوحيد الصامد في وجه الطوفان, ولو سقط هذا الحصن قل علي الدنيا السلام, وعندما قرأت الرواية وجدتها تتماشي مع الأحداث الحالية, فهي تجسيد لما نراه يوميا من محاولة الإنقضاض علي السلطة القضائية وعدم إقامة العدل, وما حدث أمام مكتب النائب العام والمحكمة الدستورية خير دليل علي كلامي, لذلك بدأت المسرحية بعبارة’ إهداء إلي قضاء مصر الشامخ’.
الرواية تظهر أن القاضي متعاطف مع الشعب فماذا قصدت؟
القاضي إنسان من لحم ودم لكنه لا يدخل عواطفه في العمل رغم أنه في بعض الأحيان يشعر بالمرارة, فهو ليس آلة ويكون حكمه بموجب الأوراق الموجودة تحت يديه, وقد تعاملت مع القضاة خلال السنوات الأربع الماضية بسبب قضية غلق المسرح ووجدت أنهم أناس عاديون يضحكون ويحزنون, لكن لديهم ضمائر يقظة خاصة في الحق, وفي نفس الوقت يشعرون بما يعاني منه الشعب, فمثلا أزمة البنزين أو غلاء المعيشة بالتأكيد شعروا بها كما حدث لعامة الشعب, لكن الرواية أظهرت صورة القاضي الإنسان أولا وأخيرا, وأنه الوحيد القادر علي إقامة العدل ودرء الظلم عن المظلومين, فإذا إنهار القضاء إنهارت الدولة.
لكن الرواية بها إسقاطات سياسية عديدة, وتتناول الأحداث بجرأة غير عادية ألا تخشي غضب السلطة الحاليه ؟
المتابع لـ’مسرح الفن’ يجد أنني قدمت العديد من الروايات الجريئة والتي تنتقد السلطة في أوج عنفوانها, فمنذ الثمانيينات قدمت مسرحية’ ع الرصيف’ التي انتهت بسؤال’ من سرق مصر؟’ ومسرحية’ إنقلاب’ التي هاجمت الدولة وحاربت التطرف الديني بإرهاب مماثل, وقلنا أن العلاج الاقتصادي والاجتماعي هو الحل وليس لغة السلاح, وأيضا مسرحية’ دستور يا أسيادنا’ التي نادينا فيها بتداول السلطة وبأن فترة حكم رئيس الجمهورية لا تزيد علي مدتين, وعانينا أشد المعاناة من السلطة الحاكمة وقتها, وتعرضنا لغلق المسرح والتهديد من أمن الدولة, ومع ذلك لم أخش بطش السلطة, فهل أخشاها الآن وبعد كل هذا التاريخ ؟ بالتأكيد لا, فنحن نتعرض داخل الرواية لبعض السلبيات الموجودة في المجتمع والتي تحتاج لعلاج جذري حتي ينصلح حال البلد والذي لن يكون إلا علي أيدي شبابها الذي يحلم بالحرية والعدل والمساواة.
بخبرتك الكبيرة ما الذي تغير في الجمهور الآن ؟
خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت هناك محاولة لإبعاد الشعب عن المشاركات السياسية, وجعل الكل يلهث وراء لقمة العيش حتي تم تجريف البلد من الخبرات ووضع أشخاص غير مؤهلين في أماكن حساسة حتي تقضي علي البقية الباقية من الحركات الثقافية, لذلك انتشرت بعض الفرق المسرحية التي قدمت أعمالا بلا مضمون أرادت من وراء ذلك تغييب الوعي العام لدي الجمهور, لكن رغم ذلك ظلت هناك فرق أخري تقاوم هذا التيار وتقدم أعمالا هادفة لها قيمة, وأكاد أجزم أن شباب ثورة25 يناير هم الفئة التي تشكل وجدانها الثقافي والسياسي من خلال المسرح, والغريب الآن أن جميع فئات الشعب أصبحت تتكلم في السياسة بشغف وتناقش وتسأل,
ما رأيك فيما يقال بأن الإخوان لديهم فرق مسرحية سوف تكتسح السوق في الفترة القادمة؟
سمعت كثيرا عن شركات إنتاج سينمائي وتليفزيوني تتبع الإخوان, وفرق مسرحية تعمل روايات من إنتاجهم, لكن حتي الآن لم أشاهد أي مسرحية من إنتاجهم وأنا مشتاق لمشاهدة أعمالهم المسرحية التي يتحدثون عنها, لأن المسرح له قواعد وأصول لابد من مراعاتها, والسؤال هل يمتلكون المعرفة الكاملة بهذه القواعد؟, أشك في ذلك لأنهم غير دارسين للمسرح الحقيقي الذي يحتاج لسعة أفق وخيال كبير, وأنا مستعد أن أعلمهم أصول العمل المسرحي الصحيح, أما العمل غير الجاد والذي يخلو من وجود المرأة ويظهر علي أنه درس تعليمي لجماعة معينه ويدعوا إلي التشدد الديني فهذا مرفوض.

 

أحمد سعد الدين

http://www.ahram.org.eg

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *